كتَّاب إيلاف

الانتخابات: تخويف الشيعة وهاجس الريبة من الآخرين!!

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

أن قراءة موضوعية للواقع السياسي العراقي الأن، تسمح بالقول : ليس بالإمكان إتخاذ أي قرارات مصيرية بشأن العراق دون مشاركة تحالف الأحزاب الأسلامية الشيعية متمثلاً بقائمة (الأئتلاف الموحد)، ولكن ليس بوسع أحد الأدعاء بقدرة هذا التحالف الأنفراد بالقرارات المصيرية مهما كانت نتائج الأنتخابات القادمة.

ورغم أن هذه المعادلة الواقعية هي في مصلحة هذا التحالف وبوسعه تطويرها لمصلحة التحول السياسي الديمقراطي في العراق حيث تكمن مصلحة جميع العراقيين، لكن حملة (قائمة الأئتلاف الموحد) الأنتخابية تثـير الاستغراب إلى جانب العديد من الأسئلة، وذلك بسبب ما أتسمت به من عدم ثقة بالنفس أنعكس بوضوح على تخويف المواطنين العراقيين في محافظات الفرات الأوسط والجنوب ودعوتهم جميعاً لانتخاب (قائمة الأئتلاف وإلا سيعود حكم الملك والعبيد) على حد تعبير السيد عمار الحكيم. أي أما أن نفوز بأغلبية المقاعد في مجلس النواب أو أن (الآخرين) سيفوزن بها وسيصبح مصير (الشيعة) في مهب الريح!! والآن لنتسائل: هل هذا المطلب واقعي أو مبرر مبدئياً؟! وهل هذه المخاوف واقعية؟! وهل تخويف أكثر من 17 مليون موطن مسلم شيعي من مستقبل غامض يخدم مشاعر ومستقبل هؤلاء المواطنين ومصالحهم!!

وقبل أن نجيب نعود إلى تصريح للسيد إبراهيم الجعفري عشية الأنتخابات السابقة حيث قال : (ليس كل المسلمين في العراق شيعة، وليس كل الشيعة إسلاميين) وهذا التصريح بقدر ما كان توصيفاً واقعياً للمعادلة السياسية، كان هدفه التخفيف من مخاوف الآخرين، من اكتساح (الأسلاميين الشيعة) للساحة السياسية. وهنا نعود إلى نوعين من القلق تتميز بهما الساحة السياسية العراقية ألآن، الأول قلق مشروع بقدر ما يتعلق ألأمر بكون التجربة الديمقراطية جديدة حيث إنهار النظام القديم وبدأت تتشكل معادلات سياسية جديدة على أنقاضه لم تكتمل بعد على هيئة نظام يستطيع الدفاع عن نفسه. أما النوع الثاني من القلق فهو مفتعل ومبالغ فيه، وهدفه الأستحواذ السياسي غير المشروع على الطوائف عند الطرفين السني والشيعي بسبب شيوع ظاهرة التطير السياسي وتخويف كل طرف لطائفته من الآخرين (راجع مقالنا السابق في إيلاف : الحملات الأنتخابية بين ظاهرتي التطير السياسي وتخويف الطوائف).
والآن لنعود إلى مفردات حملة (الأئتلاف الموحد) الأنتخابية، وأولـها مقولة السيد عبد العزيز الحكيم : (أن تحقيق النتائج الايجابية في الأنتخابات المقبلة يتوقف على الكتلة الصالحة لا الفرد الصالح)!!! (علامات التعجب منا) وهذه المقولة تكاد تكون مركزية في الحملة حيث رددها العديد من المتحدثين باسم (الأئتلاف) وخاصة السيد عمار الحكيم الذي كررها مراراً وأعاد الحكيم الأب تكرارها يوم 6 - 12 الجاري في مدينة العمارة خلال خطبته هناك. وهذه المقولة بقدر ما تدل على أزمة عدم ثقة القائمين بالحلملة بقائمتهم بسبب تعثر الحكومة واحتجاج الواطنين على تفاقم الأزمات، تدل أيضاً على تجاوز على حقوق المواطن العراقي التي يكفلها الدستور التي ساهمت (الأئتلاف) بكتابته، وأولـها حقه بترشيح نفسه لمجلس النواب أو سواه من الهيئات العامة، كجزء من الحريات الفردية المقرورة والتي لا يمكن فهم الديمقراطية ولا نجاحها بدونها، ناهيك عن حق أي مجموعة من المواطنين تشكل قائمة إنتخابية خاص بهم، ومن يريد منعهم من ذلك لأي سبب أو ذريعة لا يمكن أن يكون حريصاً على مصالحهم. إذا منعتني من ممارسة حقوقي الدستورية كيف يمكن أن تكون حريصاً على مصالحي؟!

ومقولة الحكيم رئيس قائمة الأئتلاف: (أن تحقيق النتائج الايجابية في الأنتخابات المقبلة يتوقف على الكتلة الصالحة لا الفرد الصالح)!!! مثيرة للأستغراب فهي تلاحق حتى (الفرد الصالح) لتحبطه وتبتزه دينياً لتدفعه للتخلي عن أحد حقوقه المشروعة ليعلن عن هذا التخلي والألتحاق بقائمة الأئتلاف كما فعل البعض ذلك فعلاً ويا للغرابة!! في حين كان على المسؤولين عن الأئتلاف أن يطرحوا على أنفسهم سؤالاً محدداً ويجيبوا عنه، وهو : لماذا أنتخبنا ملايين المواطنين بمن في ذلك علمانيون ويساريون وليبراليون بينما نجدهم يشعرون بالخيبة من حكومتنا وقائمتنا الأن حيث شرعوا بطرح العديد من القوائم الفردية والجماعية الخاصة بـهم؟!

أن الإجابة على هذا السؤال تعني مواجهة الذات بالحقائق، ومنها حقيقة التقصير والأخطاء في سياسة الحكومة أو الوزارة التي عولت عليها الملايين وأعطتها أصواتها. لكن الأعتراف بالأخطاء ليس من طبيعة أحزاب (العقائد المقدسة) سواء كانت أحزاباً دينية أم قومية أم يسارية، حيث تعتمد ثقافة هذه الأحزاب على تبرير الأخطاء والتغاضي عن النواقص : (ليش أحنه شنو علاقتنه بالكهرباء، قابل الكهرباء عدنا وما ننطيها للمواطنين ؟!) يتساءل ويللغرابة أحد أقطاب الأئتلاف!!
ليس من الصحيح القول بأن حكومة (الأئتلاف) لم تحقق شيئاً، فأنجازات وزارتي الداخلية (باقر الزبيدي من المجلس الأعلى) والمواصلات (سلام المالكي من تيار الصدر) قد حققتا الكثير فعلاً، ولكن ماذا عن الوزارات الأخرى؟! ماذا عن غياب برنامج حكومي لتطوير الزراعة وتوفير الخدمات الرئيسية وهو أمر ممكن جداً ولكنه لم يتحقق؟! وماذا عن إهمال الكفاءات الأكاديمية والعلمية والإدارية والثقافية في الفرات الأوسط والجنوب التي ساهمت بانتخاب قائمة الأئتلاف، في حين تم اغراق دوائر الدولة ومؤسساتها بالمحازبين والمحسوبين برغم غياب مؤهلاتهم وكفاءاتهم ما خلق أزمات حقيقية في الكثير من الوزارات والمديريات وشجع على بقاء المظاهر السلبية كالفساد الإداري والمالي وسواه!! ولماذا يتحتم على سكان محافظات الجنوب والفرات الأوسط إنتخاب الأئتلاف ثانية وهي ما تزال تعاني من مختلف الأزمات وغياب الخدمات الأساسية؟! وهل يدل كل ذلك على حرص على مصالح (الشيعة) فعلاً؟! وهل الإشارة إلى ضرورة البحث عن حلول لكل هذه الأزمات المتراكمة من قبل قوائم وأحزاب أخرى، يعبر عن تخلي عن تضحيات الشهداء أو أبتعاد عن الدين والمذهب؟! لماذا ولمصلحة من تخويف المواطنين في المحافظات الشيعية من شبح (عودة البعثيين) للحيلولة دون ممارسة حقوقهم الأنتخابية بحرية واستقلال؟! إذن لماذا وجود النظام الديمقراطي أصلاً، ولماذا تتفاخرون بمالمساهمة بكتابة الدستور إذا كنتم تعتبرون أن من الخطأ أن يمارس حتى (الفرد الصالح) حقه الدستوري؟!

لكن السؤال الأهم هو: هل سيخضع العراقيون لهذا النوع من الأحباط والأبتزاز؟! لماذا قدموا كل تلك التضحيات المريرة إذن؟!
أن قلة الخبرة في إدارة الحملات الأنتخابية، وعدم قدرة (أحزاب العقيدة) على الخروج من جلدها الأيديلوجي وطبيعتها الأنانية والتبريرية والأبتزازية، هي التي تقف وراء رغبة (قائمة الأئتلاف) بتحويل ظاهرة (التطير السياسي) إلى ثقافة عامة بقصد الهيمنة السياسية على (الساحة الشيعية)!! وهو ما تفعله الأحزاب المشابهة في الطوائف الأخرى!! ما يحتم على العراقيين الأنتباه إلى هذا المنزلق الخطير، وهو منزلق الطائفية الذي يعني استمرارها وتكريسها إنتصاراً لثقافة صدام حسين العمياء على الثقافة العراقية الديمقراطية!! لأن كل من يرفع شعار (من ليس معنا فهو ضدنا) هو (بعثي وأن لم ينتمِ). ومن ناحية أخرى فقد أصبح من الواضح بأن (قائمة الأئتلاف الموحد) التي تمارس البراغمايتية مع الأمريكان وبعض الدول المجاورة، تضيق ذرعاً بقوائم الأحزاب العراقية الأخرى، وخاصة (القائمة الوطنية العراقية) التي تتكون من عدة أحزاب وطنية لا يمكن أكتمال المعادلة العراقية واستمرار العملية السياسية الديمقراطية بدونها. وهذا بقدر ما يدل على أزدواجية المعايير جعل المراقبين يخشون من تصاعده، الأمر الذي قد يهدد بعودة مأزق الأحتراب بين أطراف الحركة الوطنية الذي ساد في 1959 وما بعدها والذي كانت نتيجته المظلمة أنبثاق ديكتاتورية صدام حسين التي دفعنا ثمنها غالياً وما نزال!! فهل هناك مصلحة للعراقيين بإعادة إنتاج الدكتاتورية تحت عباءة الطائفية من جديد؟!

ان لقائمة الأئتلاف رصيدها السياسي الواضح بحكم تشكلها من عدة أحزاب معروفة، وبالتالي فهي ستحصل على ما يوازي وجودها السياسي من مقاعد في مجلس النواب، أي أنها في جميع الأحوال لن تكون على الهامش، فلماذا كل هذا القلق من الآخرين إذن؟! ولماذا تخويف الشيعة من (عودة نظام الملك والعبيد)؟! وهل هناك من يفكر بتحويل العراقيين في الفرات الأوسط والجنوب إلى ملكية سياسية خاصة به على الطريقة اللبنانية؟! وهل صحيح أن المخابرات الإيرانية التي أخترقت العديد من التنظيمات تروّج لوهم استنساخ التجربة اللبنانية في العراق؟! وأخيراً : هل سكان الفرات الأوسط والجنوب بحاجة لمزيد من القلق والخوف من الأشباح!! لا سيما وان كل هذه المبالغات لا مبررات واقعية لها؟!

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف