كتَّاب إيلاف

الفضائيات العربية بين الخطاب الأصولي والتضليل الإعلامي

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

لو حاولنا تفحص إداء الفضائيات العربية من زاوية علم الإعلام والإتصال الجماهيري لوجدنا إننا أزاء ظاهرة خطيرة جدا يمكن تحديد ملامحها من خلال الملاحظات الموجزة التالية:

1. إعادة إنتاج الخطاب الديني - السياسي الإصولي، بمعنى إن القنوات الفضائية العربية، وبالتحديد القنوات الأكثر شهرة وإنتشارا، وهي القنوات الخليجية، وعلى رأسها قناة الجزيرة، أخذت على عاتقها خلط الأوراق من خلال مزج خصائص الدعاية السياسية بخصائص الدعاية الدينية، وإنتاج خطاب ديني - سياسي يعتمد على التوجهات والتأويلات والتفسيرات للإسلام، هذا الخطاب الذي يروج للعنف والإرهاب الديني والإستعلاء القومي والديني، وتقديم صورة مشوهة للدين الإسلامي كمنظومة أخلاقية إجتماعية، وكرسالة سماوية تدعو إلى التسامح والمساواة بين البشر، والإحتكام للقانون الأساس وهو الإيمان بالخالق.
فمن خلال فبركة الأخبار الإعلامية، وتزوير التقارير التلفزيونية، والتعليق الإنشائي العاطفي والحماسي، وتقديم المعلومة الخاطئة والمشوهة قصدا،تقوم هذه القنوات صياغة خطاب سياسي تحريضي هو في جوهره خطاب ديني إصولي خطير. ولقد كانت التقارير والأخبار الواردة من العراق، أثناء الحرب الأخيرة وإحتلال بغداد وإسقاط النظام مرورا بالتطورات السياسية فيما بعد، خير برهان على ذلك، على الرغم من أن بعض الوكالات الأجنبية ولطبيعة إتجاهاتها السياسية ومصالحها كانت تروج بقصد أو بغير قصد مثل هذه التقارير المأخوذة عن هذه الفضائيات العربية.
إن المشاهد الإعتيادي، المستقبل للرسالة الإعلامية من هذه القنوات، قد لا ينتبه لطبيعة هذا الخطاب المزدوجة ولخطورته، لاسيما وأن هذه القنوات، وإرتباطا بأهدافها السياسية والدينية، لا تقدم اية برامج ترفيهية أو موسيقية أو افلام درامية، وإنما تعتمد أساسا على نشراتها الإخبارية التي تبثها كل نصف ساعة وعلى مدار الساعة، وعلى برامج حوارية تعتمد على إستضافة شخصيات سياسية، غير مهمة وفاقدة للمصداقية في الكثير من الأحيان، لمناقشة محاور سياسية مهمة وحيوية بالنسبة للمشاهد العربي .

2. وإعتمادا على النقطة التي تقدمت فان هذه القنوات في معظم برامجها الأخرى، بما فيها البرامج الدينية المباشرة،( حيث يتم إستضافة رجل دين ليناقش أمور الحياة من وجهة نظره ومنطلقا من مذهبه الذي في الكثير من الأحيان يكون مذهبا إسلاميا متشددا)، تعُيد إنتاج المفاهيم الأخلاقية، وتروج لعلاقات إجتماعية تتعارض في الكثيرمنها مع لائحة حقوق الإنسان فيما يخص حقوق المرأة وحرية العقيدة والفكر. بل أن بعض القنوات التي لا تكتفي بالنشرات الأخبارية ، وانما تبث برامج موسيقية وترفيهية، فان هذه القنوات نفسها متطرفة وتجمع النقيضين، فمن برنامج ديني مباشر ومتشدد إلى برنامج يعرض نساء وأغان فيها من اللحم العاري الكثير ، بحيث لا يتناسب مع الخطاب الديني السياسي الذي قبله. وهذا بدوره يفترض إحتمالين، الأول، هو ان هذه القنوات تفتقد للكادر الفني والفكري المتعلم والدارس للإعلام ولعلوم الإتصال والعارف بنظريات تأثير وسائل الإعلام على المتلقي والمجتمع، لاسيما فيما يخص قيادة المشاهد أو المجتمع لاإرادياMonipolation))هنا تأتي هذه الفوضى الفكرية في الخطاب البصري أيضا. أما الإحتمال الثاني فهو ثمة قصدية واضحة ومدروسة جدا تقف خلفها جهات محلية وأجنبية، في تقديم مثل هذا الخطاب التحريضي، السياسي – الديني، الخطير، كي يبقى المجتمع العربي بعيدا عن رؤية الواقع والحياة كما هما في الحقيقية، وبعيدا عن أية إشعاعات التنوير الإجتماعي والفكري. علما انني أرجح الإحتمال الأول، ولا أسبعد الثاني أيضا، فمن هذين الأحتماليين أصل إلى ملاحظتي الثالثة ألا وهي:

3. الفوضى الجمالية والهشاشة الحرفية في الإداء الإعلامي، فالمتأمل للفضائيات العربية يحس بأن هناك خلل واضح للعيان، فاللغة البصرية الشاشة رديئة ومبتذلة، وتناسق الإضاءة ودفئها يعاني فقرا بصريا واضحا، وحركات الكاميرا وإنتقالات المونتاج مفاجئة وفوضوية، ناهيك عن الكفاءة الشخصية واللغوية لمقدمي البرامج في الفضائيات العربية التي تشي بعدم دقة في الإختيار، بل أن معظم الذين يعملون في الفضائيات العربية أو من المتخصصين في الإعلام يعرفون جيدا ان الأختيارات للعمل في الفضائيات العربية تكون (في معظمها) قائمة على العلاقات الشخصية والعشائرية والسياسية الحزبية، وعلى التكتلات القطرية في هذه المحطة أو تلك، فهذه المحطة شبه مغلقة على المغاربة والتونسيين، وتلك على المصريين وأخرى على اللبنانيين، ورابعة على الفلسطينيين والأردنيين، وخامسة تسعى للتوازن بين كل هذا الخليط!! أما فيما يخص إختيار الكادر النسوي فالمصيبة أكبرن من حيث ان عناصر الكفاءة يجب أن تكون في مجالات أخرى لا علاقة لها بكل هذه الأمور، وانما على المحاباة والإستلطاف الأنثوي، والمجاملات وأشياء أخرى. ويمكن إدراك هذه العقلية التي تتحكم في الإعلام العربي حتى في طبيعة الإعلانات في الفضائيات العربية.
إننا ندرك خطورة هيمنة مثل هذه الفضائيات على عقلية المشاهد العربي وعينه، حينما ندرك إلى جانب كل هذه الملاحظات،ان المجتمع العربي يعاني من الأمية التي تشمل حسب إحصائيات منظمة الثقافة العالمية (اليونسكو) إلى حوالي 60 مليون إنسان، بينما تشير الأرقام السوداء السرية إلى حوالي 90 مليون إنسان، من مجموع سكان الوطن العربي الذي يصل إلى حوالي 200 مليون إنسان!!
خلاصة القول، إن الإعلام العربي، والحديث هنا يدور عن الفضائيات العربية، يمتلك خطابا دينيا- إصوليا – سياسيا مبطنا، خطابا تضليليا يشوه الوعي، بل يخلق وعيا زائفا عن الواقع العربي المعاش، خطابا لا يتطرق لأهم مشكلات المجتمع العربي، كالتنمية الإقتصادية ومكافحة الأمية والتنوير الإجتماعي والديني، ومشاكل الأقليات القومية والأثنيات الدينية، وحقوق الإنسان في الوطن العربي، بل على العكس من ذلك فهو خطاب يفتقد السمة الأساسية للإعلام وهو عملية الإتصال ونقل المعلومة، فهو آداة تحريض سياسي وديني خطير. بل وحتى برامج الترفيه فيه تبقى برامج ترفيه سطحي ومبتذل يفتقد لدوره التربوي أو الجمالي أو حتى المعلوماتي.
كما إننا إذا اردنا ان نتفحص الإعلام العربي والفضائيات العربية، من منظار مفهوم الجودة في الإعلام والصحافة، فان الإعلام العربي يفتقد إلى أهم بعد من أبعاد الجودة في الإعلام إلا وهو المصداقية والإقناع، ناهيك عن عناصر مهمة أخرى يفتقد إليها كالتقنية الحرفية، والموضوعية، والأهمية، والغنى المعلوماتي، والإستقلالية، والوضوح اللغوي والبصري، ودقة المعلومات. رغم إن هذا التعميم لا يلغي وجود نماذج جيدة وحرفية ومسؤولة، لكنها تكاد تكود إستثناءا ونادرة في هذا الفضاء العربي الرديء .

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف