ربط مفهوم الإصلاح بكونية الحقوق الإنسانيه
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
أضحت كلمة الإصلاح تتردد كل دقيقه في المنطقه العربيه... وكثيرون هم الذين رفضوها لمجرد أنها رغبة الولايات المتحده الأميركيه في إملاء شروطها وأن إصلاحها محدد ومرتبط بمفهومها الثقافي.. أشارك الكثيرين بأن الإصلاح لا يأتي محمولا على ظهر دبابه تحصد أرواح أبناء البلد.. ولكني وفي ذات الوقت مقتنعه بأن هذه الدبابه لن تخرج من المنطقه العربيه إلا بعد أن تتأكد من أن مصالحها الإستراتيجيه في المنطقه بمأمن من أن تتعرض لها شعوب لا زالت بعيده كل البعد قبول كونية حقوق الإنسان كحق مطلق لجميع البشر.. وهو أحد أهم الأسباب في إرتباط المصالح الغربيه كلها.. بأنظمه فاسده محددة الرؤيه لمصالح شعوبها المرتبطه مع مصالح جيرانها.. أنظمه تستعمل القمع والدين كوسيله للحفاظ على كراسيها وعروشها.. وليس لها أية رؤيه لتنميه تنقذ بها شعوبها وشعوب جيرانها من فقر وتخلف أكيدين في العقد المقبل وبرغم أنها أيضا لا تعترف بحقوق مواطنيها بالمفهوم المتعارف عليه..
ولكني مقتنعه أيضا بأن هذه الدبابه لن تخرجقبل أن تتأكد بأن أمنها الداخلي والأمن الدولي لا خطر عليه من عقيده تعتقد وتؤمن بأنها الأصلح للعالم.. وتستعمل القتل الجماعي كوسيله لإرهاب أبنائها وتريد فرض دينها وأجندتها السياسيه على جميع مواطنيها سواء المسلم أم المسيحي وعلى العالم أجمع...
سيدي القارىء أستبيحك عذرا.. ولكني أيضا أطلب منك العون لكي نساعد الأجيال القادمه على العيش بحريه وأمن وأمان.. أن تسمعني للنهايه.. وأن لا تصدر أحكامك جزافا ليس لأني أخاف على نفسي. ولكن لأنني أخاف عليك من أن توصم مرة أخرى بالإرهاب الفكري.. حين تحاول قمع حريتي في التعبير..
هناك مثالان واضحان يؤكدان بأن النهضه الأوروبيه.. وكذلك تقدم الولايات المتحده لم يتما إلا بعد أن دخلت كلاهما في حروب.. فمثلا تقدم الولايات المتحده لم يبدأ إلا بعد الحرب الأميركيه الأهليه والتي نتج عنها إتحاد الولايات جميعها.. بعد الوعي بأن الأمن السياسي لا يتحقق بدون الأمن الإقتصادي ومن هنا ارتضت ولاية تكساس مشاركة ولاية أيوا في ايراداتها النفطيه.. أيضا بأن النهضه الأوروبيه لم تبدأ إلا بعد الحرب العالميه الثانيه.. وما جرته من ويلات على شعوب القاره.. ولم تتقدم كل هذه الدول إلا بعد أن ارتضت المشاركه الإقتصاديه بفتح الحدود بينها لتكفل الأمن الإقتصادي للجميع.. كلا التجربتين أقصت الدين من الحياة العامه وجعلته علاقه خاصه بين الفرد وإلهه.. وإن كانت استندت في اتفاقياتها إلى روح الدين المرتبطه أصلآ بحقوق الإنسان في الحريه والمساواة والعدل.لضمان حياة كريمه للجميع..
من هذه التجارب نرى بأن الإصلاح يرتبط إرتباطا تاما بمبدأ الإعتراف الكامل بحقوق الإنسان.. وأن القبول الطوعي لحقوق الإنسان الآخر مسأله استراتيجيه للتطور الفكري وللخروج الطوعي من دائرة الرفض السلبيه للإصلاح.
نظرة واحده على المنطقه العربيه تؤكد لنا إنعدام مفهوم حقوق الإنسان.. وإنعدام الحريه الفكريه اللازمه لأي تطور.. وعليه فأن أي إصلاح في المنطقه العربيه بالتحديد لن يتم بدون إصلاح هذا الخلل والذي بدوره أدى إلى انعدام العلاقه الإنسانيه التي تربط بيننا كبشر والضروريه لأي إصلاح أو تقدم وعليه فإن إحياء العلاقه الإنسانيه المرتبطه بالإعتراف بكونية الحقوق ترتبط إرتباطا وثيقا بالإصلاح السياسي بل قد تفوق في ضرورتها الإصلاح السياسي...
فإذا نظرنا إلى الأسباب التي تقيد هذا التطور بل وتحده نجدها جميعها مرتبطه بحالة من العجز تبتدىء من عدم القدره على الدخول طواعية في عملية نقد ذاتي
لما مررنا ونمر فيه.. وتحليل أسباب هذا العجز.. للوصول إلى أفضل وأقصر الطرق للإصلاح حتى لا نتهم بالتخلف.. وبأننا عاجزون عن مماهاة تقدم بقية الدول الأخرى....
مما لا شك فيه بأن العالم العربي بحاجه الى تغيير جذري في الثقافه العربيه لاحداث النقله لنوعيه المطلوبه للتطور وللخروج من مأزق الجمود الفكري الذي يعانيه.. ولإنتشال الانسان العربي من حالة العجز التي يدور فيها الى التغيير المطلوب علينا الاعتراف المبدئي بأن هناك عادات في التراث العربي تعودنا أن نتقبلها ونتعايش معها مع العلم الأكيد بأن الكثير منها تقف عقبة صلبه في طريق التفكير العقلاني الحر وتمنعه من النمو البشري والتطور
أولا : عدم القدرة على الدخول طواعية في حوار ذاتي صادق مع النفس الهدف منه التقييم الموضوعي للأفعال سواء الفرديه أم الجماعيه بدون الهرب من الاجابه أو التزييف فيها وبالتالي الاعتراف بالنواقص أو بالذنب كأنما نحن منزهون عن أي عيب. أو خطأ
ثانيا : المبالغه والتضخيم في كل ما يتصل بحياتنا وبموروثاتنا وقيمنا فهي الأفضل والأجمل وتبلغ حد الكمال وأن أي نقص موجود لابد أنه فعل الأعداء.. نتقبل وننتشي في المديح الذي يصل أحيانا لدرجة النفاق ونخجل الاعتراف حتى بمقدراتنا الماديه لدرجة أننا قد نتحمل ديونا فوق طاقاتنا فقط لمجرد مظاهر مجتمعيه سطحيه...
ثالثا : الخلط ما بين التقاليد والدين بحيث أضفنا القدسيه الدينيه لنتقبل الكثير من العادات السيئه والقبيحه التي تسيء الى الدين والينا كبشر مثل عادة قتل الشرف الموجوده في الكثير من الأقطار الاسلاميه
رابعا : الولاءات العائليه والقبليه والعشيريه التي تقف في طريق التعامل الحرالقائم على المصلحه المتبادله مع الغريب..انصر اخاك ظالما أو مظلوما.. وفي الأمثال الشعبيه.. أنا وأخى ضد ابن عمي وأنا وابن عمي ضد الغريب مهما كان من ظلم أو سوء تصرف قريبي هذا ضد الغريب الذي قد يكون على حق..
خامسا : نتقبل الطبقيه ونرضى بالفوارق كأنما قسمنا مجتمعاتنا طواعية الى أسياد وعوام.. وتقبل باعطاء أؤلئك من الطبقه العليا التبرير والخنوع لهم. على اعتبار أنهم ساده يحق لهم ما لا يحق لغيرهم وغض النظر عن أخطائهم وتبرير مخالافاتهم القانونيه.. مما أدى الى عدم احترام القانون..وأصبح الكثيرون يتعاملون مع القانون كل بطريقته الخاصه تبعا لموقعه العائلي والعشائري. هذا الى جانب مقدرة البعض على شراء القانون.. وتقبل الانسان البسيط لذلك لعدم القدرة الماديه ولما تعود عليه من خنوع.
سادسا : الخوف من الخروج عن المألوف.. أو التفكير الجماعي.. حتى وان كان تفكير هذه المجموعه وأسلوبها خاطىء ويضر بالمصلحه العامه.. اعتدنا أن نسير خلف الافكار السائده ولكننا أيضا عودنا أنفسنا على الاحتماء بالأفكار القديمه خوفا من الجديد وما قد يطرحه من جدل وخلاف. أو تغيير في نمط الحياة المألوفه.. وبالتالي اختار الكثير منا عدم التفكير خوفا من الخروج عن التفكير السائد.ومع الزمن فقدنا القدره على حرية التفكير التي تقود الى التفكير الابداعي وروح المبادرة والتغيير..
سابعا : الخوف من تعارض أية فكرة جديده عن المفهوم الديني أو الثقافي الذي ينبع من الدين حرمت على الكثيرين الدخول في حوارات تعتمد الحريه الفكريه والموضوعيه والتحليل المنطقي للوصول الى الحقيقه خوفا من اختلافها عن ما ورد في النصوص مما وقف عائقا في طريق الحريه الفكريه التي تؤدي الى النمو الفكري.. التي من خلالها تنمي المسئوليه الفرديه والجماعيه عن الأفعال والأقوال وبالتالي تعودنا رفض تحمل مسئولية ما حدث بمجتمعاتنا وعلقنا على شماعة الاستعمار القديم والحديث منه المتربص بنا كل أخطاؤنا كلها تقع على نظرية المؤامرة التي تتربص بمجتمعاتنا وتنمعنا من التطور..
ثامنا : الرفض المطلق لكل من يختلف عنا أو يخالفنا الرأي ورفض الآخر المختلف عنا دينا أو جنسا أو عرقا أو لغه.. حتى في الوطن نفسه رفضنا العمل بمبدأ المواطنه التي تضع الجميع على قدم المساواة في الوطنيه والانتماء وآثرنا على ذلك العمل فقط بأحكام الشريعه لأن دين الدوله هو الاسلام وقرر المنغلقون أن يسير الخلق جميعا على نمط معين محدد.. ولم نفكر فيما اذا كانت هذه القوانين تتماشى مع التطور الذي حدث خلال المائة سنه السابقه..
تاسعا : اعلاء المصلحه الفرديه فوق مصلحة المجموعه.. مما أدى الى تبرير الفساد والرشوه تحت مبررات الفقر والخوف من المستقبل.. وأضفى المجتمع عليها صفة شرعيه باحترام الأفراد الذين يقومون بها نظرا لمواقعهم في مناصب سلطويه تبقى في يدها القدره على نكون أو لا نكون
عاشرا : القبول الطوعي للمكانه الدونيه للمرأه بحيث حرمت من حقها المتساوي في كل ما يختص بأمور حياتها. واقصائها المتعمد من المناصب القياديه في الدوله تحت غطاء النساء قاصرات عقل ودين.. وغيرها من المبررات التي وجدت أذنا صاغيه من المنغلقين والمنغلقات في الدين.. بحيث أصبحت معيار للتخلف والدونيه..
سيدي القارىء.. التعليم وحده غير كاف لاحداث التغيير المطلوب للتقدم يجب أن تتوفر الاراده الشعبيه الصلبه التي تريد التغيير لما فيه مصلحة المجموعه. ومصلحة الأجيال القادمه.. الخروج من ظاهرة العنف التي استولت على العقول وبدت ظاهرة في كل مفارق الحياة للفرد والمجتمع.. الخروج من حالة التحدي المستمر سواء من الفرد أو من المجموعه على أننا متميزيون أو مختلفون عن بقية البشر..التوقف كلية عن شحن الانسان بالبغض والحقد في بيوت الله.. كما كتب الدكتور الأنصاري في أحد مقالاته والتي نشرت في القدس العربي.. نحن الأمه الوحيده التي تدعو على الكفار في بيوت الله.. ولولا الكفار لما كانت هناك الثلاجه والسياره والمكيف...
لقد أصبح جليا لنا بأنه ولفترة طويله كان هناك تواطىء ضمني مابين الأنظمه الحاكمه وبين رجال الدين الذين عملوا على تثبيت التسلط وتأكيد التمييز بين الرجل والمرأه (الرجال قوامون على النساء ) وتثبيت الإنصياع والإتباع ( أطيعوا أولي الأمر منكم ) تتفاوت قوتة من دولة إلى أخرى يجمعها هدف واحد يخضع لإعتبارات سياسيه قصيرة النظر من أجل حمايتها وحماية عروشها مما أوصل المنطقه العربيه إلى حالة الغليان والتخبط الذي تمر فيه..
وعليه فإننا نتساءل ألم يحن الوقت لفتح باب الحوار الصادق حول كونية حقوق الإنسان وضرورة ترسيخها في المحتمعات العربيه للخروج الطوعي من الفتاوي البشريه التي تضر بمصالح البشر في المنطقه العربيه..
أليس من الأفضل لمجتمعاتنا تعميق وتجذير مفهوم الحريه على أنها جزء لا يتجزأ وليست قاصرة على المسلم فقط أو الرجل لتعميق إحساس المواطنه وأن الحاجه تقتضي أن نركزها لتطوير المجتمع. وهذا لا يتم بدون مراجعه جريئه للتراث والثقافه للوصول إلى ثورة فكريه تمكننا من التطوير المجتمعي المطلوب للوصول إلى القرن الحالي..
ما نحتاجه في هذه المرحله ترسيخ قيم حقوق الإنسان وكونيتها.. في المجتمعات العربيه والخروج الطوعي من الفتاوي والإقرار بأن الشريعه عمل إنساني يتغير بتغير الظروف ويتأثر بالتطور التاريخي.
من هذا المنطلق يبتدىء الإصلاح...
- الخروج من الموقف التقليدي الذي يرفض الإعتراف بكونية حقوق الإنسان
لأنها هذه الكونيه تعمل على حماية الكرامه الإنسانيه للجميع. سواء منها. العربي.. أم الهندي.. أم الغربي.. وحتى الإسرائيلي...
- تعميق مفهوم القيم الإنسانيه لتخلق الترابط بيننا كبشر وأن هذه القيم هي قيم موجوده في الإنسان.. ترقى برقيه.. وتنمحي بفقره وعجزه.. وهو ما يشكل خطرا على مجتمعاتنا كلها..
- تعميق الإحساس بالمسئوليه تجاه المجتمع والعالم من حولنا....
- حركة عقل وتوعيه وتربيه تضمن عملية توعية جماعيه تعمل على تعميق مفهوم مساواة المرأه كشرط أساسي لتقدم المجتمع العربي وضمان نجاح المسيرة الديمقراطيه..
- تعميق مبدأ المواطنه في العالم العربي.. وإحترام القانون الذي يضمن الحق والعداله للجميع بالتساوي بدون الإلتفات إلى المذهب أو الدين أو اللون..
- إحياء الوازع الأخلاقي المرتبط بالضمير.. وتثبيت قيمة المساواة البشريه كمبدأ
هذا هو المقصود بالإصلاح لنجاح وإنجاح المسيرة الديمقراطيه لإيصال المجتمعات العربيه إلى مصاف الدول المتحضرة. والسؤال هنا..
هل هذا الإصلاح في صالح الإنسان العربي و صالح المنطقه العربيه.؟؟؟.
أحلام أكرم – باحثه وناشطه في حقوق الإنسان – لندن