عندما تطغى عقلية الصفقة على وعود المنهج...
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
صالّ وجال، ورسى مرة أخرى على تركيا:
واشنطن و"الشرق الأوسط الكبير": عندما تطغى عقلية "الصفقة" على وعود "المنهج"...
أودو أولفكوته، الباحث الإستراتيجي الألماني، والخبير في شؤون الأرهاب الدولي، في مقالة نشرتها صحيفة "فرانكفورت ألغماينه تسايتونغ" الألمانية الرصينة، تحدث عن خطة أميركية مٌحكمة لضرب المنشأت النووية الإيرانية بحلول العام القادم 2006. وقال أولفكوته "أن الزيارة التي قام بها بورترغوس، رئيس هيئة الإستخبارات الأميركية(السي آي إيه) لأنقرة، وحديثه مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، تركزت حول هذا الموضوع، حيث طالب رئيس الجاسوسية الأميركية الجانب التركي بالسماح للطائرات وقواعد الصواريخ الأميركية للأنطلاق من الأراضي التركية لضرب المراكز النووية الإيرانية". وأن الولايات المتحدة الأميركية قد "أبلغت العديد من الدول الإسلامية بنيتها ضرب إيران، وأن حكومات كل من العربية السعودية، الأردن، عٌمان وباكستان قد أبلغوا بالخطة الأميركية الجاهزة لتدمير الطموحات النووية الإيرانية، وردع حكومة الملالي عن إمتلاك السلاح النووي وتهديد كل من إسرائيل والدول المحيطة". ولإقناع أنقرة، لتقديم الأخيرة الأرض والإسناد للضربة الأميركية الإستباقية القادمة، قدمت واشنطن للجانب التركي ملفات مفصلّة توضح "علاقة إيران بتنظيم {القاعدة} وإيوائها لقادة من هذا التظيم الإسلامي الأرهابي"، وكذلك "سعي طهران الحثيث لتخصيب اليورانيوم، والإنتهاء من شروط تفجير الذرة، وتالياً، الإعلان عن إمتلاك القنبلة النووية جهاراً نهاراً، وتحت سمع وبصر العالم". كما لوحت واشنطن لأنقرة بورقة حزب العمال الكردستاني، والتي أحتفظت بها لمثل هذا الوقت كما يبدو، كورقة ضاغطة لإبتزاز أنقرة في حين الحاجة لذلك. حيث أن الخبير الألماني ذكر في مقالته، عن "طرح الجانب الأميركي موضوع حزب العمال الكردستاني، وإمكانية أن تسمح الولايات المتحدة لتركيا بضرب قواعد الحزب في شمال العراق". ويستشهد أولفكوته كذلك، بالمعلومات التي أوردها الصحافي الأميركي سيمورهيرش في مجلة (التايم) الأميركية عدد يناير 2005 عن "توغل عناصر من الكوماندوس الأميركان في الأراضي الإيرانية، لإستكشاف وتحديد أماكن المنشئات النووية الإيرانية" لضربها بعد ذلك بصواريخ وضربات جوية رادعة...
وتابع أولفكوته الخبير الألماني وصاحب كتاب(الحرب في مدننا: كيف يفكر الإسلاميون المتطرفون في السيطرة على ألمانيا) أن رئيس الإستخبارات الأميركية غوس "إجتمع في زيارته مع رئيس هيئة الإستخبارات التركية(الميت) وذلك للتنسيق في كيفية تنفيذ الجيش التركي لعدة ضربات تطال قواعد {قوات حماية الشعب} الكردية في شمال العراق". وأن المسؤول الأميركي حذرّ الجانب التركي من تبعات رفض الخطة الأميركية، وأن "أنقرة تتحمل المسؤولية في أي تطور أو تصعيد قد يطرأ على الملف النووي الإيراني"، كما لم ينسى غوس تذكير الأتراك بواقعة رفضهم السماح للقوات الأميركية المرور في أراضيهم عشية حرب تحرير العراق، وأن "الأميركيين لم ينسوا ذلك بعد، ودونالد رامسفيلد، وزير الدفاع الأميركي، يٌحمل تركيا حجم الخسائر الأميركية المتزايدة، وكلما قتل جندي أميركي جديد، لرفضها السماح للقوات الأميركية الإنتشار من الناحية الشمالية في البلاد"...
والحال، أن الولايات المتحدة، وبعد مضي أكثر من أربعة أعوام على حوادث 11 سبتمبر الأرهابية ووعود التغيير التي أطلقتها، والتي قالت أنها سوف تغير من سياساتها المتبعة حيال الكثير من القضايا الدولية، وفي مقدمتها، إعادة النظر في علاقاتها مع "الدول الحليفة" ذات الأنظمة الديكتاتورية( وما أكثرها...) من التي تضطهد شعوبها، كما خرجّ الرئيس الأميركي جورج بوش على الملأ ليعلن "خطأ سياسة واشنطن السابقة، عندما كانت تدير منطقة الشرق الأوسط وفق ضوابط وسياسات نفعية، تشمل المصلحة المجردّة مع الأنظمة، وغض الطرف عن أفاعيلها تجاه شعوبها المقموعة والمضطهدة"، مما أسفرّ عن حنق هذه الشعوب على واشنطن وتحميلها القسط الأكير من مسؤولية أضطهادها، وتشجيع الأنظمة الوطنية الإستبدادية على الإستمرار في غيهّا وفتكها بشعوبها، الأمرالذي أدى لأن تفرخّ هذه الشعوب المحبطة والغاضبة الأرهاب والتنظيمات التي تحمل فكراً تكفيرياً يتجه رأساً صوب واشنطن بوصفها "رأس البلاء" و"الشيطان الأكبر" و" داعمة الأنظمة الطاغوتية" لتقتص منها. وتوالت تلك الوعود، والتي قالت بتغييرالسياسية المصالحية تجاه قضايا الغير، وضرورة أن تحدث الأنظمة العربية وغيرها بعض التغيير في بنيتها، وأن تقوم بإصلاحات تٌشرك بموجبها شعوبها في عملية الإدارة وصنع القرار، وتقللّ بذلك، من سطوتها الحديدية، وتبدأ في تراخي قبضتها عن عنق المواطن المسحوق والمٌصادر الحرية والوجود. حيث تحدثت كونداليزا رايس، مستشارة الأمن القومي، ومن ثم وزيرة الخارجية لاحقاً، كثيراً عن هذا الموضوع، كما سودّ الصحافيون والكتاب العرب، وبشكل خاص جماعة "الليبراليين الجدد" والذين أنعشتهم هذه الأفكار، ولوحت لهم بفجر جديد من السياسة الأميركية المنصفة تجاه قضايا الشعوب في المنطقة، آلاف الصفحات في مدح"الإستراتيجية الأميركية الجديدة"، و"المنهج" الناهض بعد ضربة 11 سبتمبر، و"جردة المراجعة" و"صحوة الضمير" التي إنتابت البيض الأبيض وحكامه ومخططي الإستراتيجية الأميركان، فدبج هؤلاء المقالات التي تغنت بالديمقراطية القادمة( حتى وهي تأتي على ظهر الدبابة الأميركية وبيد جنود المارينز، مثلاً) ودخلوا، نتيجة تلك المواقف، في مواجهات مع كتبة الأنظمة العربية، وكتائب التخوين والتكفير السلطانية العربية، وحراس الإستبداد، ونالوا مانالوه من تخوين وعمالة و توزيعات عربية سلطوية معروفة مثل"الإرتباط بالأجنبي" والتنظير للمشروع الصهيوني والأميركي في المنطقة"، وأخيراً ، وليس آخراً، "العداء للعروبة والإسلام ومحاولة هدم قيم الأمة"!. وكان لإبداع ساسة البيت الأبيض بعد ذلك، وعلى رأسهم الرئيس جورج بوش نفسه (لمشروع الشرق الأوسط الكبير) في قمة عالمية كبيرة وعلى رؤوس الأشهاد، الأمل الأكبر في جديّة الولايات المتحدة وإصرارها على تغيير المنطقة وتحرير شعوبها من أنظمة الظلم والقمع، ووضع أسس نظام عالمي جديد مٌشاركي، وقائم على الديمقراطية والحرية وإحترام حقوق الإنسان، حقاً وحقيقة هذه المرة، وليس في المستوى الشعاراتي الأجوف فقط، كما درجت عادة واشنطن. لكن مايحصل الآن، من عودة غير حميدة لسياسة الصفقات السرية والمقايظات، يودي بكل تلك الوعود والأحلام التي قال بوش وجماعته انها ستصبح منهجاً حقيقياً أدراج الرياح، سيما و"الجنود الأميركيون يضحون يومياً بحياتهم ثمناً لحرية وتحرير الشعب العراقي من نظام صدام الديكتاتوري"، كما كان بوش يٌردد في كل مناسبة.
لقد كان من المؤمل أن تمد واشنطن حقاً جسراً للحوار مع الشعوب الشرق أوسطية، وتطرق الباب الصحيح عند الرغبة في محاورة الشعوب، ونقصد هنا الأحزاب والقوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدني والأهلي( على قلتها و..بؤسها..!)، بدلّ التوجه للغرف السرية والجلوس مع موظفي الإستخبارات للتفاوض على إشعال المزيد من الحرائق وإبتداع بؤر توتر جديدة في المنطقة، قد يستغرق إخمادها عشرات السنين( كما في حالة القضية الفلسطينية وقضية الشعب الكردي في كردستان تركيا)، وحين تدلي الولايات المتحدة الأميركية بجزرة حزب العمال الكردستاني للمؤسسة العسكرية التركية على أمل إغرائها بتقديم العون والمساعدة لضرب منشأت نظام الملالي في طهران، فإنها بذلك، تفتح أبواب صراع جديد أو "أبواب جهنم على المنطقة" كما ذهب أحد قيادي الحزب الكردي في تعليقه على الأنباء القائلة "بتحضير واشنطن وأنقرة، بالتعاون مع بعض القوى الكردية الجنوبية، لضربات عسكرية ضد مواقعهم".
كان من الأجدى والأنفع أن تعمد واشنطن، إيفائاً منها بوعودها في "التغيير وإنتشال المضطهدين من براثن أنظمتهم العسكرتارية"، كما صدعّت رأسنا طويلاً، إلى المساهمة في حل القضية الكردية في شمالي كردستان(حيث 18 مليون كردي يٌعانون من الإستبداد والقمع) والتنسيق بين ممثلي الشعب الكردي هناك وأنقرة للتوصل لحل لهذا الصراع العبثي، والذي حصدّ حتى الآن أرواح أكثر من أربعين ألف شخص، جٌلّهم من المدنيين الكرد، نتيجة سياسة "الأرض المحروقة" التي تتبعها، ومازالت، المؤسسة العسكرية التركية، والتي أخذت الضوء الأخضر والتشجيع والتمويل من واشنطن وغيرها من الدول الغربية. أو حتى، وفي أضعف الإيمان، تشجيع الحكومة التركية ورئيسها على الإستمرار في خط "الإصلاحات الأوروبية" لتخليص الدولة من يد العسكر، ومن ثم حل مجمل قضايا البلاد، وضمنّها القضية القومية الكردية، حيث أن أردوغان كان قد صرحّ "برغبته الصادقة" في حل القضية الكردية في البلاد( تصريحات أردوغان في دياربكر8/8/2005)، لكن مايحدث هو عكس ذلك: تشجيع أميركي على مزيد من التوتر والعنف، وتأجيل الحل الديمقراطي لأجل غير مسمى، مع وجود كافة الإحتمالات في إشتعال موجات من العنف والعنف المضاد في البلاد...
إن الحديث عن ضرب حركة التحرر الكردستانية في شمال كردستان(ممثلة بحزب العمال الكردستاني) يعني إشاعة المزيد من الفوضى في المنطقة، وحدوث إضطرابات كبيرة في الداخل التركي، وصراع أهلي بين الشعبين الكردي والتركي تٌسفك فيه دماء المزيد من الأبرياء، وهو مالايريده أحد. الواجب أن تعمل الإدارة الأميركية على إقناع أنقرة بالحوار مع الكرد وممثليهم في شمال كردستان(حزب العمال الكردستاني وحزب المجتمع الديمقراطي) وهو مايطالب به الحزب دائماً، ويطرحه زعيمه عبدالله أوجلان،الذي تعتقله تركيا في جزيرة (إيمرالي) النائية في بحر مرمرة منذ سبعة أعوام، وتفرض عليه عزلة شديدة منذ ذلك الحين..
الولايات المتحدة الأميركية تفتح بؤرة توتر وصراع جديدة في المنطقة بإشعالها الضوء الأخضر للجيش التركي للتوغل في منطقة كردستان العراق وضرب قواعد الحزب الكردي الشمالي، وهو الذي سيؤدي، إذما وقعت الواقعة، إلى إضطرابات كبيرة في تركيا والمناطق الكردية فيها وحتى البلدان الأوروبية التي تتواجد فيها جاليات كردية كبيرة تتعاطف مع هذا الحزب. وواشنطن التي ظلت دائماً تشتكي من قتامة صورتها في الشرق الأوسط، وكره الشعوب العربية والإسلامية لها، ولكنها لاتسأل نفسها لماذا كل هذا الكره، حين تسمح للأنظمة الشمولية والعسكرتارية( وعلى رأسها النظام الأتاتوركي القهري في أنقرة) بقتل المدنييّن الكرد وجرف قراهم وبساتينهم، وتهجيرهم إلى المدن الكبيرة الداخلية لتوطينهم في"مدن الصفيح" عمالاً وأجراء أذلاء، يتعرضون للقمع والتهميش اليومي.
ثمّة حاجة هنا، والحال كما وصفناها، وفيما لو أردات واشنطن تحسين صورتها فعلاً، أن تتجه لحل جميع المشاكل العالقة في المنطقة بنيوياً، وأن تزيد من ضغوطاتها على الأنظمة القامعة لرفع جزمتها العسكرية من فوق أعناق مواطنيها، أي أن تبدأ بتطبيق حقيقي لبنود(الشرق الأوسط الكبير) لكن شرط ألاّ يستلهم هذا المشروع "الإنموذج التركي" أو "الإسرائيلي"، على الأقل في ظل وجود أكراد وفلسطينيين يعانون من التهميش والقمع المنظم، وعن سبق إصرار وترصد...
كنا ومازلنا نؤيد واشنطن في الكثير من سياساتها في العالم، ورحبنا ب(الشرق الأوسط الكبير) حينما أطلقه الرئيس بوش، ووقفنا ضد الهجمات الأرهابية ضد الأميركيين ومايسمونها "بالمقاومة" في العراق، لتدميرالإنموذج العراقي الجديد، والعودة بمجرمي البعث وجماعة الأرهابي الأردني الزرقاوي للحكم، لكننا نقف بالضد من سياسة تهميش الشعوب، ومحاولة تجاوز وقمع ممثليها، والتعاون أو التواطئ أو حتى الصمت إزاء قامعي هذه الشعوب: وفي صفقات إستخباراتية فاضحة، تٌعيد، وتسترجع، الوجه البشع "للأمبريالية الأميركية في إستغلالها للشعوب المضطهدة لتحقيق وضمان مصالحها"، كما كانت الأدبيات الشيوعية السوفياتية تقول: أوكما يٌردد حاضراً كل من الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز وصديقه الهندي الأحمر رئيس بوليفيا الجديد أبغو موراتيس، واللذان، ولمن لايعلم، جاءا للسلطة بإنتخابات شرعية وبنسب ساحقة كذلك..!!.
صحافي كردي ـ ألمانيا
tariqhemo@hotmail.com