النّباح المقلوب لطغمة البعث
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
يُروى أنّ بعض الأصدقاء كانوا مغرمين بعقد الجلسات الحميمة وسرد قصص البطولة، وذات يوم روى أحدهم الحكاية التّالية: "بينما كنت سائرًا في أحد الأيّام، إذ بكلبٍ ينطلق من ساحة أحد البيوت مسرعًا نحوي مهاجمًا ايّاي. لقد كان الكلب ضخمًا ومرعبًا، أكاد أشبّهه بالأسد. لو أنّي لم أكن متأهّبًا له، لكان بإمكان الكلب أن ينهشني ويقطّعني إربًا. لكنّي كنت على أهبة الاستعداد، وما أن اقترب الكلب فاغرًا فاه حتّى سارعتُ إلى الإمساك بلسانه، وشددتُ لسانه وشددتُ وسحبتُ وسحيتُ حتّى قلبتُ الكلب كما تُقلبُ الأكمام." لقد استغرب السّامعون حديثه، فسألوه: "وماذا جرى بعدئذ؟" فأجابهم: "لا شيء. فقط منذ ذلك الوقت، والكلبُ ينبحُ بالمقلوب من الخارج للدّاخل".
***
إنّ حال البعث العربي صار شبيهًا بذلك الكلب المقلوب كما تُقلب الأكمام. وقد صار نباحه هو الآخر مقلوبًا من الخارج للدّاخل. هكذا آلت الحال بالبعث العراقي الّذي سمّم العراق ونهش وهو لا يزال ينهش بجسد العراق الدّامي. وهكذا هي الحال مع البعث الشّامي الّذي تحوّل نباحه هو الآخر من الخارج للدّاخل. فهو لا يملك إلاّ الإذعان للقوى الخارجيّة، بينما نهش خلال العقود الماضية وهو ولا يزال ينهش في جسد الشّعب السّوري، وجسد الشّعب اللّبناني بصورة خاصّة.
***
لقد قام زبانية البعث وبعون من أتباعه، ربّما من المنتفعين اللّبنانيّين، باغتيال النّائب والصّحفي جبران تويني الآن لسبب واحد هو القشّة الّتي قصمت ظهر البعير. وهذا السّبب هو دعوته الصّريحة في مقالته الأخيرة المنشورة في "النّهار" في الثّامن هذا الشّهر، والّتي تطرّق فيها إلى المقابر الجماعيّة الّتي تكشف عن جرائم البعث في لبنان. كما دعا فيها إلى ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا كي تتحوّل إلى حدود متّفق عليها ومعترف بها دوليًّا. إنّ ترسيم الحدود بين البلدين يعني مثلاً، أن تعترف سوريا بكون "مزارع شبعا" أرضًا لبنانيّة، وهكذا طالب تويني بأن ترسل سوريا وثيقة رسميّة تعترف فيها بكون المنطقة لبنانيّة. غير أنّ سوريا لا تعترف بذلك، ولا تريد الاعتراف بذلك. وفي الوقت ذاته يريد البعث الشّامي الإبقاء على هذه الضّبابيّة بخصوص المزارع بتصريحات غير مُلزِمة، لأنّه يريدها بؤرة متوتّرة مثيرة للنّزاع بين لبنان وإسرائيل. والهدف من ذلك واضح للعيان، إذ أنّ البعث الشّامي يرغب في محاربة إسرائيل حتّى آخر لبناني. إذ أنّ هذا البعث لا يحارب إسرائيل في جولانه المحتلّ لأنّه يعرف يقينًا نتائج اللّعب بالنّار مع إسرائيل في الجولان. لذلك من الأسهل على "أُسود" البعث أن يتلاعبوا بحيوات اللّبنانيّين، خاصّة وأنّ هذا البعث قد يجد هنالك من بين اللّبنانيّين المنتفعين والقومجيّين التّافهين من يأخذ على عاتقه، لأسبابه الدّاخليّة أو لغرض آخر في نفس يعقوب، هذه اللّعبة النّاريّة.
***
كما أنّ الدّعوة إلى ترسيم الحدود بين البلدين تعني في نهاية المطاف اعترافًا سوريًّا بكيان لبناني مستقلّ له حدوده المعترف بها دوليًّا، وهو أمر لا يرغب به البعث الشّامي، لأنّه لا يعترف بفلسطين، ولا يعترف بلبنان ولا يعترف بأيّ شيء سوى بالهيمنة البعثيّة في بلاد الشّام. لهذا السّبب لا توجد حتّى هذه اللّحظة سفارة سورية في بيروت . هذه هي الحقيقة فيما يتعلّق بالأيديولوجيّة البعثيّة العروبيّة الفاشيّة. هذا النّوع من الأيديولوجيّات القومجيّة لا يعيش إلاّ على التّوتّر، لأنّ التّوتّر هو حجّته بأن "لا يعلو صوت فوق صوت المعركة"، أو سائر الشّعارات الّتي تحوّلت إلى كاتم عقل للجماهير العربيّة المغلوب على أمرها. وهكذا تبقى هذه الأيديولوجيّات الدّكتاتورية الظّالمة مهيمنة على مقدّرات الشّعوب، مواردها ومصائرها.
***
لقد آن الأوان للتّخلّص من هذه الأيديولوجيّات الّتي لم يخرج من جعبتها سوى الكوارث والمآسي الّتي ألحقتها بشعوبها وبجيرانها. وإذا كان العالم قد لجم النّباح البعثي للخارج، كما حصل في العراق رغم النّزيف الحاصل حتّى الآن، فقد آن الأوان بأن يقوم الشّعب السّوري بلجم النّباح والنّهش البعثي في الدّاخل السّوري والنّهش البعثي المسعور داخل لبنان. وإذا قُيّض لهذا العون أن يأتي من العالم الحرّ، فليكن ذلك، وليذهب هذا البعث وأيديولوجيّته إلى الجحيم.