حب لبيروت وفجيعة الاطلال العربية لزاهي وهبي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
بيروت من جورج جحا: كتاب الشاعر والاعلامي اللبناني زاهي وهبي الاخير "3 دقات.. بيروت على خشبة مسرح" الذي أراده كتاب حب لبيروت.. ليس مجموعة شعرية لكن روحا شعرية حزينة -روح حب حزين- تلفه خاصة من خلال تقديم الشاعر لعمله الذي ضم مقابلات وموضوعات نشرها في تسعينات القرن المنصرم.
واذا كان وهبي قد استعار من المسرح دقات افتتاحية ثلاثا ليدخلنا الى عالم خشبة بيروته فالاكيد ان كثيرا مما جاء في الكتاب يحمل فضلا عن العمل النقدي والتحليلي دقات حب من القلب لانشطة وأعمال وأشخاص وأجواء وحقبة زمنية عرفتها بيروت بعد صعودها الذي لم يطل كثيرا من آتون حروب وويلات وأزمات صارت تبدو كانها سمات لها ثابتة.. تغيب ولا تلبث ان تعود في صور دوائر مفجعة في تكرار دائم.
واذا كان البطل الاغريقي دائم المواجهة مع قدر ساحق وهو في مجالات من هذه المواجهة يخلق جمالا مؤلما وقاسيا في مقارعة مصير مأسوي فاللبناني كما يبدو يشكل بصورة ما استمرارا لتقليد الاحزان العربية المتمثلة في الوقوف على الاطلال. وقد يكون من الظلم الشديد ذلك الاستخفاف أو شبهه الذي يصدر أحيانا عن قسم من مثقفينا بموضوعات الوقوف على الاطلال. انه ظلم لا للذات العربية فحسب بل للاحزان الانسانية الكبرى. فتلك "الوقفات" وعلى رغم السخرية النؤاسية الشهيرة من أصحابها هي في نهاية الامر صورة مصغرة لكل "فردوس مفقود" ولسحب الامال المهاجرة والايام الحلوة الافلة. وقد يكون صحيحا القول إن الايام الذهبية هي إما ماض ذهبي غاب او عصر قادم كما عند بناة اشكال اليوتوبيا المختلفة. وبهذا فان الحاضر الذي نعيشه يبدو منسيا او عاديا و"ا ليا" احيانا الى ان يغيب وعندها نبكي على الزمن المفقود.
لكن زاهي في كتاباته المسجلة "الموثقة" هذه لم يقع اسير هذه اللعبة بل تفلت من جاذبيتها. والتفلت هنا ليس عملا اراديا بل هو كما يبدو عنده امتلاء وتقدير لقيم جمالية فنية وانسانية عديدة يوم كانت في حاضرها.
وقد يسأل سائل.. كيف يجوز وصف كتاب حب وتقدير لبيروت ككتاب وهبي بانه بكاء على زمن راحل.. ربما كان في مثل شعبي لبناني جواب عن ذلك. يقول ذلك المثل "اللي بيطفر بيفتش عن دفاترجدو (او دفاتره) القديمة." ودفاتر زاهي هنا مليئة حافلة. ترى لماذا نتذكر اياما حلوة مضت.. ولعل زاهي -لو كان في حاضر بيروت ما يشبه تلك الايام- لكان انشغل بها.. فهو شاعر فنان وليس مؤرخا.
وهو في كتابه المخصص للمسرح اساسا -وان نفى عنه شبهة البكاء على الاطلال بالمعنى المسطح لهذا التعبير- قال بوضوح حاد قاطع متحسرا على مسارح وبقع ثقافية مضيئة اخرى "هذا الكتاب هو تحية صادقة وحنونة لهؤلاء ولاولئك ولاناس ولامكنة ايضا. فكم يحزنني صدور "3 دقات" ولا مسرح في بيروت يحمل اسم مارون النقاش ولا اضواء تلمع في البيكادللي او عين المريسة. وليس في شارع الحمراء مقهى الويمبي ولا مقهى المودكا ولا سواهما من عناوين كانت بمثابة العلامات الفارقة التي تمنح المدينة معنى اخر من معانيها وتوقد في امسياتها نارا مبدعة يتحلق حولها الساعون الى التخفيف ولو قليلا من صقيع الوجود."
وتحت عنوان كلام تقديمي بعنوان "ضروري" اضاف يقول "ليس في ما سوف ياتي ندب او نواح او بكاء على الاطلال وجل ما فيه حنين وتذكر وتذكير عسى ان تنفع الذكرى خصوصا لبعض من يظنون انهم يبدأون الان -هنا- من فراغ.. اذكّر مدركا ان سنّة الحياة ولادة جيل وافول اخر.. خراب امكنة ونهوض سواها. لكن المهم بقاء الروح حرة نضرة ونظيفة. وهذا دأب بيروت وسنّة استمرارها... انه كتاب ضد النسيان. انها دقات ثلاث ستظل تقرع عساها تسمع من ينبغي لهم الا يصمّوا قلوبهم عن نبض المدينة.. نبض الحياة."
اهدى وهبي كتابه الى الشاعر شوقي ابي شقرا احد كبار شعراء الحداثة في لبنان ووصفه بانه "ابيض القلب والقلم واللسان". زاهي وهو الان من كبار الشخصيات الاعلامية المؤثرة في العالم العربي عمل في صحيفة النهار اللبنانية التي تولى ابي شقرا المسؤولية عن صفحتها الثقافية قبل ان يعمل في تلفزيون "المستقبل" حيث قدم برامج ثقافية واجتماعية وسياسية شهيرة. وصف زاهي الشاعر ابي شقرا بحق بانه "فتح الابواب لاجيال متعاقبة من مبدعين مكرسين وهامشيين بربطات عنق او صعاليك حفاة..." كثير من مواد الكتاب نشر في صحيفة النهار.
صدر كتاب وهبي في 428 صفحة كبيرة القطع عن "الدار العربية للعلوم- ناشرون".
اما عناوين الموضوعات التي وردت فيه وتناولت اعمالا وانشطة لمسرحيين شهدتها بيروت في تسعينات القرن الماضي فقد كانت على الشكل التالي.. "بول شاؤول.. مدينة لا يوقفها احد" و"رفيق علي احمد.. احسن القصص" و"روجيه عساف.. حكواتي كل زمان.. ومكان " و"نضال الاشقر.. دامت المسارح في دياركم عامرة" و"سعد الله ونوس.. كتابة تقهر الموت" و"جواد الاسدي.. تقاسيم على الروح" و"يعقوب الشدراوي.. بلا لعب يا ولاد" و"فاضل الجعايبي.. لاجل الانسان" و"منصور الرحباني.. حلم صار وطنا" و"زياد الرحباني.. كامل الاوصاف" و"جيرار افاديسيان.. اه يا غضنفر" و"سهام ناصر.. تكسر القلب" و"شكيب خوري.. امام الباب" و"جلال خوري.. ارتباك الطليعي" و"عبيدو باشا.. تعب المهنة وعرق الجبي" و"ميشال جبر.. روحانية العرض" و"يحيى جابر.. ابتسم انت على المسرح" و"ربيع مروة.. هوامش العيش والاوجاع" و"جهاد سعد.. في سرب الماغوط" وموضوعات اخرى.
في الكتاب بعض ما كتبه زاهي في مجالات غير المسرح من وجداني واجتماعي. من ذلك ما جاء تحت عنوان "صديقاتي اللواتي كنّ شجرات" حيث قال الشاعر "خسرت صديقاتي وخسرت معهن رهان الفيء والظلال والنسمة التي تعبرني بخفة ورشاقة والصحبة الطيبة التي لا تغدر ولا تطعن في الظهر... وصديقاتي شجيرات خمس يسكن الرصيف قبالة "النهار"... عرفتهن منذ سنوات واقفات في مهب الريح والحروب التي غالبا ما قصفت منهن اغصانا وبراعم لكنها لم تقو على فيئهن وظلالهن... امس خسرتهن. جاء المنشار الارعن ذو الصوت الوحشي المزمجر واقتلعهن..." وختم بالقول "وهيهات هيهات.. من يضمن عمره وايامه ليصادق من جديد شجرة وظلالا وحفيفا.. زمن يعز الرفق والاصدقاء." (رويترز)