الديموقراطية وحقوق الأقليات.... الأقباط نموذجا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
في إطار موجة الديموقراطية التي تزور منطقة الشرق الأوسط،، والتي نتمني أن تستقر فيها مثل عشرات الدول الأخري في العالم التي أتخذت الديموقراطية نظاما للحكم، يطرح التساؤل ما هي حقوق الاقليات في ظل مجتمع ديموقراطي؟ وهنا يثار التساؤل عن توصيف وضعية الأقباط هل هم أقلية أم لا؟ وهل هم أقلية مضطهدة أم لا؟ وهل هم أقلية محاصرة أم لا؟
الأقباط كأقلية
في توصيف وضعية الاقليات هناك معياران
معيار ديناميكي متغير، يتعلق بالحقوق والمساواة والمشاركة وهي أركان المواطنة، بناء عليه تعرف الاقلية إذا كان هناك إنتقاصا لحقوق المواطنة فى أحد أركانها أو جميعها لجماعة ما في وقت ما في مجتمع ما.
وفقا لهذا المعيار فإن كلا من المرأة المصرية والأقباط يصنفان كأقلية بناء على الانتهاك الواضح لحقوق المواطنة لكليهما.
وهذا المعيار لا يتعلق بالعدد وانما بوضعية الحقوق، فقد تكون الجماعة الاقل عددا هى المسيطرة كما كان حال سيطرة الأقلية البيضاء فى جنوب افريقيا سابقا ، وسيطرة السنة فى العراق تحت حكم صدام حسين ، وسيطرة الأقلية العلوية الان فى سوريا.
ولهذا تعرف الموسوعة الأمريكية الأقلية فتقول " بأنهم جماعة لها وضع اجتماعي داخل المجتمع أقل من وضع الجماعات المسيطرة في نفس المجتمع وتمتلك قدرا أقل من النفوذ والقوة وتمارس عددا أقل من الحقوق مقارنة بالجماعة المسيطرة في المجتمع. وغالبا ما يحرم أفراد الاقليات من الاستمتاع الكافي بحقوق مواطنى الدرجة الأولي".
معيار استاتيكي ثابت، يتعلق بالتمايز الظاهر لجماعة ما تشكل أقلية عددية سواء كان هذا التمأيز في العرق أو الدين أو اللغة أو المعتقد أو الشكل أو اللون أو الثقافة.
يعرف سعد الدين إبراهيم الاقلية " أية مجموعة بشرية تختلف عن الاغلبية في واحد أو أكثر من المتغيرات التالية: الدين أو اللغة أو الثقافة أو السلالة".
وهو يقترب من تعريف الموسوعة البريطانية في تعريف الاقليات "جماعة من الأفراد يتمايزون عرقيا أو دينيا أو لغويا أو قوميا عن بقية الأفراد في المجتمع الذي يعيشون فيه".
وبناء على هذا المعيار الاستاتيكي يصنف الاقباط أيضا كاقلية دينية.
أما تعريف الأمم المتحدة للاقليات فهو يأتي ضمنا من خلال الاعلانات والمواثيق والاتفاقيات والقرارارت.
وقد اشارت معظم مواثيق الأمم المتحدة إلى حقوق خاصة للاقليات مثل: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وميثاق الأمم المتحدة ، واتفاقية منع جريمة إبادة الاجناس، والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والإعلان بشأن القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد، واتفاقية حقوق الطفل، وإعلان حماية الأقليات الصادر عن الجمعية العامة فى 18 ديسمبر 1992، وكذلك الصكوك الدولية الأخرى ذات الصلة التي أعتمدت على الصعيد العالمي أو الاقليمي أو تلك المعقودة بين الأحاد من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.
وهناك اتفاق دولي على محددين
الأول : اتخاذ إجراءات خاصة تصب في حماية حقوق الاقليات، مع حظر استخدام مصطلح الاقلية للحد من حقوق الأفراد أو من وضعهم كمواطنين.
والثاني: قبول الاقلية بتصنيف نفسها "كأقلية" شِرط أساسى لإعتبارها أقلية ، إلا إذا كان إنكارها لذلك بناء على إكراه وضغوط من الاغلبية.
بناء على كافة المعايير والشروط السابقة يصنف الاقباط "كأقلية" ولا خلاف على ذلك إلا بين من يريدون تمييع الأمور بالحديث في أمور عاطفية عديمة القيمة.
الاقباط مضطهدون
نأتي إلى مصطلح آخر وهو مفهوم "الاضطهاد". يتفق دعاة الحريات إنه إذا كان هناك تمييز منظم ضد فرد أو جماعة أو أقلية تقوم به حكومة ما، أو تتستر عليه ،أو تتواطئ مع منفذيه، أو تنكر وجوده، أو تخلق المناخ الذي يشجع عليه ، أو لا تتعهد بمقاومته والتخفيف منه ،فإن هذا يعني إضطهاد هذه الحكومة لذلك الشخص أو تلك الجماعة أو هذه الاقلية. فالاضطهاد في الأساس هو أنتهاك متعمد لحقوق المواطنة من قبل حكومة ما مع عدم التعهد بمعالجة هذا الانتهاك.
فالمفروض في التمييز إنه عارض وأن القانون يقاومه والحكومة تصدر التشريعات وتتصرف على أرض الواقع بطريقة تظهر بوضوح مقاومتها لهذا التمييز ،وبخلاف ذلك يكون التمييز إضطهادا.
وفقا لهذا التعريف يصنف الاقباط"كأقلية مضطهدة"
أما تعريف الأمم المتحدة للاضطهاد فهو أيضا يأتي من خلال إنتهاك أي من حقوق الأفراد أو الجماعات أو الاقليات الواردة في مواثيقها وأعلاناتها وأتفاقيتها وقراراتها. ومن ثم ليس هناك تعريف محدد، وهذا متبع في مصطلحات عدة في الأمم المتحدة فمثلا "مفهوم الإرهاب" الذي يصر العرب على غياب تعريف محدد له صادر عن الأمم المتحدة، هو معرف أيضا من خلال عشرات القرارات والإعلانات فمنذ عام 2001 وحتى 2005 أصدر مجلس الأمن القرارات التالية:
1373 ،1377، 1438،1440، 1450، 1452، 1455، 1456، 1465، 1516، 1526، 1530، 1535، 1540، 1566، 1566، 1611، 1617، 1618، 1624، 1625.
فخلال أربعة أعوام فقط أصدر مجلس الأمن عشرين قرارا تناولت كافة أوجه أنواع الإرهاب والإجراءات الكفيلة بمقاومته، وبعد ذلك يتحدثون عن غياب تعريف للإرهاب، رغم وجود عدد لا يحصي من القرارات و الأعلانات والاتفاقيات المتعلقة به وبتوصيفه وبمقاومته.
هناك أتجاه في الأمم المتحدة وهو تعريف المفاهيم من خلال قرارتها، وهذا أيضا ينطبق على مفهوم الاضطهاد، الذي عرف من خلال عشرات اتفاقيات الحقوق وقرارات وتوصيات هيئات الأمم المتحدة.
وهناك أيضا تقارير منظمات المجتمع المدني مثل منظمة العفو الدولية، وفريدم هاوس، وهيومن رايت واتش، وكريستيان سوليداريتي،و مركز أبن خلدون.
وفقا لكل ما سبق يصنف الاقباط "كأقلية مضطهدة".
اقلية محاصرة
هناك حصار للاقباط يتعلق بتيار من الكراهية والتعصب الذي يتزايد في الشارع المصري، وحصار يتعلق بحرية العقيدة وطريقة ممارستها بكونها تسير في إتجاه واحد، وحصار يتعلق بسقف وظيفي لا يتعدوه، وحصار يتعلق بتجريدهم من مصادر القوة السياسية، وحصار إعلامي يشعرهم إنهم غرباء وسط هذا الكم من الإعلام أحادي التوجه، وحصار خطير يتعلق بزحف الدولة الدينية إلى كافة مناحي الحياة في مصر.
بل وصل الحصار إلى إجبار الاقباط وكنيستهم على رفض أي مساعدة لهم حتى لو جاءات من المجتمع المدنى الدولي ، بل رفض تصنيفهم كأقلية، بل وصل الأمر لإجبار بعضهم على إنكار المشاكل والإدعاء بأن كل شئ طبيعي وتمام.
الخلاصة هى أن الأقباط " أقلية مضطهدة محاصرة".
ما هو الحل؟ وما هو العلاج؟.
هناك تجارب لدول تعاملت مع قضية إنتهاك حقوق الإقليات ويمكن الاسترشاد بها ونحن هنا أمام ثلاثة مستويات من الحلول :
حلول تتعلق بالمظالم التاريخية: وهي تسمي في القانون الدولي بالإجراءات الخاصة Special Measures ، وقد أتخذت هذه الإجراءات أكثر من مسمي وآلية ففي أمريكا تسمي "الإجراء التوكيد ي" Affirmative Action ، وفي أوربا تسمي "التمييز الإيجابي" Positive Discrimination ، وهي إجراءت لمساندة الجماعات المضطهدة والمهمشة حتى إنتهاء الأضطهاد والتهميش والارتقاء بوضعها ليماثل وضع الاغلبية.
أما آلياتها فتتمثل في قوانين وقرارات سلبية، بمعني إنزال العقاب بمن يمارس الاضطهاد والتمييز ضد هذه الجماعة أو تلك، وإيجابية، بمعني إجراءات تفضيلية تعطي الأولوية لأفراد الجماعات المضطهدة والمهمشة في التعليم والوظائف والمناصب السياسية، و إفساح المجال أمامها للتمثيل في المجالس التشريعية.
حلول تتعلق بالوضع الأني: تتضمن تعديل الدستور والقوانين لتضمن المساواة الكاملة، ومدنية الدولة، وتغليظ العقوبات على من يقوم بالإعتداء على حقوق الأقلية ، وهناك فضاء واسع لمثل هذه الإجراءات لا يتسع هنا المجال لذكرها.
حلول تتعلق بالوضع المستقبلي: وهي تتعلق بحقوق الأقباط في ظل نظام ديموقراطي، بمعنى أن الديموقراطية الحقيقية هى الحل الامثل للأقليات فى المدى الطويل الدائم ، وهذا يتمثل في شقين
الشق الأول أهمية أن يشارك الأقباط بدفع مصر إلى طريق الديموقراطية والتحديث وأن يتاح لهم المجال لذلك.
والشق الثاني التأكيد على حقوقهم في ظل نظام ديموقراطي حقيقي، فممارسة الديموقراطية ترتبط أساسا بالمواطنة، فالمواطن هو الركن الاساسي في العملية الديموقراطية، والمواطنة تعني "المشاركة" و "المساواة" ومن ثم فالديموقراطية الحقيقية في جوهرها تعني المساواة الكاملة والحقوق المتكافئة.
والديموقراطية تعزز حقوق المواطنة من خلال سيادة القانون، والفصل التام بين الدين والدولة، والفصل الحقيقي بين السلطات، ومباشرة الفرد لحقوقه السياسية ، وممارسة حق الانتخاب في المؤسسات الوسيطة ،وأحترام الحريات الفردية وصونها وحمايتها.
على أن هناك مفهومين هامين يرتبطان بالديموقراطية الحديثة.
الأول هو "الديموقراطية التمثيلية" Representative Democracy ، ويعني أن أي نظام ديموقراطي لا يشمل على تمثيل برلماني مناسب لكافة شرائح المجتمع والجماعات المكونة له، يكون نظام ديموقراطي ناقص ومشوه.
الثاني: هو البيروقراطية التمثيلية Representative Burocracy ويعني أن أي نظام سياسي ديموقراطي حقيقي، لابد أن يعبر هيكله السياسي من قاعه إلى قمته عن تواجد مناسب لكافة شرائح المجتمع والجماعات المكونة له. وفي حالة عدم وجود هذا التمثيل نكون أيضا إزاء نظام ديموقراطي ناقص ومشوه.
وفي حالة غياب أي من "الديموقراطية التمثيلية" أو "البيروقراطية التمثيلية" يحتاج النظام السياسي في هذه الحالة إلى آلية من آليات "الإجراء التوكيدي" حتى يصحح النظام الديموقراطي نفسه مستقبليا.
وبناء على ذلك يجب تحديد نسبة في حدود 15% للأقباط في المجالس التشريعية وكذلك في المناصب السياسية والوظائف الإدارية للدولة ونسبة 30% للمرأة المصرية ، حتى يستقيم النظام السياسي ويصحح ذاته مستقبليا ليقترب من الأنظمة الديموقراطية الحديثة.
وجب التنويه أن تمثيل الأقليات والجماعات السياسية في ظل الديموقراطية التمثيلية " و" البيروقراطية التمثيلية" يختلف عن نظام الحصص الطائفية أو النظام الطائفي كما هو في لبنان ، فالأخير نظام استاتيكي جامد ،أما الأول فهو نظام يعكس كفاءة وحيوية وصحة العملية السياسية ويعبر عن الديموقراطية الحقيقية. أما أجراءات " الفعل التوكيدى" فهى اجراء علاجي مؤقت لمظالم تاريخية، وحتى يستقيم النظام الديموقراطي ويتعافى.
السؤال هل يحتاج الاقباط إلى مساعدة دولية للوصول إلى حقوقهم العادلة في المواطنة؟
هنا يجب أن نفرق بوضوح بين التدخل الدولي والتدخل الأجنبي؟
فاولا: التدخل الأجنبي أرتبط في المنطقة العربية بالاستعمار سواء ما تسمي بالحروب الصليبية أو موجة الاستعمار التي أحتلت المنطقة في النصف الأول من القرن العشرين، أما التدخل الدولي فارتبط بتحرير الشعوب من الاستعمار عبر مبادئ ولسن الأربعة عشر ومنها حق كل شعب في تقرير مصيره، والتي كانت أساس قيام عصبة الأمم ثم الأمم المتحدة لاحقا.
ثانيا: التدخل الأجنبي أرتبط بنهب ثروات الشعوب أما التدخل الدولي فارتبط بمساعدة الشعوب.
ثالثا: التدخل الاجنبي في الغالب ثنائي النزعة، أما التدخل الدولي فهو متعدد الأطراف، وحتى ولو كانت هناك مصلحة خاصة لدولة معينة في هذا التدخل إلا إنه يتم في إطارتعددى ويتفق مع القانون الدولي والمواثيق الدولية.
رابعا: التدخل الاجنبي إنفرادي ذو مستوي واحد، أما التدخل الدولي فهو متعدد المستويات عبر المنظمات الدولية، أو المنظمات الاقليمية أو منظمات المجتمع المدني الدولي أوحتى الرأى العام الدولى.
خامسا: التدخل الدولي يعطي الحق لاي دولة عضو في الأمم المتحدة أن تتدخل عبر المنظمة الدولية للاحتجاج وإدانة أي إنتهاك لمقرارات الأمم المتحدة في دولة أخرى ولا يعد ذلك تدخلا في الشئون الداخلية للدول، فكل دولة عضو في الأمم المتحدة هي من المفترض بمثابة حارسة لميثاقه ومقراراته واتفاقياته.
بل أن تصنيف الأمم المتحدة لجماعة ما على أنهم أقلية هو نوع من التدخل الدولي أو التدويل، لأن اي إنتهاك لحقوق هذه الاقلية هو إنتهاك لإعلان الأمم المتحدة لحماية الاقليات يستوجب أحتجاج وتدخل الأمم المتحدة عبر آلياتها المختلفة.
إذن فالتدخل الدولي مشروع تماما بمشروعية القانون الدولي والمواثيق الدولية وعضوية المنظمات الدولية واقتسام المعيشة على كوكب واحد.
والتدخل الدولي قد يحدث لتحرير دولة من إحتلال دولة أخرى كما حدث في الكويت عام 90، أو لتحرير دولة من هيمنة دولة أخرى كما حدث في لبنان 2005، أو لحماية جماعة دينية أو عرقية مضطهدة كما حدث في البوسنة وكوسوفو، بل وحتى لإجراء تحقيق في قضية جنائية فردية كما حدث في لجنة ميليس التي تحقق في اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري.
والخلاصة
-وضع الاقباط يصنف "اقلية مضطهدة محاصرة".
-يحتاج الاقباط إلى "إجراءات الفعل التوكيدي" أو "التمييز الأيجابى" في هذه المرحلة لضبط المظالم التاريخية التي تعرضوا لها.
-من حق الاقباط كأقلية مضطهدة طلب المسأندة الدولية، ولا يعد ذلك افتئاتا أو انتقاصا من وطنيتهم لأن هذا حق مشروع لهم، والمدان هو الحكومة المصرية التي تنتهك القانون الدولي الذي يلزمها بحماية الاقليات وحقوق مواطنيها.
إن طلب الاقباط للمسأندة الدولية هو إيمان وأمتثال واحترام للقانون الدولي والمواثيق الدولية ولا يعد إنتهاكا لأي قانون محلي وفقا لمبدأ سيادة القوانيين الدولية على القوانيين المحلية.
نص الكلمة التى القاها مجدى خليل فى مؤتمر" أوضاع الديموقراطية والحريات فى الشرق الأوسط "الذى عقد فى العاصمة الامريكية واشنطن فى الفترة بين 16-19 نوفمبربر 2005
magdikh@hotmail.com