كتَّاب إيلاف

عام جديد وباقى من العمر ستة أشهر؟

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

كنت أقوم بعمل خطة للإحتفال بالعام الجديد، حتى فوجئت بصديق عزيز يطلبنى وأصر على أن نتقابل على الفور لكى يبحث معى أمرا هاما، وخرجت لكى أقابله وأنا أسأل نفسى عن سر العجلة من المقابلة، ووجدته فى إنتظارى خارج المقهى المفضل لدينا بالمدينة، ولاحظت أنه يبدو عليه الإكتئاب لدرجة أننى إعتقدت أنه ليس هو الشخص الذى أعرفه، وسلمنا وجلسنا على مائدة على الرصيف ودار بيننا الحديث التالى:
- خير إيه إللى حصل، جايبنى على ما لا وشى ليه؟
- عندى لك خبر مش كويس
- إيه خير؟
- أنا لسه راجع من عند الدكتور؟
- إيه خير وقعت قلبى؟
- الدكتور قاللى إن ما فيش أى أمل.
- ما فيش أمل إزاى، مش سبق وقال لك إن العلاج الجديد حينفع؟
- لأ ما فيش أمل، وسألته سؤال مباشر:"فاضل لى كام شهر يادكتور"؟
- ليه التشاؤم ده؟ وقال لك إيه؟
- فى الأول تردد يجاوب على سؤالى، وبعدين قال لى:"قدامك حوالى ستة أشهر"!!
...
.... ونزل الخبر علىّ كالصاعقة، ونظرت إلى صديقى ووجدته مازال متماسكا رغم كل شئ.
وحاولت مواساته بكلمات المواساة التقليدية، فقال لى:
- شوف أنا ما طلبتش منك تيجى علشان تواسينى، وتقول الكلام المعتاد التقليدى، أنت عارفنى كويس أنا عمرى ما كنت تقليدى، أنا وأنت ضرورى نفكر إيه إللى ممكن أعمله فى الفترة إللى باقية من عمرى؟
- طيب قبل ما نفكر فى الموضوع ده إيه رأيك نشوف دكتور تانى؟
- قلت لك ما فيش فايدة أنا دخت على أحسن مستشفيات فى العالم، وعرفت إن خلاص باقى لى ستة أشهر، ما فيش داعى نضيع وقت أكثر من كده لأن كل دقيقة مخصومة من فترة الست أشهر.
- والله مش عارف أقول إيه، عاوزنا نبتدى منين؟
- أهو ده الكلام، فكر معايا نعمل أيه دلوقت؟
- أنا فى رأيى أهم حاجة إنك تقضى أكبر وقت ممكن مع أقرب الناس لقلبك وفى أحسن الأماكن إللى بتحبها.
- دى بداية كويسة، أنا ممكن اقضى وقت كويس مع أولادى، وإنت عارف ما أخبيش عليك نفسى أشوف مين فى الفترة إللى باقية لى؟
- مين ياترى؟
- نفسى أشوف سوسن !!
- سوسن مين، إنت إتجننت؟
- أيوة إتجننت lsquo; ما أنا حأموت، الجنون أهون كثير من الموت!
(ومضى يضحك ضحكة عالية وهو آخر رواقة)
- سوسن ياإبنى دلوقت واحدة متجوزة وعندها أولاد!
- وأنا قلت لك عاوز أتجوزها، أنا بس نفسى أشوفها قبل ما أموت، مش إللى المحكوم عليه بالإعدام بيسألوه: نفسك فى إيه قبل ما تموت؟
- أيوه ده صحيح، وعادة المحكوم عليه بالإعدام بيقولهم نفسى فى كيلو كباب، فى صينية بسبوسة؟ مش بيقول لهم نفسى أشوف سوسن!
- أنا آخر مرة شفت فيها سوسن كان من عشرين سنة على كورنيش النيل بعد ما إفترقنا وقالت لى إنها مش حتقدر تتجوزنى.
- مش معقول إنك لسه بتفكر فيها لغاية دلوقت، أنصحك ما تحاولش تشوفها.
- ليه يعنى خايف جوزها يموتنى، ما أنا ميت ميت، وأقولك علشان نبقى فى الأمان lsquo; إيه رأيك أخللى مقابلتها معايا آخر يوم، علشان لو جوزها قتلنى، يبقى بنلعب فى الوقت الضايع !
- ده إنت والله فايق ورايق قوى، وليه بقى ما تشوفهاش بكرة، وعلى رأى أحمد شوقى فى قصيدة "جبل التوباد":
قد يهون العمر إلا ساعة... وتهون الروح إلا موضعا
- سيبك من كلام الشعر دلوقت، إنت عليك تدبر لى مقابلة مع سوسن بعد ست أشهر، وأهى مراتك صاحبتها وبتقدر تتصل بيها بسهولة.
- ما بلاش تشوف سوسن، خليك محتفظ لها فى خيالك بصورتها من عشرين سنة، مش عاوز أقولك شكلها بقى إيه دلوقت!!
- سوسن كانت جميلة وحتفضل طول عمرها جميلة.
- أنا حذرتك، لما حتشوفها مش حتعرفها، حتلاقى مقاساتها إتغيرت فى كل إتجاه (بإستثناء الإتجاه الرأسى)، وشعرها الأسود الفاحم أصبح بقدرة قادر مصبوغ حنة حمراء، وعوامل الجاذبية الأرضية تغلبت على الجاذبية الإنثوية.. و...
- طيب إسكت.. إسكت... سديت نفسى الله يسد نفسك، ورغم كده عاوز أشوفها، لأن سوسن لها جمال وجاذبية شخصية تتحدى الجاذبية الأنثوية.
- إنت حر، أنا حذرتك وخلاص.
- تشكر، ياسيدى لكن برضه ضرورى أشوفها.
....
- ونفسك فى إيه تانى، أوعى تقول عاوز تشوف مديحة، ماأنا عارفك طفس حتى وإنت بتموت!!
- لأ.. لأ..سوسن وبس، دلوقت نفسى آخد ولادى، ونطلع رحلات لكل الأماكن إللى كان نفسى أزروها، ومشغوليات الحياة كانت بتمنعنى.
- آهو ده كلام كويس، تصور يأخى إن إقتراب الموت بيخلينا نتمتع بالحياة.
- تعرف نفسى أروح فين: نفسى أروح جبال الهمالايا، نفسى أروح رحلة بحرية لكل موانى البحر المتوسط، نفسى أروح رحلة سفارى كينيا، نفسى أروح أشوف سور الصين العظيم وتاج محل فى الهند، نفسى أروح شواطئ بالى وجزر هاواى،....
- حيللك.. حيللك.. وعاوز تاخد ولادك معاك طول الفترة دى، العيال وراهم مدارس.
- تغور المدارس فى ستين داهية، بأقولك حأموت بعد ست أشهر.. تقوللى مدارس.
- وبعدين الفلوس، الرحلات دى كلها يلزمها فلوس جامدة، وبعدين ضرورى تسيب حاجة لولادك.
- حيقوللى ولادى تانى، ياسيدى أنا حأسيب لهم ذكرى الأيام الجميلة إللى حنقضيها مع بعض، وإنشا الله أصرف آخر مليم، يكفى عندهم البيت وحتة أرض كفاية قوى عليهم يورثوهم، أنا كل ما أملك عملته بنفسى، لم أورث أى شئ، وبالمناسبة فكرتنى، ضرورى أكتب وصية بسرعة.
- ونفسك تروح فين كمان، ده إنت شوقتنى، حأفكر أستقيل من الشغل وآجى معاك، وإنشا الله نشحت بعد ما نرجع من الرحلة!!
- والله أنا نفسى أحضر حفل موسيقى سيمفونى لفرقة الأوركسترا الفيلهارمونى فى فيينا ، ونفسى أحضر مباراة كرة قدم فى إنجلترا بين ليفربول ومانشستريونيتد، نفسى أشوف مسرحية موسيقية على مسارح برودواى فى نيويورك، نفسى أشوف أوبرا عايدة فى فينيسيا، نفسى أحضر جلسة لمجلس العموم البريطانى، نفسى فى حاجات كثيرة قوى يأخى!
- هايل، وناوى تبدأ إمتى؟
- من النهاردة على طول، لا تؤجل متعة اليوم إلى الغد، أجل العمل إلى بعد غد، وبالمناسبة كل سنة وإنت طيب، بالنسبة لى: دى آخر مرة حأقول لك كل سنة وإنت طيب!!

samybehiri@aol.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف