هيئة صغار العلماء!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
لكل مصطلح أو مفهوم ميدان معرفي، ونمط سلطوي ومعيار أخلاقي، وقد عَلَّمنا أستاذتنا في تفكيك المصطلح ألاّ نُمرِّر الأشياء كما جاءت من دون أن نعرضها على مختبرات العبور، ومخارج الحروف، ومخرجات الوعي، وكل مفهوم أو مصطلح تُقاس قيمته بمدى استجابته للأسئلة المبثوثة عليه، وقدرته على التلاؤم مع هذه الاستفهامات والتصورات، حتى يبقى في حركة دائمة، وتغيّر مستمر نحو اسقتبال المجهول، واستشراف المستقبل!
وقد علمنا فقهاؤنا في "أصول الفقه" مصطلح مفهوم المخالفة فعندما نقول: "في الفصل الثالث طالب مجتهد" يُفترض وفق مفهوم المخالفة أن "في الفصل طلاباً غير مجتهدين"!
انساقت في الذهن هذه الأفكار، وتداعت تلك التصورات عندما وقعت العين على مصطلح: "كبار العلماء"!
وبعيداً عن الهيئة وأعضاءها الفضلاء، وعلماءها الكبار الذين يحتلون في القلب مساحة من الحب، ومسافة من التقدير، وساحة من الإجلال، أعطي القلم فرصة وردية لمناقشة هذا الاسم وفق قراءة تفكيكية، صارفاً النظر عن المسمى وتداعياته!
ولو عرضنا هذا الاسم على القرآن الكريم لوجدنا قوله جل وعز: (إِنَّمَا يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلْمَاءُ)، ولم يرد وصف الكبار رغم أن المقصود الطبقة العُليا من العلماء!
كما أن التراث الفقهي والشرعي المُمتد من عهد الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- والتابعين له بإحسان من قرون خلت، لم ترد فيه هذه اللفظة، على الأقل بصورتها الحالية!
وهذا المصطلح يخدع كثيراً، فمن مفهوم المخالفة الوارد سابقاً، يمكن أن يفهم المتلقي أن هناك هيئة "متوسطي العلماء"، وهيئة "صغار العلماء"، لأن كل مصطلح يخفي تحته سلطة، ويحجب في ظلاله مفهوماً آخر غير الذي كُشف عنه!
ويبدو أن هذا المصطلح غريب بعض الشيء خاصة إذا عرفنا أن ما يُماثله ويُشابهه في أماكن أخرى يحمل عنوان "هيئة الإفتاء"، أو"مَجْمع البحوث العلمية"، أو"مَجْمع الفقه الإسلامي"، أو"إدارة البحوث العلمية والإفتاء"، أو"هيئة الشؤون الدينية"..الخ!
وغني عن القول أن كل المُصطلحات السابقة تصف الفعل في حين مصطلح "كبار العلماء" يصف الفاعلين، والفعل ثابت بينما الفاعل متغير!
في الخاتمة يبقى مصطلح "كبار العلماء" مفردة لذيذة تستدعي الاستفسار وتطرح السؤال، فمن يملك الإجابة، لا سيما ونحن نعيش عصر مراجعة المفاهيم، وإعادة النظر في المصطلحات، وفق رؤيا عصرية مُعاصرة، تجمع بين ثوابت الدين وضرورات العصر!