العلاقات اليمنية الأميركية عناق في العلن واشتباك في الخفاء
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
رحلة الرئيس اليمني "الأخيرة" إلى واشنطن
قبل أسابيع من زيارة الرئيس اليمني علي عبدالله صالح إلى واشنطن، فجر السفير الأميركي في صنعاء توماس كراجسكي مفاجأة من الوزن الثقيل في حوار صحفي قال فيه إن مسيرة الديمقراطية في اليمن قد توقفت. وانتقد مصدر يمني مسؤول هذا التصريح زاعما أن اليمن دولة ديمقراطية ولا يجب التدخل في شؤونها الداخلية.
المصدر اليمني سخر كذلك من الديمقراطية الأميركية في العراق قائلا إن اليمن لن يصبح مثل العراق. ومن المرجح أن تصريح المصدر اليمني المسؤول جاء بإيعاز من الرئيس علي عبدالله صالح لأن لا أحد في اليمن يستطيع أن يصرح بمثل هذه التصريحات دون علم الرئيس وموافقته، وهو الأمر الذي يعكس حقيقة ما وصلت إليه العلاقات اليمنية الأميركية التي يحاول الإعلام الحكومي اليمني تصويرها بأنها علاقات قوية مباشرة لم تعد تمر بأي عاصمة عربية، في حين أن العارفين بكيفية صنع القرار في واشنطن يعرفون جيدا مدى غضب الجانب الأميركي من تصرفات يمنية عديدة تتعلق بممارسات محددة تجاه الشعب اليمني وتجاه دول الجوار وتتعلق كذلك بالحرب العالمية الدائرة على الإرهاب.
الأميركيون يتصلون بالخارجية اليمنية فيصل التفاهم معها إلى حد يقال لهم بعد ذلك "الأمر بيد الرئيس"، ويتفاهمون مع وزارة الداخلية إلى حد يقال لهم بعد ذلك "الأمر بيد الرئيس" ، وفي كل وزارة وإدارة يقال لهم الأمر نفسه، وما إن يصلوا إلى الرئيس حتى يبادرهم بالقول، أطلبوا لي زيارة إلى واشنطن لأتباحث مع رؤسائكم هناك. وهذا الأمر يفسر سبب لقاء الرئيس في واشنطن مع ممثلي مكتب التحقيقات الفيدرالية وممثلي وكالة الاستخبارات الأميركية قبل لقائه حتى مع مسؤولي الخارجية وقبل اللقاء البروتوكولي في البيت الأبيض الذي لا تدور فيه أي مباحثات جادة لأن الرئيس الأميركي ليس لديه وقت لبحث تفاصيل التفاصيل مثلما لدى الرؤساء العرب.
ويستغرب الأميركيون لماذا يلح الرئيس علي عبدالله صالح دوما على زيارة واشنطن، حيث لا يكاد ينهي زيارته لها في كل مرة إلا وتبدأ ماكينته بالإلحاح والإصرار والمطالبة على زيارة أخرى للرئيس، دون أن يكون قد أبدى تعاونا حقيقيا معهم في إطار مطالبهم وكأن الغرض فقط هو إيهام الشعب اليمني والمعارضة اليمنية أنه محمي أميركيا ومدعوم من البيت الأبيض، علاوة على إيهام دول الجوار أن علاقة صنعاء بواشنطن أصبحت قوية ومؤثرة في حين أن التوتر يكون قد وصل بين الجانبين إلى أقصى مداه.
الأميركيون لم يعد يهمهم استقرار الأنظمة بقدر ما يهمهم ازدها الشعوب، ليس حبا في هذه الشعوب وإنما إدراكا من واشنطن أن الفقر والتسلط والاستبداد والظلم والتخلف أوصل كثيرا من الشباب في بلدان عديدة ومنها اليمن إلى درجة تفضيل الإنتحار على الحياة، والإرتماء في أحضان قوى الإرهاب والظلام بشكل يهدد أيما تهديد المصالح الأميركية في كل مكان.
ولكن زيارة الرئيس المقبلة إلى واشنطن ينتظرها الجانب الأميركي بتلهف لأن واشنطن على ما يبدو قررت هذه المرة وضع النقاط على الحروف، وطرح كل المآخذ على الطاولة بلهجة واضحة بدأ السفير الأميركي يمهد لها من الآن. كما تأتي زيارة الرئيس اليمني بعد القنبلة التي فجرها بعزمه عدم ترشيح نفسه للرئاسة في الانتخابات المقبلة المقرر إجراؤها في سبتمبر المقبل.
وقد لوحظ أن الرئيس صالح بدأ يتجنب اللقاءات بالصحافة على غير عادته، وتقول مصادر في مكتبه الإعلامي بدار الرئاسة في صنعاء إن الرئيس رفض طلبات صحف ووسائل إعلام عديدة تفاديا للإجابة على السؤال الوحيد المطروح في الساحة، هل هو جاد فعلا فيما أعلن؟ وما هو السيناريو المرسوم للبلاد بعد تركه المنصب؟.
ووفقا لتحليل المصادر ذاتها فلم يتبق للرئيس سوى شهر واحد ليجيب على سؤال الساعة لأن زيارته القادمة للعاصمة الأميركية واشنطن المقرر أن تبدأ في التاسع من نوفمبر المقبل ستحتم عليه ليس مواجهة الصحافة للرد على أسئلتها، ولكن أيضا اللقاء بأركان الإدارة الأميركية الذين لا شك أن لديهم نفس التساؤل، وهو هل يريد الرئيس فعلا أن يدخل التاريخ بفتح باب الديمقراطية في اليمن على مصراعيه أم أن لديه تصورا مختلفا غير معلن يريد أن يرسمه لمستقبل بلاده بحكم أن السلطة مازالت حتى الآن في يديه بكافة مقوماتها العسكرية والمالية والسياسية.
في تقديري أن الزيارة المقبلة للرئيس علي عبدالله صالح إلى الولايات المتحدة ستكون الأخيرة في حياته السياسية سواء رشح نفسه في الانتخابات أو لم يرشح نفسه، وستكون في ذات الوقت هي الزيارة الحاسمة لتحديد مستقبل اليمن لأن الرئيس لن يصل إلى واشنطن إلا وفي ذهنه تصور واضح يواجه به الأسئلة المطروحة. وبإمكان الرئيس أن يقول للإدارة الأميركية أنه لن يرشح نفسه فعلا، وبالتالي ستقابله الإدارة بحفاوة وتودعه كآخر رئيس لليمن من القرن الماضي، وهو الأمر الذي سيحقق لها مساعيها في نشر الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط ليكون اليمن مثالا يحتذى به. وإن جاء الرئيس بعذر جديد قائلا لهم أنا لن أرشح نفسي ولكن حزبي وشعبي هو الذي أصر على ترشيحي فسيكون هذا أيضا سببا كافيا لتكون هذه هي آخر زيارة له إلى واشنطن، لأن الأجهزة الأميركية سوف تصل إلى قناعة كاملة أن ما تطرحه المعارضة اليمنية عن الرئيس صحيح 100% خصوصا فيما يتعلق بعدم إيفائه بوعوده، وعدم صدقه فيما يعلنه، وعدم تعاونه في جهود نشر الديمقراطية ومكافحة الإرهاب حيث أنه في تاريخه السياسي أعلن عدم نيته ترشيح نفسه مرة أخرى أربع مرات، وفي كل مرة يتراجع عن القرار في آخر لحظة. وينطبق الأمر نفسه على التعاون في مكافحة الإرهاب حيث يقول الرئيس تعالوا ساتعاون معكم كما ترغبون وعندما يصل رجال الإف بي آي والسي آي أي لليمن يضع أمامهم عراقيل لا تحصى وعقبات يصعب فهمهما عندما تصدر من رجل محسوب عليهم. ومن هنا يمكن الحكم على زيارة الرئيس بالفشل مسبقا لأن أي حيلة جديدة لن تنطلي على الأميركيين الذين يدركون أن ما يهدد النظام القائم في اليمن ليس الإرهاب لأن الإرهاب على صلة وثيقة بالنظام، وإنما الديمقراطية التي يمكن أن تطيح بالنظام أو على الأقل برأس النظام لأنه لم يعد من المعقول أن يدعي أي بلد بأنه ديمقراطي دون وجود أي تداول للسلطة فيه، منذ 27 عاما.
لا يكفي أن يعقد صناع القرار في اليمن هدنة مع الإرهابيين تنص على تجنيب النظام القائم أي مشاكل مع الخارج عن طريق عدم مهاجمة أهداف أميركية في صنعاء، أو في الساحل، وفي المقابل يسمح لهؤلاء بتهريب الأسلحة، والتوجه إلى العراق، والسعودية، أو التخطيط لاستهداف مصالح أميركية في أماكن أخرى من العالم، فهذا، لا يمكن أن يسمى بأي حال من الأحوال تعاونا ضد الإرهاب بل شراكة مع الإرهاب، وتواطئ مع الإرهاب تحت سمع وبصر أجهزة الاستخبارات العالمية.
تصرفات مثل هذه يمكن أن تطيح بما تبقى للنظام من قدرة على التنفس، وتتناقض في نفس الوقت مع ما يمكن استنباطه من خطابات الرئيس اليمني التي تشير إلى أنه قد أدرك رمزية ماحدث لصدام حسين، بل وربما أنه أدرك أن رئيسا عربيا آخرا بل وأكثر من رئيس يمكن أن يعتقل ويحاكم في محاكم دولية جراء بعض أعماله، حتى دون الحاجة لأي تحرك عسكري، ومع ذلك مازالت الحكومة اليمنية تمضي في غيها ضد مصلحة الشعب اليمني، وخير شاهد على ذلك الخطاب الإعلامي الرسمي الذي يسمي عمليات المقاومة في العراق، بالمقاومة العراقية الشريفة فأين الشرف في قتل الأطفال والأبرياء؟! وهل أصبح أيمن الظواهري الرجل الثاني في تنظيم القاعدة، أكثر رأفة بأبرياء العراق من التلفزيون اليمني الرسمي؟
كنت أتمنى ألا يصل بث الفضائية اليمنية إلى واشنطن حتى تبقى فضائحنا في ديمتنا لأن الخطاب السياسي والمصطلحات الإخبارية التحريضية تتفوق كثيرا على ما نقرأه في صحف المعارضة التي نجدها أكثر حكمة في تعاملها مع قوة عظمى بحجم الولايات المتحدة، ومع بلد شقيق بحجم العراق لا بد أنه سيتعافى مجدد ويتذكر من كان يسخر من محنته ومن وقف إلى جانبه.
وبعد كل ما وقع في اليمن من أحداث طوال 27 عاما ودماء سالت وحروب تكررت نجد هناك من يرشح الرئيس اليمني لجائزة نوبل للسلام، فهل هناك سخف أكثر من هذا؟
كاتب المقالصحفي يمني أميركي _ واشنطن
almaweri@hotmail.com