كتَّاب إيلاف

لا تقرأ هذا المقال!

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

خاصة إذا لم تكن قائد تحالف أو حزب أو وزيراً في العراق!

أعلنت الأحزاب والكتل السياسية في العراق تحالفاتها وأكملت تسجيل قوائمها الانتخابية لدى المفوضية العليا المستقلة للانتخابات ملحقة اسم العراق بأسمائها ودون استئذان لا من أهله ولا من أرضه ولا من سمائه. كلها اتكأت على اسم العراق المكلوم ودخلت حلبة السباق للوصول برجالها ونسائها إلى بقرة السلطة الحلوب والتي زبدتها (لدى البعض) ذهب وألماس ومسلسلات تلفزيونية وأمجاد، وعلى طريقة أمجاد يا عرب أمجاد!
لكن القادة الذين ضموا اسم العراق لأحزابهم ولكتلهم العتيدة لم يعطوا العراق شيئاً ينهض به بعد طول حروب ودمار.مبتلعين وعودهم الكبيرة! لم يعطوه ولو حتى المقابل المادي أو المعنوي لاستعمال اسمه فمن المعروف أن استعمال أية ماركة لا يتم إلا بعقد مكتوب ينص على وجوب دفع كلفة محددة لقاءها وبنفس الوقت يقتضي احترام الاسم أو الماركة وعدم تقديم بضاعة تخل بسمعتها وتضر بها في عالم يزدحم بالتنافسات التجارية والحضارية!
مسكين هذا العراق ومسكين شعب العراق كم باع واشترى بهما الحكام والساسة مدى تاريخه الطويل وهم يصيحون العراق العظيم! وشعب العراق العظيم! وحتى قبل أيام وقف صدام الذي مص دماء العراقيين وأرواحهم وكرامتهم وأوصلهم للذبح الأخير على يد عصابات البعث الزرقاوي قاذفاً بصلافته المعروفة في وجه المحكمة :(شعب العراق العظيم!)
هؤلاء القادة الجدد الذين أرادهم الناس نقيضاً لكل رجال وهياكل ومواريث الماضي التعيس لم يعتذروا للعراقيين عن نكثهم بالوعود واستغلوا صمتهم الحزين وسطوا على اسم بلادهم مرة أخرى!
من المؤسف أن هؤلاء القادة عملوا لأسمائهم وأحزابهم وبعضهم لجيوبهم وحسب وإنهم كانوا ينسون اسم العراق ما أن يجلسوا على كراسيهم وإنهم لم يأخذوا العبرة من الماضي، وإنهم لم يدركوا إن صمت العراقيين وصبرهم عليهم قد يتفجر يوماً ( ولات ساعة مندم )وإلا هل يستطيعون أن يفسروا للناس لماذا العراق اليوم وبعد كل هذا الزمن غير القليل لإطلالتهم عليه ما زال بلا كهرباء ولا ماء صالح للشرب ولا تلفونات ولا بريد ولا وقود ولا وسائط نقل عامة ولا مطارات تتواصل مباشرة مع العالم؟
هل يستطيعون أن يفسروا لماذا المستنقعات القذرة وأكوام الأزبال والنفايات تملأ شوارع وساحات بغداد والمدن الأخرى وتكاد تغمر البشر والكائنات حتى صار بعضهم يتندر إن سفينة نوح ستظهر ثانية في العراق لتحمل من كل زوجين اثنين؟ وإن نساء العراق لم ينجبن يوماً مهندسين أو أطباء أو محاسبين وبنائيين وتقنيين وخبراء وعلماء أو شعراء ومثقفين، وإن أرض العراق خالية من النفط والغاز، وخزينة البلاد خالية من أي مورد منه خلو جيوب بعض الحاكمين من أي دينار حلال!
هل يستطيعون أن يفسروا لماذا احتل العراق المرتبة الثالثة في الفساد حسب دوائر عالمية والأولى حسب دوائر عالمية أخرى؟
هل يستطيعون أن يفسروا لماذا تتصاعد في العراق جرائم الاغتيالات وعلى الهوية و الشبهات والإخباريات الكيدية والانتقامية وخطف الأطفال والأطباء والمسافرين والأغنياء والفقراء لابتزاز عوائلهم وظهور عصابات داخل أجهزة الشرطة ووزارة الداخلية تتواطأ معهم وأحياناً تقودهم وتجني الأموال الطائلة أي حاميها حراميها؟ ولماذا تعتدي عصابات معروفة (ومتفاخرة) على مسيحيين ومندائيين ويزيدين وشبك وتجبرهم للتخلي لها عن بيوتهم وممتلكاتهم ومغادرة العراق؟
ولماذا يقتل صحفيون وفنانون وحلاقون (نساء ورجال )وباعة أجهزة كومبيوتر ومشروبات وملابس ؟
ولماذا صارت محافظة البصرة تابعة لمدينة خرمشهر الإيرانية تدار منها وليس من بغداد؟
ولماذا لا يستطيع الرجل والمرأة والطفل السير في طرقات بغداد إلا متلفتاً واجف القلب؟
ولماذا البطالة والعطالة تتسع كل يوم وتترك مئات آلاف الشباب يهيمون على وجوههم مما يجعلهم صيداً ثميناً لدى الإرهابيين وأعداء العراق؟
ولماذا حتى الآن لم يحصل معظم المتضررين من العهد الآثم السابق في أرواح ذويهم وفي أبدانهم وأموالهم وسمعتهم ووظائفهم على حقوقهم كاملة أو منقوصة؟
وأخيراً لماذا أخذ نسيج المجتمع العراقي بالتمزق على أساس السني والشيعي والمسلم والمسيحي والمندائي واليزيدي والعربي والتركماني والكردي والكردي فيلي؟
لماذا ولماذا وألف لماذا كان الناس قد أحجموا طويلاً عن طرحها معللين النفس بقصر الزمن وبهجمات الأشرار في الداخل ومن دول مجاورة وهي حقيقية قاسية وهائلة بلا شك، ولكن هل ما زال مقنعاً ومفيداً القول إن الإرهاب والإرهابيين ومن يدفعهم من الخارج هم وحدهم سبب كل هذه المصائب والكوارث والأزمات؟
لا لقد أضحى تقصير الحكام والقادة السياسيين بيناً ولا يحجب لا بحجاب ولا بكتاب حتى لو كان مقدساً! ولكي نكون موضوعين لابد من القول أن من يتحمل جريرة كل هذا الخراب والآلام والخوف ليس الحكام الحاليون فقط بل كل الحكام والقادة السياسيين الذين تعاقبوا على دفة السلطة أو مشاركتها بالمعارضة أو المساومة منذ سقوط النظام السابق وحتى اليوم! وأطلقوا وعودهم وشعاراتهم وبرامجهم (باسم العراق العظيم!) ثم كان في النهاية حساب الحقل غير حساب البيدر!وطبعاً ليس كل الحنطة أكلتها العصافير!
كما إن الإدارة الأمريكية للشأن العراقي خاصة بعد خروج بول ابريمر وفريقه اتسم بالرخاوة واللامبالاة في المضمار السياسي عكس الأداء العسكري الذي اتسم بشدة غير مبررة في بعض المواضع خاصة بعد أن أعلن بوش صراحة أن العراق لدى أمريكا ساحة لمكافحة الإرهاب وتنفيذ أحكام الإعدام بالإرهابيين مما يظهر أن مهام بناء الدولة العراقية الحديثة هي آخر اهتمامته وهذا خطأ فادح إذ يمكن لتلاحق انهيار الأوضاع السياسية والخدمية والأمنية أن يحيل العراق إلى أكبر مفرخة إرهابيين في العالم!
لقد كان تدليس بعض القادة العراقيين منهم وسوء طويتهم واضحاً ومثلما كان الخائفون على سلطتهم في سوريا وإيران يستفيدون كل يوم من تعطيل مسيرة العراق وذبح أبناء العراق وهدم اقتصاده وتلويث أرضه ومائه وهوائه وتأخير وصول الجيش الأمريكي إليهم كان هؤلاء القاصرون والمقصرون والفاسدون والمفسدون الماسكون بجوانب مفصلية في السلطة يستفيدون أيضاً! فتحت غطاء الإرهاب يسرق البعض ويرتشي ويغش ويخدع ويمارس كل أنواع الفساد أو في الأقل يلهو ويركن لكسل المترفين غير شاعر بعظم مسئولية السلطة حتى أجبروا أناساً أبرياء على الترحم على عهد صدام وهذا ما يريده البعثيون الزرقاويون أيضاً فهم ما زالت لهم عيون داخل سلطة عتيقة منخورة ويعرفون حلفاءهم من الفاسقين لذلك لم يتعرضوا لهم بأي أذى واغتالوا الشرفاء والأنقياء في الدولة والمجتمع!
لقد كان السبب الرئيسي وراء جانب كبير من ذلك هو اعتماد طريقة المحاصصة الحزبية والطائفية والقومية والعشائرية في تكوين رأس ومفاصل السلطة الحاكمة المشرعة منها والمنفذة ودون أدنى اعتبار لمبدأ الكفاءة والخبرة والنزاهة حتى صرنا نرى من لا يستحق أن يكون موظفاً في الدرجة الدنيا من السلك الحكومي يسلم وزارة أساسية! وآخر هناك أكثر من شك في نزاهته يتسلم صندوق أموال أو صلاحية منح عقود وامتيازات، وأميين يتحكمون في معاهد جامعية وتربوية، بينما يجري استبعاد الخبراء والتقنيين والأكفاء والمقتدرين بثقافتهم ووعيهم وسعة أفقهم والمشهود لهم بنجاحاتهم ونزاهتهم وحرصهم! بل يجري تغيبهم وعزلهم وأحياناً تصفيتهم معنوياً فقط لأنهم لا ينتمون لأحزاب تتبناهم وتسندهم وتفرضهم كما تفرض أصحابها الجهلة الذين استعاضوا عن الخبرة والكفاءة ببطاقة حزبية حصلوا عليها بمدة أقصر من مدة حمل وإنجاب الأرنب!
واليوم والعراق على أعتاب انتخابات نوعية ستخرج عنها قيادة سياسية تتولى قيادة البلاد لأربع سنوات وفي أحلك مرحلة تاريخية لابد من إدراك أن لا حل لمأساة العراق ولا طريق لبنائه من جديد إلا أن تسلم أموره الأمنية والاقتصادية والعمرانية والصحية والثقافية والتربوية والدبلوماسية لأبنائه المختصين والعارفين الملمين بها فعلاً وأن يكون المبدأ الأول والأخير لمنح المسئولية والوظيفة هو الكفاءة والخبرة والنزاهة والتفاني في أداء الواجب! ودون أي اعتبار للانتماء الحزبي أو الطائفي أو القومي!
وإن على من يفوز بالانتخابات المقبلة أن لا يعيد الخطأ الرهيب في توزيع مناصب ومسئوليات الدولة على أتباعه وحواشيه ومنسوبيه مستعيداً (مكارم)حروب الأسلاف في توزيع الأسلاب والمغانم والإقطاعيات على المحاربين الأشاوس، بل عليه أن يلتزم بمبدأ على الجمعية الوطنية القادمة أن تتخذه قرارا في أول جلسة لها وهو أن يكون الوزراء من الخبراء الراقين المستقلين المختصين بشئون وزاراتهم تعزز عملهم حلقات من المستشارين المختصين والموضوعين المستقلين والمخلصين للعراق أولاً وأخيراً وليس للأحزاب والطوائف، فيكون الوزراء مسئولين عن أعمالهم أمام الجمعية التشريعية وإن يتلخص دور القادة السياسيين في تحديد الاتجاهات العامة الرئيسية المعلنة في برامجهم سابقاً ويتركوا الجوانب التنفيذية التفصيلية والفنية لهؤلاء الوزراء الخبراء المستقلين غير المحابين لهم أو المتحاملين عليهم، تراقب عملهم التفصيلي لجان في الجمعية الوطنية، وإعلام مستقل شجاع وشفاف يضع الناس في الصورة الدقيقة لما يجري حولهم وباسمهم وينقل أصواتهم واعتراضاتهم دون خوف أو مساومة!
لا توجد لحظة يحتاج فيها العراق أبناءه من الخبراء والعلماء والفنيين وكل ما يسمى بشرائح التكنوقراط كما يحتاجهم اليوم، لا بد من استعادتهم من زوايا بيوتهم أو من البلدان التي يعملون بها الآن إذا رغبوا بالعودة. كما لابد من العمل وبجد حقيقي على استعادة مئات آلاف المثقفين والكوادر العراقية من المنافي التي تحملوا آلامها طويلاً بينما الكثير منهم يتحرق لهفة لوضع خبراته وطاقاته في خدمة شعبه ووطنه بل هناك حديث مشروع أن (البعض ) لا يريد استتباب الأمن والاستقرار خشية أن يعود كوادر وخبراء ومثقفو الخارج فينتزعوا منهم مواقعهم حيث هذا (البعض ) غير جدير بها!
لم تعد التجربة السياسية الحالية في العراق قصيرة، لقد صار لها عمر وتاريخ يؤشر على ضرورة تكوين أجهزة تشريعية وتنفيذية وإدارية سليمة يخطط لها خبراء نزيهون ويصوغها خبراء نزيهون وتدار بخبراء نزيهين، لقد سبقنا الأفغان في تجربة مماثلة ورغم تخلف نمو الشرائح المثقفة والتقنية فيها قياساً للعراق فإن من يعمل على إدارة مفاصل الدولة هناك هم التكنو قراط الأفغان، وبالطبع لا يمكن القول إن دولتهم الآن جيدة ومتماسكة لكن الفساد والتخلخل فيها أقل مما في الدولة العراقية الحالية بكثير! وما تحقق من وعود قادتها السياسيين والحزبيين يمكن أن نراه عبر التلفزيون على وجوه نساء في أفغانستان صرن يطرحن النقاب والحجاب بينما النساء في العراق صرنا يقبلن على الحجاب ربما فقط ليبكين بهدوء ودون فضول من أحد!

ملاحظة: أدرك أن ما جاء في هذا المقال لن يؤخذ به، وإذا كنت قد تعبت بكتابته على أي حال فلا ينبغي أن يتعب أحد بقراءته خاصة إذا كان الأمر ليس بيده!

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف