ماذا نعمل من أجل حرية كمال سيد قادر؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
نقد العقل الكردي 1/2
يقول التربوي البرازيلي باولو فرايري في كتابه Pedagogy of the oppressed (تعليم المظلومين) أو تعليم المقهورين: "أن الحوار لايمكن أن يكون بين الذين يحق لهم أن يقولوا كلمتهم والذين لا يرون للآخرين قول كلمتهم في هذا العالم، كما لا يمكن للحوار أن يتم في جو من الغرور أو التهديد إنما التواضع". من هذا المنطلق أقول بحياد تام ، ومن زاوية الكوردايه تي، باعتباري كاتبا مستقلا، تركت العمل الحزبي عام 1983، ولا أنتمي لأي تنظيم سياسي منذ ذلك التاريخ ولحد اليوم، أقول أن الغالبية العظمى من الكرد مع الأسف يخشون من أنفسهم ولذلك فإنهم يهربون منها وكأن هناك ضريبة على الوعي عندهم. فالذين يظهرون خوفهم من الوعي يكشفون عن خوفهم من الحرية. وهذا الخوف من الحرية سببه عند الكرد أن الحرية تولد النقد. ولكن الإشكالية الكبيرة عند كثير من الكرد أنهم لا يميزون بين النقد والتهجم. فالنقد مسموح في المجتمعات الحرة، بينما التهجم والتجريح والطعن والاعتداء النفسي والسيكولوجي على الآخرين يعاقب القانون على مرتكبيها.
الحرية في السويد مثلا، تعني أن تقول ما ينبغي أن تقوله، أو أن تفعل ما ينبغي أن تفعله على أن لا تعتدي على الآخرين. والاعتداء هنا يشمل الاعتداء الفيزيولوجي والاعتداء السيكولوجي. وبعبارة أخرى نقول أن الحرية هي غياب العنف، ولذلك لا يمكن بناء الديمقراطية في أجواء العنف. ولا يمكن لاي فرد من الأفراد أن يدعي بالحرية وهو يمارس العنف بالمفهوم الكبير الواسع الذي بينته، كما لا يمكن لأي حزب كردستاني أو عراقي أن يدعي بالحرية حين يعتدي على المواطنين الابرياء.
الاشكالية الكبرى في العقل الكردي هي أن الكردي الذي يتخذ موقفا معارضا لجهة سياسية أو عشائرية معينة يجهل ممارسة النقد العقلاني، ولا يفكر بعقلانية التغيير والاصلاح، إنما يحمل في قلبه حقدا وضغينة. فالتاريخ الكردي شاهد على أن الكرد الذين قُتلوا بالسلاح الكردي تجاوزوا عشرات الآلاف في السنين الأخيرة. وأتذكر حادثة رواها لي أحد قادة (فرسان صلاح الدين) وهو من المرتزقة الكرد الذين أطلق عليهم الكرد (جحوش) حملوا السلاح ضد الثورة الكردية من منطلق مصالحهم الذاتية وعدائهم العشائري لعشائر معينة تقف في الجانب الآخر. وتحَول العداء إلى تطرف في القتل والإبادة. قال لي ذلك القائد الكردي من المرتزقة أنه كان يقود جماعته إلى جانب آمر لواء عسكري هاجموا على قرية كردستانية وحرقوها. وكان المرتزقة الكرد يتقدمون الجيش العراقي لقتل الأطفال والنساء وحرق البيوت الآمنة. وفي فترة الاستراحة جلس قائد المرتزقة الكرد إلى جانب القائد العسكري العربي. فإذا بجندي عربي يحمل المصحف الكريم وهو يقول للقائد، سيدي يريدون أن يحرقوا المصحف أيضا. وفي هذه الأثناء، وبينما النيران تلتهب القرية، والعويل والبكاء والصراخ تتصاعد إلى السماء، وكلاب القرية تعوي محتجة، والقائد المرتزق يتباهى. نظر إليه آمر اللواء العربي: وقال له: كلاب القرية تحتج على ما أصابت القرية. هذه الكلاب أشرف منكم لأنها تحتج وأنتم تتباهون أمام مشهد النيران التي تلتهم القرية الكردية.
في هذه الأيام نجد أن عددا كبيرا من هؤلاء المرتزقة مقربين من بعض القيادات الكردستانية، لا من أجل بناء الديمقراطية، لأن المرتزقة لا يفهمون الديمقراطية، إنما من أجل يوم تبدأ المعارك الكردية الكردية فالسلاح أهم من القلم، لأن القلم يدعو إلى الحرية والسلام وعدم احتكار السلطة بيد فئة معينة أو حزب معين. ولذلك نرى أن آلاف الكوادر الكردية المثقفة ترفض الرجوع إلى الوطن للبناء لأن القلم لا يجد مكانا، ولأن الفكر يتيم وفقير لا يجد زادا، رغم وجود الجامعات والمعاهد والصحف الحزبية في الأقليم. لكن هناك فرق بين التعليم وبين الثقافة، وهناك فرق بين القراءة والكتابة وبين الوعي الاجتماعي، وهناك فرق بين الشهادات التي تُمنح بالواسطة وبين الإرادة التي تناضل من أجل التغيير والحرية والوحدة والسلام. وهناك فرق بين المظاهر المادية والقصور الفخمة وبين المدنية والديمقراطية والتطور المعنوي.
عندما شاركت في خمسة مؤتمرات عن العراق في لندن صيف هذا العام (2005)، حيث نظَمتها (لجنة دعم الديمقراطية في العراق)، قلت في مؤتمر (الدولة المدنية الدستورية)، أن الديمقراطية المدنية الدستورية غير موجودة بالمفهوم الليبرالي في العراق بما فيه أقليم كردستان. فالسجون العراقية والكردستانية مليئة بالمعارضين السياسيين. وكان في المؤتمر أكثر من ماءة وخمسين باحثا، من بينهم عناصر حزبية عربية وكردية وتركمانية وغيرهم. ولم يحتج أحد من الحاضرين. وفي فترة الاستراحة توجه إليَّ عدد من المتحزبين الكرد محتجين معتبرين أقليم كردستان ديمقراطية. فجاوبتهم، أرجو أن تطرحوا هذا الموضوع في المؤتمر للنقاش. ولكن لم يطرحوه قط. وقالوا على أي حال أن الوضع أفضل من زمن صدام حسين.
هنا تفرض علينا حالة التفاؤل القانع. وهذه الحالة مصيبة كبيرة في العقل العراقي ككل بما فيه أقليم كردستان. لكن العقدة عند الكرد المتحزبين أنهم قانعون متفائلون، وهم يعجزون تعليل موقفهم. فالتفاؤل القانع في علم النفس السياسي قمة الرجعية السياسية التي تولد السكون بعيدة عن الحركة والديناميكية والراديكالية، وتقف عائقا كبيرا أمام التطور والتحول والتغير والتقدم. وهنا يصبح النقد تهجما، ويصبح التهجم عدوانا، ويزداد عدد سجناء الضمير، وتكتظ السجون الكردستانية بالنزلاء السياسيين.
المشكلة الكبيرة هي أننا نقارن الوضع الحالي في العراق بما فيه أقليم كردستان بنظام حكم الطاغية صدام حسين. ولكن ماذا تعلمنا من التاريخ؟ يبدو لي أننا نفتقد إلى الوعي بالتاريخ، فنقارن السيء بالأسوأ. نقارن ما نحن فيه من سوء في العراق وأقليم كردستان، بما كنا فيه من أسوأ في زمن الدكتاتور العنجهي صدام حسين. ولكننا نتغاضى، ونفتقد الجرأة أن نقارن وضعنا الحالي مع ما هو أفضل، حتى نتحرك، ونخرج من كبوتنا وقوقعتنا وخوفنا من أنفسنا ومن الحرية، ونرفض أن نغير ما نحن فيه لنتطور ونتقدم ونبني عراقا حرا يشعر المواطن بمواطنته وكرامته، ويشعر أن من واجبه أن ينقد لا أن يتهجم، وأن يبني لا أن يتقوقع، وأن يسير إلى أمام لا أن يتكبل بالقيود في زنزانات الأحزاب السياسية من كردستان إلى البصرة. ولكن الخوف من الفكر التقدمي المتنور يمنع القابضين على السلطة أن يتبلور ذلك الفكر، لأن تبلور الفكر يعني ممارسة الحرية في مجتمع يجب أن يتطور ليصبح مجتمع المواطنين وليس مجتمع قلة قليلة من الذين حوَّلوا العراق إلى مقاطعات إقطاعية بالمفهوم السياسي والاقتصادي وليس بمفهوم النظام الاقطاعي، لأن النظام الإقطاعي قد تولى بعد سيطرة الرأسمالية.
هذه هي المأساة.
السؤال الذي يطرح نفسه بالحاح هو: لماذا؟
لأن الفكر يولد التناقضات بفعل الاختلاف في التفكير، فتنتج عنها وحدة الأضداد طبقا للمادية الديالكتيكية، من ترابط وتكامل وحركة ووحدة الضدين ووو. وتكون النتيجة النقد. وهنا بيت القصيد. لِمَن يوجه النقد؟ طبعا لأولئك الذين يقبضون على السلطة. فإذا كان النقد ممنوعا بفعل أن أغلبية الكرد لا يجيدون النقد إنما يحولون النقد إلى تهجم وعدوان، فإنهم يتعرضون للسجن.
من خلال ما تقدم أصل إلى ما أنوي أن أقوله:
ماذا نعمل من أجل حرية الدكتور كمال سيد قادر؟
هذا ما أعالجه في القسم الثاني من هذا المقال.