محمود درويش وحرّاس أمنه الثقافي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
مثلما تحرص الدول المتقدمة على حراسة أمنها بكافة أنواعه - السياسي والغذائي والصحي والبيئي ..إلخ، يحرص الشاعر محمود درويش على حِراسة أمنه الثقافي، وذلك، بأن يكون له في كل مكان ودولة، يذهب إليهما، مثقفون وحواريّون، جُلّ مهمتهم في الحياة، أن يدبّجوا مقالات المديح عنه، نقدية وثقافية وصحافية، وأن يهاجموا، من يجرؤ على الاقتراب من هالة الرمز المقدس!
ولا يهمّ أن يكون هؤلاء تقليدين أو حداثيين أو ما بعد حداثيين، بل في الغالب يكونوا من الخانتين الأخيرتين، رغم ما يستدعي ذلك من مفارقات سوداء، ومن تناقض وتعارض وشيزوفرينيا، بين حامل الوعي الحداثي المزعوم، وبين أداء هذه المهمة المملوكية!
عندما كتبتُ عن الرجل، لم أكن أتصوّر ما أحدثه المقال السريع العابر، من ردود فعل تشنجية، ومن أصداء وكلام ونميمة ثقافية كبرى، في وطن صغير بحجم زنزانة!
انهالت عليّ الألسنة المسمومة، وانهال عليّ حراس أمنه الثقافي، دون مراعاة حد أدنى من الحد الأدنى من الحقيقة واحترام الواقع!
اشتغلت التلفونات والبلفونات، واشتغلت كذلك حرب الإيميالات، وكذلك خدمة الخبر العاجل! أما الجَلْد والنميمة والشتائم القاسية، والتي برعت المؤسسة الثقافية الرسمية، في إنتاجها وإعادة إنتاجها، طوال سنوات توشك على الأربعين، سواء في الدياسبورا أو هنا في الداخل، فحدّث ولا حرج!
فمن قائل إنني أبتغي الشهرة من وراء هذا المقال [وتلك أخفّ وأرصن التهم]، إلى قائل إنني كذا وكيت، وما بينهما يكتشف المُحدّثُ، في لحظة إلهام نادرة، أنني عميل ومدسوس!
سمعت الكثير من الغثاء، الذي أعفّ عن ذكره، ههنا في هذا المكان المحترم. تبرّع أصدقاء ومعارف، ونقلوه لي، عبر التلفونات وغيرها من وسائل الاتصال. والحق أنني تألمت واندهشت. فأنا، لمن يعرفني، رجل عزلة بامتياز. ولا تعنيني المعارك الدونكيشوتية - رغم نُبلها. كما لا يعنيني، اللمعان الصحافي، فقد جرّبته سنوات، ثم رميته خلف ظهري وأنا في قمة لياقتي. وبالطبع، لا يعنيني الاحتكاك بالمثقفين النجوم، وبالذات النجوم. وأذكر أنه قبل مدة ليست بالطويلة، كتب صديق وناقد شاب، مقالاً نقدياً عن محمود، ونشره في بعض المواقع، بعض رفض صريح من مواقع أخرى. فلم يسلم الصديق، وانهال عليه مثقفون، برتب وظيفية عالية، تسفيهاً واحتقاراً واستصغاراً وتهكماً، وكأن الصديق الشاب الموهوب، قد طعن في عَرْضهم الشخصي! حينها، جاءني الناقد، فأشرت عليه، ألا يقترب من الصنم المقدس، درءاً لتهمة أنه يحتك به ويشاكسه، فقط لكي يشتهر ويلمع! ومع أني نادم على هذه الإشارة، فلا أحد فوق النقد، مهما يكن - ما دمنا كائنات أرضية تاريخية، وبشراً من البشر، وبعدُ لم نصبح آلهة. إلا أنني رأيت من الحكمة، ومنعاً لهجوم الغوغاء الثقافي المتنفذ، على شاب رقيق العود، أن يبتعد الناقد الشاب عن أجواء مسمومة كهذه، وأن يلتفت إلى الاشتغال على نفسه، وعلى نصوص الأدباء الشباب من مجايليه، فذلك أجدى له وللمشهد الثقافي معاً في آن واحد.
لكن، ها هو زمن الدائرة يدور، وإذ بي أُواجَهُ بنفس التهمة!
لكن المضحك في الأمر، أن مَن اتهموني بالتهم المقذعة في ظهري، كانوا أشد الناس حرصاً على نفاقي في وجهي: انتقلوا من أقصى النقيض إلى أقصى النقيض! في لعبة ممجوجة تافهة لا تحيل سوى على أخلاقهم وهوانهم النفسي والأدبي!
وأنا الآن، لست في وارد أن أذكر أسماء، فهم يعرفون أنفسهم، وكل من يحتكّ بهم يعرفهم أيضاً. لكنني أودّ أن أتحدث عن موضوع جد خطير ومدمر، له علاقة بهذا السياق، وهو شيزوفرينيا المثقف الفلسطيني - ابن المؤسسة - ولا أخلاقيته، فهما بحاجة إلى كثير من الكتابة عنهما. لأنهما مرضان عُضالان، لا يمكن أن يمرّا على مشهد ثقافي سويّ وصحيّ. وإن مرّا، وصارا عاديين وشائعيْن، كما هو الحاصل الآن، فهذا دليل دامغ على لا سويّة ومرض هذا المشهد. ما يحيل إلى سؤال بنيوي استراتيجي وهو : كيف يمكن لمشهد مريض أن ينتج إبداعاً معافى؟
إنه لموضوع شائك، نتركه اللحظة، مكتفين فقط بالإشارة إليه، وداعين الاختصاصيين - إن وجدوا - لكي يشبعوه تنقيباً وتحليلاً وإضاءةً وكشفاً. أما نحن فنعود إلى عصب مقالنا، لنقول : إن لمحمود حراساً مأجورين ومتبرعين، يواظبون على حراسة أمنه الثقافي، بطلب أحياناً، وبغير طلب، كما أظن، في معظم الأحيان. وهم متوزعون، كما قلنا، في غير مكان وغير بلد - من بيروت إلى باريس إلى لندن إلى رام الله، إلى غزة.. وغير ذلك من أمكنة وبلدان.
البعض منهم، يُصرفُ له من قوت فقراء فلسطين، 700 دولار شهرياً. وقد ذكر لي أحد العارفين الموثوقين، من العاملين في المؤسسة، ثلاثة أسماء معروفة، يقيم اسمان منها، في العاصمة الفرنسية باريس. ويقبض هذان، شهرياً، منذ منتصف ثمانينات القرن الماضي وحتى هذه اللحظة! لا أقول هذا الكلام في معرض التشهير والتشويش، فتلك لم تكن ولن تكون من خصالي. وإنما أقوله فقط، لكي أقول إن أسرارهم، يفضحها من يعمل معهم، ولسنا نحن، سكان الأرض المحتلة، المبعدين عن المعبد وأسرار المعبد! فنحن لا ناقة لنا ولا جمل في هكذا مواضيع، بل نسمع كما يسمع الناس، ولا شيء أبعد من هذا.
للأسف، واحد من هذين الاثنين، يعمل ناقداً شبه مختص في شعر محمود درويش. وقد شارك في حملة النميمة والتحريض وبثّ الإشاعات، وإرسال الإيميلات إلى السيد الشاعر!
حقيقةً إني حزين من حدوث ما يحدث. فقد كنتُ، على الأقل، أحترم اسمه ونتاجه، إلى أن عرفتُ، قبل أيام فقط، ومن رجل المؤسسة المعروف، أنه، مثل غيره، يقبض! فكيف لي أن أحترمه بعد هذه المعلومات؟ وكيف لي أن أعود لقراءته، وهو مثلهم، يعمل بوظيفة "حارس أمن ثقافي"!!
إلى ذلك، ولكي تكتمل الصورة بجانبيها، لا بد من ذكر الأصدقاء والمعارف والزملاء، العرب والفلسطينيين، الذين وقفوا معي، وأيدوني، عبر الإيميل والتلفون. طالبين مني أن أنتبه، وأن لا أدع نفسي لقمةً سائغة في فم الوحش المتنفذ القادر!
فالشكر والشكران كلهما لهذا النوع من المثقفين العرب والفلسطينيين النبلاء. والشكر والشكران، لمن تهمه الحقيقة ولا يعنيه الأشخاص.
بقيت كلمة أخيرة لا بد منها، وهي أنني مصر على كل ما جاء في المقالة، كلمة كلمة. وأنني فقط نادم على شيء واحد، ألا وهو أنني لم أكتب تلك المقالة، قبل سبع سنوات من الآن.
اقرأ أيضا:
محمود درويش وخيانة دور المثقف