ثقافة المتغيرات
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
ليس من شك في أن مفهوم الثقافة اليوم أصبح محاطا بهالة من الغموض والعتمة،rlm; وسيل من الشكوك والتساؤلات التي يمكن صبها في أستفهام كبير، مؤداهrlm;:rlm; ما الذي تعنيه الثقافة اليوم؟ خاصة وان الثقافة في التعريف البسيط هيrlm;:rlm; صور الأشياء التي في عقول البشر، وهي أنماطهم في إدراك الأشياء وعلاقاتها، وتأويلاتهم لهذه الأشياءrlm;.rlm;
فقد كشفت مفردات اللغة الدينية التي أستخدمت في الحملة الأنتخابية الأخيرة لمجلس الشعب المصري، عن أن الثقافة يمكن أن تتحول من كونها الفاعلية الأولي للتغيير والتثوير والتحريرrlm; ،rlm; إلي كونها الميدان الأساسي للخضوع والتكيف والأمتثالrlm;.rlm; وأن الانسان مهدد دوما بالتردي فجأة إلي الحالة البدائية، إذا تعرض لنفس المؤثرات القديمةrlm;.
انه مهدد بالاستسلام الكامل، أي التوقف عن البحث عما يحدث حولهrlm;.rlm; ويقبله كأمر مسلم به، إذا واجه موقفا أو حدثا خطيرا يفوق قدراتهrlm;.rlm; أو قل انه يلجأ في مواقف اليأس دائما الي سبل يائسهrlm;.rlm; وحين يخذله العقل، لن يبقي أمامه غير اللجوء للغيبيات. وهنا فقط تنتعش ثقافة المتغيرات التي تعمل علي تكريس روح المحافظةrlm; ،rlm; وتحول دون قيام أي ثقافه للتغيير عن طريق نشر اللامبالاة والخدر العقلي والتبعية.rlm;
لكن يبدو أن وراء هذا النوع من الثقافةrlm; صناع مهرة، يجدلون السحر بالمنطق، واللامعقول بالمعقول، والاسطورة بالعلمrlm;.rlm; ويوظفون الميديا ووسائل الأتصال، بإستخدام أساليب مبتكرة ومستويات متقدمة.rlm; أننا لا نشهد فقط تشوية الحقائقrlm; وقلبها ،rlm; وإنما نتحول إلي متواطئين مع ما يحدث، بفعل الصمت والسكون والعزل التكنولوجيrlm;.rlm; وقد تطلب ذلك إحداث تغييرات ضخمة في مهمة اللغة rlm;.rlm; فإذا كانت اللغة كما يقول " كاسيرر " قد حققت حتي الآنrlm; ،rlm; مهمتين مختلفتين عبر التاريخ rlm;:rlm; المهمة الدلالية للكلمة،rlm; والمهمة السحرية لها، حيث انه بدون المهمة الدلالية للكلمة يصعب أن يتحقق الكلام أو التواصل الانسانيrlm;.rlm; بينما تبدو المهمة السحرية للكلمة غامضة بعض الشيءrlm;.rlm; لأنها لا تصف الأشياء، ولا العلاقات بين الأشياء، بل تحاول إحداث أثر معين وتغيير في الأتجاه rlm;.
rlm; هكذا أصبح للمفهوم السحري للكلمة الصدارة علي المفهوم الدلالي في ثقافة المتغيرات، حيث صكت كلمات جديده وأصبحت الكلمة القديمة تستخدم للدلالة علي معان جديدة كما حدث تغيير كبير في أغراض دلالية ووصفية ومنطقية، قصد به إحداث آثار معينة لتحريك انفعالات معينة.rlm; وتلعب ثقافة المتغيرات علي مشاعر الناس ووجدانهم حتي تستطيع تنظيم أفعالهم والتحكم فيهاrlm;.rlm; فهي أشبه بالحية التي تحاول شل فريستها قبل أن تفترسهاrlm;.rlm; والناس يقعون في أسرها وتبعيتها في البداية دون أن يظهروا أي مقاومة جادة لهاrlm;.rlm;
بيد ان ما يجعل الناس يتصرفون ككائنات حرة وفقا لكانط ليس تمتعهم بالحرية التي لا تتقيد بأي قيد، بل ان ما يجعل العقل يتصف بالحرية ليس خلوه من الدافع، بل طابع هذه الدوافعrlm;.rlm; فالحرية مساوية للاستقلال الذاتيrlm;.rlm; وهي لا تعني اللاحتمية وإنما تعني نوعا خاصا من الحتمية، هو عدم فرض القانون الذي نتبعه في أفعالنا من الخارجrlm;.rlm; فالذات الأخلاقية هي التي تصنع القانون لذاتهاrlm;.rlm;
ومع ذلك، يجب ا لحذر من إساءة فهم أساسية، وهي ان الحرية الاخلاقية ليست حقيقة ولكنها مسلمة، انها ليست موهبة أنعم بها علي البشر، ولكنها بالأحري واجبrlm;.rlm; وهو أصعب واجب يستطيع أي انسان أن يقوم بهrlm;.rlm; فهو ليس من المعطيات وإنما هو مطلب وأمر أخلاقي جازمrlm;.rlm; وتزداد بوجه خاص صعوبة تحقيق هذا المطلب في أوقات الازمات الحقيقيةrlm;.rlm; ففي هذه الاوقات يتجه الفرد إلي عدم الوثوق في قدراتهrlm;.rlm; وباختصار، فان الحرية ليست ملكة موروثة عند الانسانrlm;.rlm; وإذا أردنا التمتع بها علينا ان نوجدهاrlm; ايجادا.rlm; ولو ترك الانسان لاتباع غرائزه الطبيعية، فانه لن يكافح من أجل الحرية، بل لعله يختار حينئذ التبعية.rlm;
وكأن هناك اقترانا شرطيا بين ثقافة التغيير والحرية من ناحية، وبين ثقافه المتغيرات والتبعية من ناحية أخريrlm;.rlm; فالأعتماد علي الآخرين في التفكير والحكم والتصميم أهون وأيسر من الأعتماد علي النفسrlm;.rlm; وهذا يفسر لماذا كثيرا ما ينظر الي الحرية في حياة الأفراد، والحياة السياسية علي انها عبء أكثر منها امتيازا، بل ان الانسان يحاول أن يتخفف من هذا العبء في الظروف البالغة الشدة والقسوة.rlm;
هنا بالتحديد تجد القوي الدينية الفرصة سانحةrlm;.rlm; فهي قادره علي الوعد بالاهتداء الي مخرج من هذا المأزقrlm;.rlm; لانها وان كانت تقمع الشعور بالحرية ذاته وتحطمه إلا انها تحرر في الوقت نفسه الناس من كل شعور بالمسئولية الشخصيةrlm;.
كاتب المقال أستاذ الفلسفة بجامعة عين شمس