كتَّاب إيلاف

قلمُ جبران، وصوته

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

دمُ لبنانَ مهدورٌ. قائمة الموت، المعدّة بعناية المرجع الأمنيّ الأعلى، البعثيّ، تتساقط حروفها دامية ً ؛ قائمة سوداء كسحنة القتلة، محشورٌ فيها أسماء طليعة النهضة اللبنانية الجديدة، من سياسيين وصحافيين وإعلاميين وكتاب.. الحريري وحمادة وحاوي وقصير وميْ و جبران تويني، أخيراً.. وهل من آخر، في قائمة الموت، هذه؟ دماءٌ مهدورة على مدارج الطرقات والسبُل المؤدية إلى هذه الصحيفة الحرة، أو ذاك البرلمان الحرّ، أو تلك القناة الحرة.. حرية لبنان، إذاً، هي المطلوبة ؛ هي من يتوجب عليها دفع الثمن غالياً، إزاء المستبدّ المدحور، المجرجر أذيال خيبته مع عسكره وأمنه ومخبريه. كان لابدّ لتقرير "ميليس"، الدوليّ، أن يُسلّم إلى مجلس الأمن، ملطخاً بدم لبناني، شهيد، جديد، كي يصار إلى وضع الإصبع في عين القاتل الغبيّ ، المستهتر، المغرور بما لديه من إمكانيات إرهابية ؛ هي الوحيدة المتبقية من دولة البعث المفلسة، المنهوبة إلى درجة يتفاخر أحد وزرائها، في مذكراته الحربية، بأنه لم يتبق في المصرف المركزي السوري ما تأكله الفيران!

بؤساً للقاتل الجبان، وهو لا يعرف لغة غير السيارة المفخخة للحوار مع الآخر، المختلف معه ؛ وكل مختلفٍ خصمٌ عدوٌ متآمرٌ متصهينٌ، في قاموس الغباء البعثيّ. وجبران تويني، رجل الكلمة الحرة، كان يعلمُ قدرَه مسبقا، وكان مستعداً له وهو العائد من باريس، متحدياً هذا القدر جاراً خلفه صليب الشهادة والتضحية، سالكاً "طريق الجلجلة" الموصل منزله بمقر صحيفته الغراء. دمه الشهيد، المسفوح في غياهب ذلك الوادي، مافتيء حاراً، طرياً، فيما أنا أكتب هذه الكلمات الممزوجة بعبرات الغضب والخجل من هوية "عربية سورية" أحملها؛ هوية ترتكب بإسمها أفظع الجرائم وأخسها: وهل ثمة جريمة همجية أكثر فداحة من قتل الكاتب، الأعزلَ، البريء كطفل ٍ؟

لقد تسنى لي، كما لكثيرين غيري ، رؤية هذا الكاتب وهو في جولات دائبة على هذه الفضائية أو تلك، محاوراً مدهشاً بثقافته ودماثة أخلاقه، إلى حدّ إنتزاع إحترام وإعجاب أنداده؛ من ممثلي السلطة السورية، البائسين، الإعلاميين والديبلوماسيين، المحرجين من غباء السلطة التي يمثلونها. وفيما كان هؤلاء يطأطئون رؤوسهم أمامه ؛ فبالمقابل، كان أسيادهم أصحاب الضمائر الأمنية، الميتة، يختلجون هلعاً من صوته ويضمرون في نفوسهم السوداء ميتة مدبرة له محوّطة ً، كالعادة، بشبهة التكفيريين وبسملتهم: "لقد كسرنا قلم المدعو جبران تويني وأغلقنا فمه إلى الأبد وحولنا (النهار) إلى ليل حالك. إن مصير "القصير"و"تويني" سوف يكون مصير كل من تسول له نفسه التعرض لمن قدم ومازال يقدم الغالي والنفيس من أجل العروبة ومن أجل لبنان"، كما جاء في بيان منسوب للقتلة؛ بيانٌ مستعارة ٌ مفرداته من القاموس الإعلامي الرسمي، البعثي، الحاقد، الموجه على مدار الساعة ضد لبنان وشعبه ورموزه الوطنية. أجل، إن قلم الكاتب وصوته هما "المطلوبان" في قائمة الموت، هذه ؛ ليصار إلى تحقيق الهدف المفضوح في البيان، والمتمثل في إرهاب شعب كامل ومحاولة إعادته إلى حظيرة الوصاية ؛ البيان المفبرك _ ككل ما تبتدعه الماكينة الأمنية السورية من تدابير ممسرحة، مذ أضحت وصاية أصحابها على لبنان، والمنتهية بدم الحريري المراق، كارثة على رؤوسهم!

أيّ غالٍ وأيّ نفيس ٍ هذا الهراء البعثيّ، الممجوج، المدعي فداء العروبة ولبنان : الحرب الأهلية، المحبوكة في العقل العسكري البارد، الإنقلابيّ، للرئيس الأب ؛ بفتنها الطائفية، المقطرة دماً من أجزاء مكونات الجسد اللبنانيّ، جميعاً؟.. أم الإرهاب والإذلال والسلب والنهب والخطف على مدى عقود ثلاثة، والمنجلية آثارها اليوم بعديد المقابر الجماعية المنبوشة ومئات المفقودين في السجون والمعتقلات؟ أم علينا تذكر " مآثر " الإبن القائد، الوريث الملكيّ للعهد الجمهوري الثوري الإشتراكي، بتشجيعه لأقربائه الجشعين _ الجائعين أبداً ككل ريفيّ متخم بالمال الحرام _ المنتهكين بلدهم سورية حتى غدا يباباً بلقعاً ؛ فيواصلون تصحير لبنان، أيضاً، بسطوهم وإبتزازهم لسوقه وبنوكه ورجال أعماله، وصولاً إلى جعله ممراً لتبيض الأموال والمتاجرة بالمخدرات! وما كانت سنوات الوصاية الأمنية السورية، الطويلة المريرة، إلا لتنتهي بمثل التراجيديا المتمثلة برهن وطن كامل ومصيره بيد عصابة إرهابية بعثية، تدعي إمتلاكها لأوراق اللعب الإقليمية ؛ علاوة على صلافة رأس النظام، الجاهل للسياسة وقرويته الجلفة في التعامل مع أقدم مدنياتنا العربية ؛ المتمثلة بما كانه لبنان الحرالدستوري الديمقراطي ؛ التعامل الغبيّ المتدخل حتى بتعيين أساتذة الجامعة اللبنانية _ على حدّ قول الأستاذ وليد جنبلاط _ فما بالك بمقامات رئيس الدولة والوزراء والنواب والأجهزة الأمنية والعسكرية ؛ والمنتهية بحماقة التمديد للحود ومن ثمّ إغتيال الحريري.

في مقالة لي عن الجريمة المدبرة بحق مي شدياق ( والتي لم يقدر لها النشر رغم أنها وصلت لمواقع إنترنيتية ثلاثة، ومنها "النهار"؟)، ربطتُ إسم هذه الشهيدة الحيّة بسميتها، مي زيادة، وكتبت عنها حرفياً: "إلهة للحكمة والحسن في آن ؛ إلهة لم تعشق سوى الكلمة الخالدة، وربما قائلها أيضاً ؛ جبران صاحب كتاب "النبي" وإبن موطنها الأصلي، المغترب مثلها ". ما كان يخطر لذهني آنذاك، أنّ جبراناً آخر، سمياً لجبران النبي، سيعانق مصير مي شدياق ؛ زميلته في الكلمة الحرة والصوت النبيل، الصادق. ومن دواعي ألمي الشخصيّ، أيضاً، أن أعرف من وسائل الإعلام الناعية جبران تويني، أنه مولود في نفس العام والشهر المطابقين لولادتي، وأن الرقم 13، المنحوس، هو عدد الأيام الزائدة لديه عني. جبران، يا صديق الكلمة الحرة، لأنتَ شهابٌ مندلعٌ في سماء الحرية، والمنطفيء بسرعة ؛ بعلامة صفتك، تلك، النارية. على أن وهجكَ، أيها الشهاب، لن يقدّر له أن يخمد بهذه السرعة التي آلت إليها حياتك. صوتكَ بخاصة، الجريء، الواثق، القادر على براهين الحرية، هو المقدر له أن يبقى طنيناً قاتلاً، في أذن الطغاة ؛ اولئك المصابون، أبداً ، بالصمم.

Dilor7@hotmail.com

اقرأ أيضا:

د. شاكر النابلسي: كلام تافه في حريق الأرز!

د. خالد شوكات: البعث يا جبران..إنه نظام مجرم!

أسامة عجاج مهتار: جبران تويني

د. سيّار الجميل: جبران تويني يلتحق بقافلة شهداء لبنان..!!

جاسم بودي: نهار وظلام

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف