نموذج الشرطي العراقي الجديد
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
الحلقةالأخيرة
سمعت أو قرأت أن بعض الأنظمة في العالم الثالث لا تقبل شرطيا لم يحمل تزكية من جهة معتبرة!، والفكرة جيدة في سياق الواقع المر الذي يعيشه هذا العالم الثالث، فالتزكية من جهة معتبرة قد تحمل شيئنا من العلاج في هذه المسالة بالذات.
ولكن!
نعم، ولكن من هي الجهة المعتبرة هذه؟
ربما الجهة المعتبرة إقطاعي عربي جلف، إقطاعي قاتل، متسلط، متوحش، ولا أستبعد أن ثمن التزكية كان رغوة ساخنة متوحشة بين فخذين ريفيين ساذجين، ناعمين ، خجولين ، يشاركان الفائز بهذه التزكية سقفا لحمياً بايلوجيا.
ربما كان الثمن شخيرا موجعا توغل بدموية فاجعة في أخاديد لحم طري، لم يزل يتفتح بهدوء الشهوة البريئة، هناك تكمن ورقة التزكية، هناك الثمن يئن من وطأة الحاجة القذرة.
ربما الجهة المعتبرة برجوازي قذر، في منتصف كل ليلة جمعة، ينسل أبنه المدلل إلى مخدع خادمة صغيرة، يمارس معها استرخاء الشهوة (النستلية) المخنثة، خادمة تمس الحائز على وسام التزكية الحقيرة من طرف بعيد أو قريب... هناك... هناك نجد النسخة الأصلية لهذا التزكية الوسخة.
ربما الجهة المعتبرة رجل دين، حيث نقرا (وكان الرجل من المعروفين بتقديس رجال الدين، أهل الله، يتمسح بأيديهم، ظاهره حسن، وقد رأينا منه ما يسر، ولا يعلم الخفايا إلا الله تعالى...)، وربما نقرا التوثيق من منطلق حجة الظاهر ــ وليس كل ظاهر حجة، وهي سيقت لتسيير الأمور العامة، ولم تسق لتمرير الشهادات والمبررات ذات المساس مستقبل البلاد والعباد ــ.
وربما تكون الجهة المعتبرة حزباً، حزب عقائدي، حزب اشتراكي، حزب قومي، حزب إسلامي، حزب وطني، حزب تقدمي...
لا أدري...
وإذا كنت أشك في تقييم السابقين فإني أكفر بتقييم الحزبيين، فإن نزعة الانحياز في الأحزاب في عالمنا الثالث ألعن من كل نزعة، وهل كانت هذه الأحزاب صادقة في بياناتها الانتخابية بالقدر الذي يشجع على قبول تزكيتها في مثل هذه القضايا الخطيرة؟
وهل يزكي حزب شخصا من حزب أخر؟
وهل يزكي حزب شخصا لا عربون، في مقدمة ذلك إحراز صوت انتخابي.
وربما تكون الجهة المعتبرة مرابياً حقيراً، مرابي يتحايل بألف وسيلة ووسيلة لكي يقتص من لحمي ولحمك ولحمه، بشره، بسكين حادة ناشطة...
أعود وأقول أن فكرة التزكية فكرة مقبولة على مضض، لأن الأصل في ذلك هو العودة إلى سجلات هذا المرشح، في دوائر شرطة الأجرام والجنايات لنرى مدى نظافة يديه، أن نرجع إلى دوائر البنوك والمصارف المالية لنكتشف مدى نظافة ضميره، أن نرجع إلى دوائر المرور لنكتشف مدى حبه للنظام، مدى احترامه لمشاعر الناس، أن نرجع إلى سجلات مدرسته الإبتدائية وا لمتوسطة و الثانوية لنكتشف مدى وداعته، مدى جديته، مدى إلتزامه بالدوام والواجبات...
أليس كذلك؟
ولكن لنقبل بفكرة التزكية، فهي فكرة طيبة على كل حال، ولكن ألا نتساءل عن جهة التزكية هذه....؟ أ ليس ذلك فكر منطقي؟
ترى هل جهة التزكية إقطاعي متوحش؟
شيخ عشيرة قاتل؟
برجوازي عديم الضمير؟
حزب يتلاعب بالعقول؟
مرابي؟
شخصية بلطجية مستهترة بحقوق الناس وحرمات الناس؟
لا شك أن تزكية المثقف ملغية هنا!
شهادته باطلة، فهو ليس ملتحيا... ولم يكن منتميا لحزب... يكتب ضد استغلال النفوذ... يحارب الفحش الاقتصادي، يسب التقاليد والعادات البالية... يتمرد على العرف القذر، فلا يبالي أن يجلس إلى جانب مومس يشاطرها البكاء...
أبعدوه...
كله شر....
بل هو شر مطلق كما هي إسرائيل!
وهل نسال بقالا؟
وهل نسال خياطا بسيطا؟
وهل نسال زبالاً يفتش بين الأنقاض والقاذورات عن خرقة قماش جميلة رمتها زوجة برجوازي سهوا أو خطأ في القمامة؟
هؤلاء مخدوشة شهادتهم!
إنهم عامة الناس.
في تصوري البائس أن شهادة أبناء المحلة هي الأساس هنا، لا نريد شهادة وجهاء، ولا علماء دين، ولا تجار كبار، ولا إقطاعيين متنفذين، ولا حزبيين، ولا مثقفين، بل شهادة المحلة، المحلة كلها، فهناك الغني، والفقير، والجاهل، والمثقف، و الحزبي، والمستقل...
تلك هي الجهة المعتبرة...
مشهود له بحسن السلوك، مشهود له بنظافة اليد، مشهود له بالتاريخ الجميل، مشهود له بالتربية الطيبة، مشهود له بحب السلام، مشهود له بالشهامة...
وفي ذلك لا يكفي إقطاعي، بل قد يشهد الإقطاعي خلاف الحقيقة... ولا يكفي برجوازي، بل قد يشهد هذا البرجوازي عكس الواقع، ولا يكفي حزب، بل قد يكذب هذا الحزب، ولا يكفي مرابي، بل شهادته مرفوضة بالشريعة والعقل والمنطق، ولا يكفي رجل دين، حتى أذا كان ورعا تقيا، معروفا بالعلم و العمل، لانه قد يحتكم إلى الظاهر، بقياس غير منطقي، بقياس خفي...
الناس هم الشهود...
المحلة هي المزكي...
هناك نفتش، هناك نبحث عن الحقيقة، هناك مرجعنا في ترشيح هذا أو ذاك من الناس لهذا الجهاز الخطير، جهاز الشرطة، جهاز الحماة، حماة عرضنا، وحماة أموالنا، حماة بيوتنا، وحماة أسرارنا، وحماة وطننا، وحماة ثروتنا...
أليس ذلك صحيحا؟
إن التزكية عمل جبار، عمل حضاري خطير، ولا يمكن الركون به إلى مصادر فردية شخصية، بل يجب الرجوع فيه إلى بنية كاملة، بنية متنوعة، إلى أكثر من عين، إلى أكثر من أذن، إلى أكثر من لسان، إلى أكثر من خبرة، إلى أكثر من علم...
ليست شهادة على صفقة تجارية...
أن تزكية شخص ما ليكون شرطيا، إنما هي تزكية إلهية، تزكية ضمير، تزكية يهتز لها عرش الله! فهل نرجع في ذلك لإقطاعي، أو برجوازي، أو حزبي، أو مرابي...
لا...
شهادة جمع محلي حاشد...
وليس ذلك بصعب أبدا...
لا تكفي شهادة عدلين، أبدا، تلك شهادة في أمر خاص، في أمر جزئي، فيما نجن في مجال أمر يتصل بمستقبلنا كله، مستقبل البلاد والعباد، اليوم وغدا، سرا وعلنا...
فهل نرحم أنفسنا؟
وهل نرحم أبناءنا؟
وهل نرحم أرضنا؟
أختاروا شرطكم بشهادة الناس، بشهادة الجمع الغفير، وليس بشهادة عابرة!