كتَّاب إيلاف

تسيس الخبر وتفعيل للإقصاء لأبعد مدى...

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

الإعلام العربي والكرد

الحديث عن الإعلام العربي ومواقفه التغطوية تجاه القضايا والحوادث الحاصلة في منطقة الشرق الأوسط ذو شجون. فنظراً لعدم وجود إعلام عربي(كوحدة مفاهيمية مطلقة) مستقل وغير منحاز لجهة تمويلية أو آيديولوجية معينة، يكون من الصعب نوعاً ما تعريف "الإعلام العربي" وتحليل أهدافه ومقاصده النابعة من طروحاته إزاء كل قضية أو مستجد على حدى. ناهيك بالطبع خوضه لقضية شائكة وذات أبعاد إقليمية ودولية غاية في التعقيد مثل القضية الكردية: حيث يتداخل مع هذا "التعقيد" الأجندة والمصالح المتشعبة، والتي تؤدي بالتالي ـ كما تلعب ممهدةً ـ لدور وعامل قوي في تشكيل هذا الموقف الصادر بخصوص الكرد وقضيتهم القومية والإنسانية...
وعلينا الأعتراف كذلك، أن الإعلام العربي في مجمله عائد في تابعيته للأنظمة العربية ومحكوم بضوابط هذه الأنظمة(وماأكثرها...) في حال القضية الكردية. ومعلوم هنا أيضاً، إن الأنظمة العربية، وبشكل خاص تلك المحيطة بالحيز الجغرافي الكردي، أو التي تقتسم الوجود الكردي بعبارة أدق، تشكل حالة فريدة في ديكتاتوريتها وشموليتها القامعة بحق كل من يحاول التنفس أو لفظ رأي أو موقف مخالف ومعاد لتصوراتها وسياساتها المعلنة...
وقد ظهرت مواقف الإعلام العربي العيانية فيما يخص الكرد بشكل خاص، بٌعيدّ حرب الخليج الثانية حينما إجتاحت القوات العراقية دولة الكويت وحاولت ضمها للعراق عنوة. وبروز الحشد الدولي الهائل لتحريرها.في ذلك الوقت تحدثت الأنباء عن الكرد "سكنة شمال البلاد" ودورهم المحتمل في الإستقلال أو التطرف بعيداً عن المركز العراقي(وهذه الأفكارهي أفكارلامركزية لايستسيغها العقل العربي الغارق في الشمولية والقطبية...) ناهيك عن الحديث عن الكرد وتحالفاتهم المستقلة مع الدول الغربية بعيداً عن الوصاية العروبية، المتمثلة في الحديث الطويل بإسمهم وتمثيلهم وتمثيل غيرهم في المحافل الدولية العديدة بدون وجه حق...
في ذلك الوقت، لعبت وسائل الإعلام العربية الرسمية(أو تلك الدائرة في فلكها: التي تدار بالمال السلطوي العربي) دوراً مشيناً ومشوهاً للحقائق تلقفها المواطن العربي المخدوع بالشعارت الصدامية في "الوحدة" و"مقارعة الإستعمار" و"تدمير نصف إسرائيل" وأخيراً "توزيع الثروة العربية على الفقراء" كما صورت له وسائل وأقلام عربية عديدة في ذلك الحين...

ورغم محدودية التغطية الإعلامية العربية الرسمية في ذلك الحين، نظراً لعدم وجود الفضائيات ومواقع شبكة الأنترنت كما هي الحال عليه هذه الأيام،إلاّ أن أدوات ذلك "الإعلام" فعلت فعلها في قطاعات واسعة من الجماهير العربية، وخلقت لديها نظرة سوداوية وعدائية ضد الكرد، أججّها العديد من الصحفيين والكتاب العرب المأجورين بأموال صدام وكوبونات نفطه(راجع هنا كتاب{صورة الأكراد عربياً بعد حرب الخليج} المتميز للباحث الكردي إبراهيم محمود)، وكان لذلك الموقف المخزي والظالم الأثر الكبير في تواطئ، بل وتشفي،الجماهير العربية مع ممارسات صدام ورهطه المجرم ضد الكرد من مذابح بالجملة وزعهّا الطاغية على الكرد بٌعّيد هزيمته المنكرة في تلك الحرب وخروجه من الكويت صاغراً مدحوراً...
وحاضراً، تتبين مواقف الإعلام العربي(التي بقيت مخزية...) من خلال عملية تحرير العراق من عملية الموت الصدامي البطيء في 9/4/2005. ومع وجود عاملين هنا،هما توسيع قنوات الإتصال والتأثير التي أمتلكها الإعلام العربي، بفضل التطور المتسارع في التقنية الإعلامية العالمية، وكذلك إختلاف وتغيير مواقف معظم الدول العربية من قضية تحرير العراق وتبدل مواقفها من النظام العراقي وقضية ضربه عن بداية التسعينيات،أي حين إحتلال الكويت، أحدث تغييراً جوهرياً في تعاطي هذا الإعلام مع قضية الشعب الكردي.

وقفت وسائل إعلام العرب الرسمية والممولة رسمياً ضد الكرد والقيادات الكردية في جنوبي كردستان لتحالفها مع القوات المتعددة الجنسيات التي جاءت لتحرير الشعب العراقي من النظام الصدامي المجرم. وكانت لهذه التغطية الإعلامية العربية السلبية أثر كبير في نفسية المتلقين العرب،إلى الدرجة التي حذرّ فيها مسؤولون كبار في الإدارة الأميركية بينهم الرئيس الأميركي نفسه من "الدور التحريضي للإعلام العربي" والذي "يستعدي الجماهير العربية ضد الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة و العراق".
لقد نجح هذا الإعلام المٌسير والموجه بعناية، في تأجيج مشاعر الكراهية ضد التدخل الأميركي وكل من ساند هذا التدخل أو حتى لم يتخذ ضده أي مواقف مواجهة كما تشتهي النخب العربية القوموية والأنظمة التي تٌسير مثل هذه النخب. ولم يسلم الكرد من تخوينات هذا الإعلام وسهامه التحريضية والتكفيرية والتي أصابت الكثير من الأبرياء في مقتل، بعد أن فجرّ الكثير من الإرهابيين العرب، من عينة أولئك الذين يخاطبهم الإعلام العربي، أنفسهم بالكرد في مدن الموصل وهولير، مثالاً لا حصراً...
ونتيجة لهذا التحريض والشحن والتعبئة ضد الكرد ( وبقية الأقليات العرقية، والمذهبية في المحيط العربي..) خلقّ الإعلام العربي جواً من الكره والتحفز مهدّ بدوره لصِدام أهلي بين العرب والكرد تبدت إحدى صوره الحية في هجوم مئات الرعاع من أبناء محافظة دير الزور السورية من البعثيين أنصار الديكتاتور العراقي المدحور صدام حسين على مدينة قامشلو حاملين السكاكين والأسلحة "لتأديب الكرد حلفاء الأميركان"، كما لقنهم الإعلام العربي ووسائله التحريضية الكثيرة. والناظر لتلك العينة من الشارع العربي الغوغائي سيكتشف مدى فداحة الجرم الذي إرتكبته وسائل الإتصال والإعلام العربي بحق المواطنين العرب وبقية الشرائح العرقية أو الطائفية في المحيط العربي.
لقد كانت الجموع المٌهاجمة تهتف بحياة صدام حسين وتمجد "مقاومة الفلوجة" والتي طبل الإعلام العربي وزمرّ لها كثيراً، كما إتهموا الكرد بالعمالة وخيانة الوطن( عن أي وطن يتحدثون ؟). وقد أدى ذلك الهجوم الهمجي لمقتل العشرات من المدنيين الكرد وخلق مصادمات بين الكرد وقوات الأمن السورية، والتي إستخدمت إرهاب الدولة المنظم للفتك بأكبر عدد ممكن من الشباب الكرد و"تكسير عينهم" لكي لايعودوا للإنتفاض مرة أخرى وفق معلومات سربت من الكواليس البعثية في النظام السوري. كما إستنفرت وسائل الإعلام السورية الرسمية لخلق الأكاذيب وتشويه الحقائق وحشر الكرد السوريين في خانة "المتأمرين على البلاد" و"الإرتباط مع القوى الخارجية المعادية للدولة والنظام" وغير ذلك من الإتهامات السخيفة والدارجة في البلاد منذ سطو حزب البعث السوري على الحكم عام 1963 م.

والحال، إن صورة الكرد وغيرهم من الأقليات العرقية والطائفية في العالم العربي مشوهة كثيراً وتتعرض لحملة مركزة بغية حشرها في صف "الأعداء والمتآمرين على العروبة". ولعل مرد ذلك لنوعية الأنظمة العربية الديكتاتورية التي تعتاش على الشعارات القومية في تبرير إضطهادها وسحقها لشعوبها( وكذلك في الشللّ القومجية والإسلامجية المسيطرة على بعض القنوات الإعلامية)، فارضة في ذلك تجهيلاً كبيراً وممنهجاً على المواطن العربي المٌغيب، والذي ضاعّ هو الآخر في بحر أكاذيب الإعلام العربي المسيس والهادف لتشويه صورة أناس لم يجد هذا المواطن منهم سوى المحبة والميل الدائم للسلام، وحسن الجيرة والمعشر عبر قرون الجيرة الطويلة...

صحافي كردي ـ ألمانيا
tariqhemo@hotmail.com
المقالة نشرت في العدد الثاني من فصلية(الأوسط الديمقراطي) التي تصدر في كردستان العراق..

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف