كتَّاب إيلاف

تسونامي طائفي.. ومشروع للمواطنة العراقية

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

ما يقارب الثلاث سنوات مرت على سقوط النظام البعثفاشي، والأمور في العراق لا زالت كما هي إن لم تكن أسوأ من قبل، فالفلتان الأمني يقض مضاجع العراقيين، اينما حلّوا وارتحلوا، وليس ثمة في الأفق أمل يلوح، ويبدو إنّ الأوضاع تنتقل من سيءٍ إلى أسوأ، وكل ما يجري في الساحة السياسية من تحولات وتغييرات وتبادل الأدوار والكراسي لا يصب أبداً في صالح المواطن العراقي الذي عيل صبره، ولم يعد يدري بمن يثق، بعد أن كان يأمل خيراً في عراق جديد آمن يستعيد عافيته بعد الخراب الذي أصابه لعقودٍ طويلة.
ويبدو أنّ قَدَر العراقي أن يكون محروماً من النفط والغاز والبنزين والكهرباء، فضلاً عن حرمانه من الأمان وهو يرى بأم عينيه ويسمع بأذنيه المليارات تسرق هنا وهناك أو تصرف في أمور تافهة، أو في مشاريع ترفيهية وكمالية.
لندع كل هذا جانباً، ولننظر إلى المسألة من وجه آخر، ولنتساءل أين يتجه العراق؟
لست من المتشائمين قطعاً، ولكن ما يدور في الأرض والسماء العراقية لا يبشر بخير أبداً، وسوف لن أتحدث عن هذه الأمور التي يصفها بعض البطرانين ذوي الكروش المتخمة والرقاب المترهلة بالتافهة والعادية( الذين يقولون أنه من العيب على انسان مثقف أن يتحدث هذه الأمور)، سأدع كل هذا جانباً، واتحدث عما يجري في نسيج المجتمع العراقي من تمزق، قد لا ينتبه إليه اللاعبون في ساحات السياسة الآن، لأنهم لاهون عن كل هذا بعقد التحالفات واعداد القوائم الإنتخابية لاقتناص المقاعد والكراسي في مجلس النواب، والحقائب الوزارية في الحكومة، وتوزيعها على ابنائهم واخوانهم وابناء عمومتهم، لمَ لا والعراق تحول إلى مقاطعات وكانتونات وديوانخانات توزع فيها المناصب على أساس القرابة والولاء والعشيرة على حساب المواطن المسكين الذي يصوِّت لهم في الإنتخابات بصفاء نية علَّ وعسى....
التمزق الذي أتحدث عنه، هو الطائفية التي اصبحت واقعاً يومياً يمارسه العراقي دون إرادته ودون إدراك ووعيٍ لمخاطره، هذا الواقع الذي انتجته الأحزاب السياسية بامتياز، وتغذيه كلّ يوم بالسبل الكفيلة لديمومته واستمراريته، كما يغذيه الإعلام العراقي والعربي بأسباب بقائه.
العراق اليوم طائفي بامتياز، ويتجه بخطى حثيثة نحو اللبننة، وكل من يقول بغير ذلك يجانب الصواب، ويغالط نفسه، ويغالط الآخرين، في محاولة منه لذر الرماد في العيون، أو الضحك على الذقون. ودعاؤنا أن لا يصل الأمر إلى قيام حرب أهلية تأتي على الحرث والنسل، وإن كانت البيئة مهيأة لحدوثها، والأسباب متوفرة لقيامها، ومسلسل إراقة الدماء المتبادل في المساجد والحسينيات شاهد جلي على ذلك.
العراقي اليوم ليس عراقياً، إنه شيعي وسني وكوردي وعربي وتركماني وكلداني وآشوري وسرياني وإيزيدي وصابئي.
الأحزاب العراقية في معظمها تحمل أسماء طائفية من هذا القبيل، بدلاً من أن تحمل اسم العراق.
القوائم الإنتخابية والتحالفات التي تتأسس قبل الإنتخابات تحمل هي الأخرى أسماء طائفية (لا داعي لذكرها فأنتم تعرفونها).
العلاقات الإجتماعية بين العراقيين باتت مبنية على اساس طائفي، بدأ الناس يتشككون في الآخر ما لم يعرفوا إلى أية طائفة ينتمي، فالشيعي لا يرتاح إلى السني، والسني يكفِّر المسيحي والإيزيدي والصابئي، والكردي ينظر بعين الشك إلى العربي والعكس صحيح، وهكذا بدأ العراقيون يبنون جدران العزل والإنفصال فيما بينهم، ويؤسسون ثقافة الحقد والكراهية التي باتت تمزق نسيج المجتمع العراقي، وتجعل مصيره على كف عفريت. كل هذا بفضل ما يجري في المشهد السياسي من تناحرات ولعبة الكراسي وسحب البساط من تحت الأقدام، وبفضل التغذية اليومية للطائفية من قبل الإعلام العراقي والعربي على حدٍ سواء،
إننا اليوم نعيش في العراق أزمةً أستطيع أن أسمِّيها ( أزمة مواطنة)، فلقد محيت هذه التسمية من القاموس السياسي العراقي محواً تاماً، وبتنا بدلاً من ذلك نسمع بالجنوب الشيعي، والشمال الكوردي والمثلث السني، والأقليات المسيحية والإيزيدية والصابئية، وقد رسخ الدستور العراقي الدائم ـ وللأسف ـ هذه الطائفية المقيتة بشكل يحسد عليه.
لهذا أقترح ما يأتي:
1.إعادة النظر في الدستور الدائم، وتنقية بنوده وفقراته من كل الشوائب والروائح الطائفية، وعدم الإشارة الى القوميات والمذاهب والأديان، والتركيز بدلاً من ذلك على العراقية والعراقي، وخاصةً بعد أن أُقرَّ الدستور بشرط أن يُعدَّل ويُعاد النظر فيه من قبل مجلس النواب الذي سينتخب في 15 ديسمبر 2005.
2.إقرار قانون إنتخابات جديد يؤكد على الأمة العراقية والشعب العراقي والمواطنة العراقية، ورفض كل ما من شأنه الإشارة الى القومية والدين و الطائفة والمذهب. ويمكن لهذا القانون أن لا يمنح إجازة العمل لكل حزب لا يتقيد ويلتزم بهذه الثوابت العراقية.
3.ضرورة أن يعمل الإعلام العراقي ( المرئي والمسموع والمقروء)، وبكافة مستوياته وقنواته الحكومية والحزبية والمستقلة، وفق هذه الرؤية الوطنية، ونبذ كل ما من شأنه التفرقة بين مكونات الشعب العراقي.
4.تغيير المناهج التعليمية في كافة المراحل الدراسية بما يتلاءم مع هذا التوجه، وإزالة البيانات والفقرات والموضوعات التي تثير الحزازات والحساسيات بين العراقيين على أساس طائفي أو قومي.
5.يمكن للقضاء أن يسهم بأكبر دور في هذه العملية، فيشدد من إجراءاته القانونية لملاحقة التجاوزات والمخالفات التي قد تحدث من قبل أي طرف.
6.إعادة العمل بقوانين العمل والوظائف الذي كان معمولاً به إلى وقتٍ طويل، والذي بموجبه كان الموظف الذي يروم التعيين في وظيفة جديدة يُرسل إلى محافظة بعية عن محل سكناه، فيمكن مثلاً أن يتعين موظف من البصرة في محافظة الأنبار، وموظف من الناصرية أو كربلاء في محافظة أربيل أو السليمانية، ويمكن أن يتعين موظف من تكريت أو الموصل في مدينة النجف أو الديوانية، إنّ هذا الإجراء من شأنع أن يساعد على إندماج العراقيين في بوتقة واحدة ويصهرهم في نسيج واحد ملتحم متماسك.
دعوة أوجهها إلى كل المثقفين العراقيين ليقوموا بدورهم في القضاء على الطائفية المقيتة التي باتت الـ (تسونامي) الذي يجتاح العراق، ليعيدوا إلى العراق عراقيته.

آخر الكلام:

متى يبلغ البنيان يوماً تمامه إذا كنتَ تبنيه وغيركَ يهدم

S_khorani@hotmail.com
samirkhorani@yahoo.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف