مسلسلات (رمضان) بين (عذاري) و(دول الطوائف)؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
بعيدا عن هموم السياسة العربية و تفاعلاتها وإحباطاتها !، وكذلك إستراحة من الإرهاب والإرهابيين وجرائمهم و (سوالفهم) التي لا تنتهي !، وختاما لشهر رمضان الكريم الذي يعتبر من ناحية الإعلام المرئي بمثابة موسم المواسم التي تعرض خلالها كل إبداعات و (إخفاقات) الفنانين العرب، وجهود شركات الإنتاج الإعلامي العربية التي تكاثرت وإزدحمت للهيمنة على الموائد الرمضانية الدسمة وعلى فضاء الإعلام التلفزي العربي الحافل بكل ما هو جديد وأصيل ورديء ومتخلف كذلك؟ فكل أنواع السلع معروضة ومتيسرة لمن يرغب، ونظرا للخصوصية الشديدة للبرامج الرمضانية في ذهن المتلقي العربي فإنني أجد نفسي مدفوعا للتعليق (جريا على عادتي السنوية) على بعض النتاجات الدرامية العربية البارزة التي تصدرت المشهد الإعلامي والدرامي خلال الأيام المنصرمة، ونظرا للكمية الهائلة والمتعذر متابعتها في آن واحد من (المنتوج) فإنني أكتفي بالتعليق على بعض ما اهدت أو تيسرت لي مشاهدته دون الإنتقاص من النتاجات الأخرى التي لم تسنح لي فرصة متابعتها؟ لأن الإحاطة بكل شيء هو أمر (دونه خرط القتاد)!، ويقتضي من المرء والمراقب تفرغا تلفزيا تاما يخرج الإنسان بعده (أثول وأبله وفاقدا للحواس)!!، وهي مخاطرة كبيرة وغير مضمونة النتائج؟.
لعل الملاحظة الأولى التي يخرج منها المرء من متابعة الأعمال الفنية العربية هي حالة التنوع والكثرة والإبتعاد عن الأنماط الفنية السابقة التي رسخها الإنتاج التلفزي المصري كفوازير رمضان أو بقية المسلسلات التاريخية الهابطة ذات المضامين التاريخية غير المضبوطة، وساد الإنتاج الفني السوري بشكله التاريخي وتسيد الموقف كعادته ليكون (تاج الإبداع الفني) من حيث الرؤية واللغة والأفكار والقيم التي يبثها ومستوى الأداء والحرفنة العالية للفنانين السوريين الذين أثبتوا أنهم سادة في الأعمال التاريخية لا يصل لمستواهم الحرفي والتقني والثقافي أي إنتاج عربي آخر مماثل وإستطاعوا أن يصرعوا الأعمال التاريخية المصرية بل ويزيحوها عن ساحة المنافسة، ليتصدروا المشهد ولينقلوا كاميرات التاريخ هذه السنة لأقصى بلاد المغرب وهي الخطوة التي مشوها خلال العامين المنصرمين حينما قدموا (ربيع قرطبة) و (عبد الرحمن الداخل)، وليستمروا هذه السنة في إقتباس تاريخ المغرب المنسي والمهمل إعلاميا ليتنافسوا على تصوير مرحلة زمنية واحدة ولكن برؤية وديكورات مختلفة و ببعض الفوارق الضئيلة التي تعكس إختلاف الروايات التاريخية، فمسلسلا (دول الطوائف) للممثل السوري المبدع (تيم حسن) مثلا لا يختلف في الأحداث والمعالجات والفترة التاريخية عن مسلسل (المرابطون والأندلس) للمثل سامر المصري ! فالمسلسلان يتحدثان عن فترة (دول الطوائف) الأندلسية التي كانت بمثابة المقدمة الموضوعية لخروج العرب من الأندلس، ونمو الجماعات الدينية الجديدة كالمرابطين الذين أخروا الخروج العربي والمسلم من الأندلس، والمسلسلان يؤكدان في حرفنة فنية وتاريخية موثقة على خلفيات المجتمع الإسلامي في تلك الفترة والسلالات الحاكمة في الأندلس وصراعاتها من أجل الهيمنة وإلغاء الآخر الشقيق ولو عبر الإستعانة بالعدو المتربص الذي يتحين الفرصة لإسترداد ما كان تحت السيادة العربية والإسلامية، وفي المسلسلين المتنافسين كان الإبداع متشابها، فأداء (المعتضد بن عباد) الذي جسده في دول الطوائف المبدع (أيمن زيدان) كان رائعا، وكذلك أداء (المعتمد بن عباد) الذي جسده في المسلسل الأول المبدع (تيم حسن) وفي الثاني المبدع (سامر المصري)! وكذلك دور (إعتماد الرميكية) زوجة المعتمد بن عباد التي جسدت دورها الفنانة (سولاف فواخرجي) في المسلسل الأول و الفنانة (مرح جبر) في الثاني!!.. لقد أثبت السوريون بأنهم سادة للأعمال التاريخية العربية التي تتطلب اللغة العربية السليمة والجميلة، كما أثبتت شركات الإنتاج الفني السورية عن صيغة عملية رائعة بإستعانتها بفناني المغرب العربي الشقيق الذين أعطوا لأجواء العمل خصوصيته وخلفيته التاريخية المقنعة ! لأن تلك الأعمال كانت تتحدث عن أمور وقضايا مسرحها الرئيس هو المغرب وجنوب أسبانيا، ولكن تبقى لتلك الأعمال الرائعة محدوديتها إلا وسط النخبة المثقفة والعالمة بالتاريخ ومصائبه وأسراره !! وتبقى غالبية الأسر العربية في إنقطاع شبه تام عن التواصل مع تلك الأعمال نظرا لخصوصيتها وتقنيتها وخطابها الخاص، وفي المقابل أبدعت الدراما السورية التي تعالج القضايا الإجتماعية رغم بعض المبالغات ونجحت في سحب البساط و الهيمنة على ذهنية المتابع العربي كمثل مسلسلي (الغدر) للفنان رشيد عساف و (خلف القضبان) لباسم ياخور وآخرين ! دون نسيان الإشارة إلى مسلسل (الطريق الوعر) الذي يناقش قضايا التطرف الديني، وفي النتيجة لقد أبلى الإنتاج الفني السوري بلاءا حسنا وأثبت حرفيته وتطوره الهائل.
أما (أم الدنيا) ونتاجاتها وأعني بها الرائدة (مصر) فقد كانت متنوعة كالعادة لكنها للأسف لم تكن بالمستوى المطلوب لا فنيا ولا دراميا ولا روائيا رغم عبقرية الممثل المصري وجمال وسلاسة اللهجة المصرية الجميلة ! فمسلسل الفنانة (يسرا) مثلا والمدعو (أحلام عادية)!! أعتبره كارثة فنية من حيث مواصفات القصة الخرافية! ومغامرات (ناديه أنزحة)!! وشلة الحرامية والنصابين المحيطين بها مثل (فرج خنزيرة) بأدائه الزاعق والمنفر المعتمد على الصراخ وإفتعال المواقف أما يسرا فلا أدري حقيقة كيف قبلت أن تمثل ذلك الدور غير المقنع بل الرديء وهي صاحبة المقدرة والأداء والتاريخ الحافل والمتميز، إنه عمل أقل من عادي بكثير!، أما مسلسل الفنان (يحيى الفخراني) وهو (المرسى والبحار)!! فلقد كان عملا ليس بالمستوى المعهود وحافلا بالمبالغات رغم أجواء التصوير الخارجي في المغرب وأسبانيا وقبرص!! لكون القصة غير مقنعة بالمرة وحافلة بالمشاهد السوبرمانية ثم أن طبيعة الدور (فارس كريم) لم تكن تتناسب أبدا وطبيعة شكل وعمر وهيئة يحيى الفخراني الذي رثيت لحاله وهو يحاول إقناعنا بأنه يجسد دور (الدون جوان) الذي لا تقاومه الحسناوات!! في الوقت الذي كان يجتهد فيه لإظهار خفته الوزنية إلا أنه فشل للأسف!! فوزنه الثقيل!! و(شراهته) في الأكل.. فقد (زلط موزتين في أقل من ثانية أمام الكاميرا)!!! قد جعلاه في وضع لا يحسد عليه!! فلا حول ولا قوة إلا بالله؟.
أما مسلسل (أماكن في القلب) للمبدع (هشام صالح سليم) فقد كان مختلفا بقصة ورؤية مختلفة صورت بعض مشاهده في كاليفورنيا الأميركية، وعولجت بمنظار مقنع إلى حد كبير، وهو عمل جميل وبسيط ومعبر ومتناسب وطبيعة المرحلة وذهنية المتلقي العربي.
أما المسلسلات الخليجية سواءا الفكاهية منها أو الدرامية فلم تأت بجديد أبدا بل أن الغث فيها والسطحية والإفتعال كان واضحا وبعضها بلغ من الهبوط مبلغا صعبا وغابت أعمال الكبار من أمثال (عبد الحسين عبد الرضا) و (سعاد عبد الله) و (سعد الفرج)! وكان المسلسل الكويتي (عديل الروح) للفنان خالد النفيسي فاشلا بكل المقاييس نظرا لصراخ النفيسي الدائم ولعدم إقتناعنا بأنه يجسد دور (الوزير) حقيقة!! فلقد كان دائم الصراخ والعصبية وكان أداء بقية الممثلين مشابها فضلا عن رداءة الحبكة الدرامية التي كانت مزيج من الألوان والماكياج الصاعق التي تميزت به خصوصا الممثلة/ المذيعة (مشاعل الزنكوي)... وهاردلك يا خالد النفيسي؟.
أما بيضة القبان في مسلسلات الخليج فقد كان مسلسل الفنانة البحرينية المتميزة (زينب العسكري) (عذاري) الذي أثار ضجة قانونية حول هوية كاتب قصته!! بل تم الحكم في القضية قبل نهاية شهر رمضان!!، فبرغم جراءة المسلسل في مناقشة وطرح بعض قضايا المجتمعات الخليجية والإقدام على خلط وصفة (الدعارة بالإرهاب بالتسيب والفساد)!! إلا أن المعالجة الدرامية وحجم الكوارث الواردة في نهاية المسلسل من قتل وسحق وموت وتكسير عظام وإنتحار يمثل قمة التأثر بالميلودراما الهندية الزاعقة بشكلها المأساوي والمرعب!! فالمسلسل برمته يبدو أنه خصص كل الكادر والكاميرات للتركيز والزوم القريب على وجه (زينب العسكري) الجميل وتقاطيعه وقسماته وإنفعالاتها وردود أفعالها ورصد (عدسات عيونها الملونة والمتغيرة)!! وهو في إطاره العام يدخل ضمن إهتمامات ربات البيوت وقد يدخل ضمن صيغة : (الجمهور عايز كده)!!! لكنه في المحصلة الفنية كارثة حقيقية مثله مثل الكوارث والمصائب التي حفلت قصته بها ، لقد كان مسلسل (عذاري) بمثابة (تسونامي) فنية خليجية عجيبة !! (من غير زعل رجاءا)!!.
وكما أسلفت فإن ما تقدم هو حصيلة رأي خاص في بعض الأعمال الفنية الرمضانية ليس أكثر ولا أقل؟!.
فيا أيتها الدراما التلفزيونية... كم من الكوارث ترتكب بإسمك؟ وعساكم من عواده.