الهويه أم الكرامه الإنسانيه؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
ما هو الأهم في المعادله الإنسانيه..
كثيرا ما سمعت والدي يقول إن من يتخلى عن جنسيته كمن يتخلى عن وطنه.. إشارة منه إلى بعض المعارف الذين ذهبوا إلى منطقة الخليج الغنيه للعمل وحصل البعض على جنسيات هذه الدول... ومرت السنون وأصبح الكثير ممن حصلوا على الجنسيه وما رافقها من الحصول على امتيازات كبيره سمحت لهم بتكوين ثروات طائله.. وبقي والدي على حاله.. (ليس من أصحاب الملايين - مستوره والحمد لله.).. كثيرون منهم لم يبخلوا بتبرعات سخيه. ومساعدة الكثيرين للحصول على فرص عمل وكأنما بهذه الأفعال يؤكدون حبهم وإنتماءهم.. نجحوا في تعليم أبنائهم في أرقى الجامعات الغربيه.. ومع الزمن إزدادت الفجوة التفكير بينهم وبين من بقي في البلاد.. آثر البعض منهم التشدد بالشعارات الوطنيه الرنانه لتأكيد عدم التنازل عن الحقوق أكبر بكثير من النظره العملية لأولئك القابعين المحرومين.......
بعدها بسنوات عده حصلت على جواز السفر البريطاني.. شعرت حينها كمن يخون أصله وبلده.. ولم أستوعب حينها أن مجرد حصولي على هذه الجنسيه يفتح لي آفاقا جديده.. أهمها حمايتي كإنسانه في حال تعرضي إلى أي محنه في بلد آخر.. ثم معاملتي بمساواة تامه أمام القانون البريطاني ثم الوثوق بكلمتي حال تعرضي لظروف خارجه عن إرادتي كما حدث معي عام 82 وقبل عيد الميلاد بيومين.. حين لم أستطع العثور عليه وقصر الوقت لأحصل على التأشيرات المطلوبه... ذهبت إلى الدائره محملة بكل الوثائق التي تثبت جنسيتي البريطانيه (جوازات سفر زوجي وأولادي).. ولم يطلب احد حتى مجرد النظر أو تفحصهم.. كل ما أخبرني به الموظف فيما إذا كانت 24 ساعه لإصدار الجواز الجديد كافيه لتمكنني من الحصول على التأشيرات.. وبالفعل بعد أقل من 24 ساعه حصلت على الجواز الجديد.. حين ذكرت هذه الحادثه لأصدقائي.. أخبروني بأنني لو كنت في أي من الدول العربيه لنلت علقه ساخنه.. وحجزت لفتره تتراوح ما بين شهر او أكثر لحين إثبات أن ضياع الجواز كان غصبا عن إرادتي. وبعدها أدخل في إجراءات لا حصر لها قد تطول إلى سنه أو أكثر..
لم أستطع تقدير معنى هذا الكلام. إلا بعد سماع العديد من قصص الفلسطينيين في المطارت وعلى الحدود..
أيضا لم أستطع استيعاب فكرة الربط بين الهويه والكرامه الإنسانيه إلا بعد زياراتي للمنطقه العربيه. وسماعي العديد من قصص التمييز في المعامله ما بين اهل البد وبين الوافدين للعمل.... قوانين العمل التي تفرق بين المحلي والوافد.. ثم رغبة الكثيرين وامنيتهم بالهجرة إلى الدول الغربيه.. امنيتهم بالحصول على جواز سفر غربي لكي يُعاملوا بطريقه إنسانيه على الحدود بين الدول العربيه..
ولكن أكثر ما أثر بي في موضوع الهوية هو حين دخولي في مناقشات عديده حينما أدعى إلى الكنيس اليهودي للحوار حول ضرورة وأهمية السلام.. خاصة وحينما أسأل من الحاضرين عن ماذا يريد الفلسطينيون.. هل يريدون مشاركة الإسرائيليين في دوله واحده أم الإستقلال التام في دولة لهم.. ولم هذا التمسك بالهوي’ الفلسطينيه..
ولم أتردد في أي من هذه المرات بالإجابة فورا.. بأن حرمان الفلسطينيين من حقوقهم الإنسانيه سواء تحت الإحتلال البغيض أم في العديد من الدول العربيه.. هي التي تجعلهم يتمسكون أكثر بالهوية الفلسطينية.. ويحلمون بدوله تحمى كرامتهم وتدافع عن مصالحهم.. حرمانهم من العيش بكرامه.. العمل بكرامه.. المساواة أمام القوانين. العدل.. هو سبب إنتفاضة الفلسطينيين الأولى والثانيه.. وأن السخط في الإنتفاضه الثانيه كان موجه ليس فقط ضد إسرائيل.. ولكن أيضا ضد القياده والسلطه الفلسطينيه لتجاوزاتها القانونيه.. ولمدى الفساد المستشري في أوصالها.. ولكن العنف الإسرائيلي ووحشيته في التعامل مع هذه الإنتفاضه هو الذي جعلها تتوجه إلى إسرائيل لوحشيتها في التعامل مع الحقوق الفلسطينيه.. ولو أن إسرائيل وبعد احتلالها للبقيه الباقيه من فلسطين عاملتهم كما تعامل مواطنيها اليهود لما تمسك أحد بدوله أو دولتين.. إن العنصريه الإسرائيليه والخوف غير المبرر (فإسرائيل تمتلك ترسانة نوويه) والمبالغ فيه على الدوله الإسرائيليه (وهي رابع قوه عسكريه في العالم) هما سبب ما آلت إليه الأمور.
ومن هنا بدأت بالتساؤل مع نفسي مرارا.. ما هو الأهم في المعادله الإنسانيه هل هي الهويه.. أم الكرامه الإنسانيه.. بمعنى أن يعيش الفرد في دولة ما تكفل له ولأبنائه حياة كريمه.. أن توفر له عملا يعيش منه.. وأن توفر لأبنائه تعليما يكفل لهم مستقبلا إقتصاديا آمنا ولكن الأهم معاملتهم سواسيه أمام القوانين..خاصة في عالم تسارع فيه الخطوات نحو تساقط للحدود لتكفل الأمن الإقتصادي للجميع.. ما مدى تمسك هذا الإنسان بالهوية الأصليه فيما لو أعطي الخيار بين أن يبقى في بلده جائعا.. عاطلا عن العمل.. ولا يرى أملا في مستقبل.. أو يحصل على فرصه للهجره ؟؟؟ كم من الشبان العرب الذين عملوا لعشرات السنين ولا زال، لا يملك حق الإقامه الدائمه.. ولا حق شراء عقار.. ويلهث باحثا عن جواز أي دوله يحمله بدلا من جنسيته الأصليه.. وهل معنى هذا تخليه عن أصوله..
الهويه وحدها لا تكفل هذه الكرامه.. والدليل على ذلك وضع الإنسان العربي في بلاده العربيه أقصد هنا الإنسان المسلم والمسيحي والدرزي والشيعي والسني والكردي... فإنعدام الحريه والمساواه أمام القوانين هي التي أجبرته على الرحيل لدول الغرب التي عاملته بإنسانيه..
الدول الوحيده التي احترمت هذه الحقوق هي الدول الغربيه.. حيث عومل بمساواة تامه أمام القانون في مجالي التعليم وإتاحة الفرص.. حيث أعطي الإنسان العربي جميع الحقوق المدنيه والسياسيه أسوة بإبن البلد...ونبغ الكثيرون منهم وأكبر دليل على ذلك نبوغ الدكتور الراحل إدوارد سعيد.. وغيره كثيرون.. أحد أهم أسباب هذا النبوغ هو الحريه الفكريه التي أتاحت له الفرصه لأن يكون من أكبر كتاب القرن العشرين في ذات الوقت الذي أصبح فيه الإنسان العربي الذي يعمل بأي من الدول العربيه مصدر خوف وإزعاج وقلق.. وفي ذات الوقت الذي تتفاوت فيه قوانين العمل بين جميع الدول العربيه ولا تكفل حقوق أي من القادمين إليها.. غير مكترثه بما قد يسببه فقر الدول المجاوره من خطر أكبر عليها وعلى أمنها السياسي...
خلال السنوات التي استبقت أحداث 11 سبتمبر.. بدأ ظهور اصطلاح جديد يعبر عن حق الإنسان بالعيش الكريم أينما كان وفي أي دوله يعيش فيها بغض النظر عن أصله العرقي.. آخذا بالمثل العربي المعروف.. بلاد الله لخلق الله.. إصطلاح مواطن عالمي يدق أبواب العالم كله....
سيدي أنا ومن مثلي لايزال يستطيع القول وبمنتهى الحريه أننا مواطنون في هذا العالم الفسيح، لأن مفهوم الحدود الذي كان في طريقه إلى التلاشي إلى أن جاءت احداث سبتمبر. ومدريد وبالي ولندن.. وتشددت الدول الغربيه بل كل الدول في منح تأشيرتها حتى للزياره للكثير من الزائرين من أصول عربيه.. لا زال لا يطالنا تماما..
ولكن لا الفلسطيني ولا العربي يستطيع أن يقول أنا مواطن في المنطقه العربيه.. لأن مفهوم الديمقراطيه ذاته في المنطقه العربيه كلها لا يضمن العدل والمساواة بين المواطنين المحليين أنفسهم وبين المرأه والرجل في أي دوله عربيه....فكيف به يطبق على الوافدين من سوريا إلى دبي.. من مصر إلى السعوديه.. ومن فلسطين إلى سوريا.. وبعد هذا نقول بأن العالم ضدنا ,, ولا نرى بأننا ضد أنفسنا ,, وضد إخوة لنا في الإنسانيه وليس فقط في الجوار....
أحلام أكرم باحثه وناشطه في حقوق الإنسان - لندن.