الشفافية والدكتور غازي القصيبي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
تلقيت من وزير العمل الدكتور غازي القصيبي شاكراً مؤلفاً جديداً بعنوان (نحو استراتيجيه موحدة لمكافحة البطالة )، وهو عبارة عن محاضرة لمعاليه كان قد ألقاها في جمعية الاقتصاد السعودية عن البطالة وشجونها وأعراضها وتبعاتها، وجهود وزارة العمل في مكافحتها، كمرض اجتماعي، والحد من انتشارها.
والدكتور القصيبي هو من أكثر المسؤولين الحكوميين مساهمة في تفعيل مبدأ (الشفافية)، والعناية بالشأن التوعَوي، وإشراك المواطن في فهم وتفهم قضاياه التنموية، والمساهمة في حلها من خلال التفاعل معها والإحساس بها، كما هي حقيقتها على أرض الواقع.
وأنا هنا لن أتحدثَ عن (البطالة) فقد أصبحت إحدى القضايا التي يتحدث عنها ويتحاور حولها الجميع؛ ولعل للمعلومات الإحصائية التي قامت وزارة االعمل ممثلة في جهود وزيرها بتوفيرها وطرحها للمواطن، وللباحث على وجه الخصوص، أعظم الأثر في إثراء هذا الحوار، وتكريس هذا الوعي، مما جعل قضية (البطالة) التي تلقي بتبعاتها على حاضر هذا الوطن ومستقبله (ماثلة) بشكل قوي في أذهان الجميع.
الذي أريد أن أتحدث عنه في هذه العجالة، وهو ما لفت نظري في مؤلّـف الدكتور غازي الأخير، عِنايته بالشق (التوعوي) للقضايا التي يتصدى لحلها، كقضية البطالة مثلاً، والشفافية التي يتعامل بها ومعها حول هذه الشؤون، خصوصاً وأننا نعيشُ في زمنِ تحَكُم المعلومات وتسيّدها.
ونحن عندما نطرح مشاكلنا التنموية بهذا القدر من الوضوح وبعيداً عن السرية والتعتيم - كما يفعلُ هذا الوزير المتحضّـر - فإننا نتيح للمواطن الفرصة كاملة للتفاعل مع هذه المشكلة، سواء من حيث الوعي بها، أو من خلال شحذ همته للمساهمة في الجهود المبذولة بشأنها، الأمر الذي ينعكسُ انعكاساً إيجابياً على تطويق مثل هذه المشاكل، والحد من تفاقمها، وتفهّم الدواعي والأسباب التي دفعت الحكومة مضطرة إلى إقرار بعض الإجراءات (غير الشعبية) لعلاجها.
والشفافية هي إحدى وسائل الحكومات المتحضرة في علاج مشاكلها، وإقناع مواطنيها بمشاريعها الإنمائية. وهي على النقيض من السرية والتعتيم.
ففي الغرب - مثلاً - تأتي الضرائب والرسوم في قمة (كراهية) المواطن العادي، ومع ذلك (يتفهّم) المواطن (البسيط) لماذا لجأت هذه الحكومة أو تلك لفرض مزيد من الضرائب؛ ولولا الشفافية والوضوح والصراحة وإشراك المواطن في تفهم قضاياه الوطنية، لما استطاعت أية حكومة من إقرار مزيدٍ من الضرائب و الرسوم، ولسقطت كل الحكومات التي تلجأ إلى زيادة الأعباء المالية على كاهل المواطن، كسنِ ضرائب جديدة مثلاً.
والمواطن هو في نهاية الأمر كالعضو في الأسرة الصغيرة؛ كلما وجَدَ من أسرته احتراماً وتقديراً، وأشركته في حل قضاياها، كان أكثر تفهماً وتقبلاً لأي قرار مهما كان قاسياً، مادام جميع أفراد الأسرة يتحدثون بصراحة ووضوح وصدق عن أبعاد أي قرار ومبررات وبواعث اتخاذه.. وفي المقابل كلما هَمّشَ المسؤول عن شأنٍ من شؤون الأسرة أفراد العائلة، وأحاط أعماله وقراراته (بالسّـرية) والكتمان والتعتيم، وابتعدَ عن (الشفافية)، تكرّست العزلة بين أعضاء الأسرة الواحدة، وأصبح (التذمّـر) والشكوى هو محور حديث أفراد الأسرة المهمشين في كل صغيرة وكبيرة.
ويَعيبُ البعض على الدكتور غازي شغفه بالإعلام؛ وهذا في تقديري، وفي وقتنا الحاضر بالذات، (ميزة) بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى وليس عيباً. فالذي لا يُفعّـل الإعلام، ولا يوظفه التوظيف الصحيح لخدمة أهدافه ومشاريعه يبقى (مُـقصراً) وبعيداً ومعزولاً عن الناس، الأمر الذي سيؤدي حتماً إلى (فراغ)، لتأتي الشائعة - وربما المعلومات المغرضة - لملء هذا الفراغ؛ فتحلُّ الشائعات والقيل والقال، وكثرة السؤال دونما إجابة شافية، محل (المعلومة) الصحيحة، مما قد يُشكل (الرأي العام) تشكيلاً مُـشوهاً في النتيجة، وهذا ما يُعانيه - للأسف - الكثير من المسؤولين الذين لا يَعنون بالإعلام كما يجبُ أن تكون العناية.
وأنا هنا لا أتحدث عن الدعاية؛ ولا عن أسلوب الإعلام السّمج الذي يُطبلُ (للإشادة)، بقدر ما أدعو إلى إعلام (الشفافية) الذي يهتمُ بطرح قضايانا وأساليب علاجها على بساط البحث، ويَحفلُ بالمعلومة ويجعلها في متناول الجميع كالحق المشاع.
وغني عن القول إن (الإصلاح والشفافية) أصبحا مصطلحين متلازمين؛ بحيث يندرُ أن تجدَ أي مشروع سياسي إصلاحي في أي بقعة من بقاع الدنيا إلا ويعتبر (الشفافية)، والبعد عن التعتيم والسرية، من أهم أولويات الإصلاح.. وهذا ما يشير إليه - مثلاً - أحد تقارير (منظمة الشفافية الدولية) الذي ينص على ضرورة أن تتشكل هذه (الشفافية) من خلال أنظمة وقوانين مُلزمة، بحيث تكون (المعلومة) و (التقارير الدورية) عن أي نشاط حكومي في متناول الجميع، ليتمكن المواطن بالتالي من محاسبة المسؤولين عن ممارستهم لمهامهم، أو تلك التي يضطلعون بالإشراف عليها ومراقبتها.
خلاصة القول إن مبدأ الشفافية من شأنه أن يُـثري العلاقة بين المواطن والمسؤول، ويذيبُ ما قد ينشأ من جليد بين طرفي العقد الاجتماعي؛ ومنها - أعني الشفافية - يجبُ أن نبدأ في تناول قضايانا التنموية؛ ولعل تواصل وزير العمل مع المواطن، وعنايته بالإعلام في شقه التوعوي، مثالٌ جيد لما أريد أن أقول.