عندما يبصقون البحصة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
من يقرأ الأخبار المتلاحقة، يجد أن معظم وسائل الإعلام تريد أن تبصق بحصة واحدة في فمها لا غير، ألا وهي (موت الزرقاوي)، فلم تخلُ واحدة منها، طوال الأسابيع الماضية من هذا الخبر. ولكن المؤسف والمضحك في الأمر أن الزرقاوي، رغم التبشير بموته، ورغم الفرحة التي عمت الكون أجمع، وجعلتنا نزغرد، عاد إلى الحياة السوداء، وإلى ممارسة هواياته القاتلة، من تفجير، وتفخيخ، واختطاف، وسحق لكل ما هو إنساني، وخاصة أرواح الأبرياء من الشعب العراقي المسالم، فأضحت حكاية الوسائل الإعلامية، العالمية والعربية، كحكاية أخينا أبي فارس يوم بصق بحصته، وإليكم القصة:
أبو فارس من الناس الذين لا يأتيهم النّوم وفي بطونهم خبر. وذات مرّة علم بوفاة أحد أقرباء زوجته، وكانت المسكينة نائمة حين وصله النبأ المشؤوم، فاحتار كيف يوقظها ليبصق البحصة، ويخلد للنوم.
فكّر لحظة، ثـم خلع ثيابه ونام بقربها، وبدأ يشخّر شخيراً مزعجاً للغاية، كأنه هدير طائرة هليكوبتر، ولكن دون جدوى، فنوم زوجته عميق جداً، ولا شيء يوقظها منه سوى انفجار قنبلة ذريّة، كالتّي فتكت بهروشيما، وذلّت الإنسان إلى الأبد..
فجأة، خطرت على باله فكرة الأحلام المفزعة، فتخيّل نفسه في كابوس، وراح يرفس زوجته برجليه ويصيح بأعلى صوته:
ـ اركضي عليّ يا أم فارس.. إلحقيني بربّك.
فاستيقظت الزوجة مرعوبة القلب، مقطّعة الأوصال، وهي تردّد كالمجنونة:
ـ اسم اللـه عليك يا أبا فارس.. قم يا أبا فارس..
فرح أبو فارس بنجاح خطته، وانطلاء حيلته، فالتفت إلى زوجته وقال:
ـ حلمت حلماً لا يصدّق.. رأيت فيه سامي إبن عمّك..
ـ كيف رأيته.. قل لي؟
ـ مسكين..
ـ مات..
ـ أللـه يرحـمه..
ـ لقد مات بالحلم.. ولهذا سينكتب له عمر جديد..
ـ قلت لك: أللـه يرحـمه..
ـ يعني مات؟
ـ وشبع موتاً.. تصبحين على خير..
وهنا صرخت أم فارس صرخة هزّت جدران البيت:
ـ يا باطل.. سامي مات..
ـ اسكتي يا امرأة أريد أن أنام..
ـ يا ضيعان شبابك يا إبن عمي..
ـ خفّضي صوتك.. نحن الآن في منتصف الليل..
ـ ماذا أصابك يا ابن العم.. يا شيخ شباب سيدني..
ـ أريد أن أنام.. أرجوكِ..
ـ كان حلمك الوحيد أن تعود إلى وطنك لبنان..
ـ مسألة الموت ليست بيد إبن عمّك سامي.. إنها بيد ربّنا.. أفهمتِ؟
والظاهر أن أم فارس لـم تفهم.. بل راحت تولول وكأنها تهذي:
ـ آخ على شبابك.. آخ على قامتك.. آخ عليك يا إبن عمّي..
فما كان من أبي فارس إلاّ أن لبس ثيابه، وركب سيارته، وراح يعزف على زمّورها موسيقى أغنية ألفها ولحنها وهو يحلش شعر رأسه:
لساني مصدر للتعتير
فراشيخو بدِّي بِيعَا
بركي بِشبعْ نوم كتير
ومَرتي بتسكِّر نيعَا
آمل من كل قلبي أن لا تقفل وسائلنا الإعلامية فمها، بل أن تنقل لنا الخبر الأكيد، الذي لا تغيير أو تبديل بعده، فمن حقنا إذا فرحنا بخبر ما، أن تبقى فرحتنا دائمة، لا أن تتلاشى وتتطاير في مهب الريح، كما حصل ويحصل دائماً.