كتَّاب إيلاف

المشاركون والمتواطئون مع الارهاب

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

المثير في الارهاب قدرته على البقاء والتحدي، رغم كثافة الجهود المسخرة لمكافحته. فما زال الارهاب يتكاثر بوتيرة تصاعدية، ويلقى تعاطفا نسبيا، ويحظى بامكانيات واسعة. وهي قضايا تستوجب فضها لاكتشاف مصادر قوته، و النفاذ في اعماقها لتحديد المشاركين والمتواطئين معه، بعيدا عن مركز المباشرة والتنفيذ. أي نترك دائرة الرموز لننقب خلف الاسوار، وما وراء الخطاب، ونتفحص المهمل والبعيد عن الاضواء. فلا يعقل صدور كل هذه الاعمال، وبهذا القدر من القوة والتأثير والدقة في التخطيط، عن مجموعة افراد. بل لا يعقل عدم وجود قواعد اسناد، وتعبئة، وحماية. فقد اخترق الارهابيون اقوى التحصينات الامنية، عبروا الحدود، دخلوا المطارات، تجسسوا على الدوائر، تابعوا حركة المسؤولين، امتلكوا اسلحة ثقيلة، تجهزوا بمعدات تجسسية، لديهم اموال كثيرة، واتسموا بقدرة تخطيطية عالية. ورغم الجهود الحثيثة في مكافحته وتحجيمه الا انه ما زال يتحدى الامن والسلام والاستقرار، ويشكل خطرا جسيما يهدد مستقبل الشعوب والاستقرار الدولي، ويمارس دوره في تزييف الوعي، وتظليل الرأي العام، سيما الرأي العام العربي والاسلامي. واخطر ما فيه انتسابه الى قيم السماء وهي بريئة منه، وتمسكه بالاسلام وهو وبال عليه. وكان المفترض ان تضمحل قوى الارهاب في ظل قسوة الضربات الموجهة اليه، الا ان اللافت تصاعد وتيرة العمليات الارهابية واتساعها. وما تنتهي جريمة حتى تفوق الشعوب على جريمة ابشع منها. وفي كل يوم تنقل لنا وسائل الاعلام نبأ ضحايا ارتكب الارهاب جريمة قتلهم او تقطيعهم. وهذا يدعونا الى التنقيب عن مصدر قوة الشبكات الارهابية، ودراسة مصادر تمويلها ومساعداتها، ومعرفة المشاركين والمتواطئين معه.
ان قدرة الارهابيين على التنقل والحركة عبر الحدود والمطارات يؤكد الشك في تواطئ حكومات واجهزة مخابرات في اكثر من بلد. وليس سرا ان لبنان والعراق وايران وسوريا وباكستان وافغانستان وليبيا وغيرها، كانت وما تزال قاعدة انطلاق، او همزة وصل لحركة الارهابيين عبر الحدود. كما ان دول المغرب العربي ودول الخليج والاردن معامل لتفريخ الارهابيين. وقد ساعدتهم اجهزة المخابرات في عدد من الدول، ووفرت لهم حماية ومعدات وتدريبات واموال ووثائق سفر. والغريب ان بعض الحكومات اشتكت، صادقة ام كاذبة، من اجهزة مخابراتها، وتعدد الخطوط والاتجاهات السياسية، المنقسمة بشأن التعاون مع الارهابيين، وحجم ومستوى ودائرة عملهم. وكأن الارهاب يصدر عن جهات امنية وسياسية لا طاقة للحكومات على ردعها. وهي ذريعة لتبرير ممارساتها المشينة. من هنا تعتبر الدول المساندة للارهاب شريكة في العمل الارهابي مهما كانت الاعذار، وينبغي محاسبتها وادانتها واتخاذ كل الخطوات لردعها، وحملها على التراجع عن مواقفها في دعمه ومساندته.
والسبيل الوحيد لتفكيك القواعد اللوجستية الرابضة على اراضي هذه الدول، هو جمع المعلومات، ومراقبتها مراقبة دولية ومخابراتية، والاستفادة من قوى المعارضة، للتعرف على حركة الشبكات الارهابية المدعومة حكوميا ومخابراتيا، ورصد اماكن تواجدهم واستقرارهم وضبط اعدادهم وتشخيص هوياتهم. وهنا المطلوب عمل دولي باشراف الامم لمتحدة لاستحداث دوائر ومؤسسات لمكافحة الارهاب، جنبا الى جنب مع جميع الدول في العالم. وسن عقوبات اقتصادية وامنية صارمة بحق الدول التي تدعم الشبكات الارهابية. لكن ايضا يجب تحديد مفهوم الارهاب اولا، والتمييز بين العمل الارهابي وقضايا الدفاع عن القيم الدينية والوطنية. والاتفاق بين الدول الراغبة في مكافحة الارهاب على تعزيز التعاون في مكافحته وتسهيل تبادل المعلومات بين أجهزة الشرطة والإسراع بنقل الوثائق عبر الحدود واتخاذ خطوات لمحاربة تمويل الإرهاب والعمل على تفهم ومعالجة التطرف، والتعاون في مجال اعداد المناهج الدراسية والتعليمية، سيما بالنسبة للدول الاسلامية والعربية.
وتبقى مسألة الامكانيات المادية عقبة كأداء، رغم كل الاجراءات الاحترازية والوقائية، لان من السهل وصول الاموال وبكميات كبيرة، واسهل منه جمعها وادخارها. و لا ينفع معها سوى الوعي والفتاوى الشرعية التي تحرم التبرعات المالية لاي جهة ما لم تكن معلومة لصاحبها بشكل جلي، ومراقبة الجمعيات الخيرية، ومتابعة ادائها في صرف الاموال واماكن توفيرها، وطبيعة المسؤولين عنها، وطرح مفاهيم صحيحة للمعروف والعمل الصالح، وبيان حقيقة الارهاب وبراءة الدين والاسلام والقيم منه. كما يجب مراقبة اداء الاوقاف الخيرية والمؤسسات التابعة لها، فربما يكون لها دور في تمويل الشبكات الارهابية، ولم يبق متسع من الوقت لحسن النية، بل العكس الواجب هو توخي الحذر واليقظة بعد كل ما حصل بنا بسبب الارهاب والمتواطئين معه.
ثم ان التعاطف الذي يحظى به الارهابيون رغم بشاعة اعمالها، مرده الى الوسط الديني المسؤول عن توعية الناس، وتشبـّث الارهابيين بالقيم الدينية وفق قراءة مبتسرة للنصوص المقدسة. والدين اسهل وسيلة لتزييف الوعي، وإلهاب المشاعر، وتعتيم الرؤيا حينما يساء فهمه. والقرآن الكريم ملىء بالنصوص التحريضية ضد الآخر المختلف عقديا ودينيا. وهنا يكمن الخطر عندما يرتكز الارهابيون الى النص، لشرعنة ممارساتهم. والاكثر خطرا عندما يتصدى رجل الدين المبلغ والوعظ لتبرير تلك الاعمال من منطلق ديني، مرتكزا الى ذات النص. واذا اضفنا له التعبئة المستمرة ضد الغرب، واتهامه بكل رذيلة وتخلف لحقنا، سيتحول المستمع الى كرة ملتهبة يتمنى اللحاق بالمجموعات الارهابية، لينتقم له ولقومه من الآخر، وليحظ بدار النعيم التي تنتظره جزاء اعماله وتضحياته. لذا نلاحظ اتساع دائرة التعاطف في الاوساط الشعبية ولدى الناس الطيبين البسطاء، الذين ينظرون لفم رجل الدين، ويصدقون كل كلمة يقولها، ولا يعرفون سواه مرجعية شرعية وثقافية، فهو مصدر ثقافتهم، ووعيهم، وهو المسؤول عن توجيههم وارشادهم.
ولا سبيل امام ثقافة العنف سوى تقويض البنى التي تقوم عليها، وتصعيد وعي الناس، من خلال وسائل الاعلام، وطرح خطاب ديني عقلاني يتفهم مناسبات الحكم والموضوع في الاحكام الشرعية، ويفهم ثوابت الكتاب، ويعكس صورة صحيحة عن الآخر. والاهم من كل ذلك العمل على تطوير المناهج الدراسية، وفرض رقابة صارمة على المناهج الدراسية الدينية، وخطب الوعظ والارشاد، وخطب الجمعة، والكتب التي تصدر عن المؤسسات الدينية التكفيرية لمعادية للانسانية، وقوى الظلام السلفي، والخطاب التحريضي ضد الآخر المختلف مذهبيا، كما بالنسبة الى المواقع على الشبكة العالمية والكتب التي تصدرها السلفية والوهابية ضد المذاهب الاسلامية الاخرى، سيما المذهب الشيعي، الذي نفذت بحقه اغلب العمليات الارهابية باسم الدين والاسلام. كما يجب تعميق الشعور بالمسؤولية، لدى جميع افراد الشعب، كي يساهموا في مكافحة الارهاب بدلا من دعمه والتستر عليه والتواطؤ على مساندته.
لكن يبقى الخطر الاكبر في دعم الارهاب هو الفتاوى الدينية، التي تحولت الى وباء على المجتمع والاسلام. وليس امامنا طريق لمكافحتها سوى الارتكاز الى نفس المنطق الديني. وهنا تقع المسؤولية على علماء الدين في بيان الاسس العلمية لتلك الفتاوى، ومناقشتها بنفس المنطق العلمي، لدحضها وبيان تهافتها وضعفها، ولا يكفي مناقشة تلك الفتاوى في دائرة البحوث العلمية بل يجب تحويلها الى ثقافة عامة تزرق الى المجتمع لتساهم في وجود وعي رافض للعنف والارهاب، محب للعدل والسلام. وحينما يتخلف العلماء عن مسؤولياتهم لا شك سيكون لهم دور غير مباشر في دعم الارهاب وتسويغه، وسيكون موقفهم بالآخرة اصعب من موقفهم في الدنيا.

Majed15000@hotnail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف