كتَّاب إيلاف

الليبراليون الجُدد أبناء المستقبل

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

-1-
يقول المفكر المغربي الليبرالي عبد الله العروي: إذا كانت الدعوة الليبرالية ؛ أي الفكر النقدي العلمي على الطريقة الغربية قد أخفقت في الماضي، فإن ذلك لا يعني أنه ينبغي أن نتخلى عنها. على العكس ينبغي أن نواصل معركة التحرر الفكرية مرة اخرى حتى لو فشلنا مائة مرة. وما لم يستوعب الفكر العربي مكاسب العقل الحديث من عقلانية وموضوعية ونزعة إنسانية، فإنه سيظل متخلفاً ولن تُحل أي مشكلة في العالم العربي أو الإسلامي. ويضيف على هذا القول المفكر الليبرالي السوري هاشم صالح بقوله: إن الدعوة إلى الليبرالية لا تعني العودة إلى الوراء، أو إلى عصر مضى وانقضى، كما يتوهم بعضهم، إنما تعني استدراك ما عجزنا عن تحقيقه سابقاً واللحاق بركب الأمم المتقدمة إذا أمكن.

-2-

ثار جدل فكري كبير في عامي 2004، و 2005 حول مجموعة من المثقفين والمفكرين العَلمانيين والحداثيين الذين أُطلق عليهم "الليبراليون الجُدد". وكان مثار هذا الجدل بالدرجة الأولى موقف الليبراليين الجُدد من كارثة 11 سبتمبر 2001، والكفاح المسلح، والتعليم الديني الظلامي، والحملات الإرهابية المسلحة في العالم العربي، وتحرير العراق في 2003 ، ومشروع "الشرق الأوسط الكبير"، والإصلاح السياسي العربي، والانتخابات العربية تحت حراب الاحتلال.. الخ. في حين أن المثقفين "القومويين"، و"الإسلامويين" الذين كتبوا وخطبوا عبر الفضائيات والمؤتمرات القومية والدينية، وراهنوا على فشل التجربة الديمقراطية في العراق، واستمرار الكفاح المسلح كطريق وحيد للتحرير الفلسطيني من البحر إلى النهر، ووقفوا إلى جانب الإرهاب الدموي الذي كان يقترف جرائمه تحت مظلة "المقاومة"، والذين راهنوا على أن لا انتخابات شرعية ونزيهة وشفافة تحت حراب الاحتلال، ونسوا ما جرى في اليابان وكوريا الجنوبية والمانيا وايطاليا.. الخ. كل هؤلاء لا يستطيعون الآن أن ينظروا في المرآة لكي يروا كيف اسودَّت وجههم، وخابت آمالهم، وتبخرت أحلامهم، وباتوا بلا ظُهراء ولا قُرّاء، بعد أن تحقق على أرض الواقع خلاف ما كتبوه على صفحات الجرائد، وقالوه على شاشات الفضائيات.
ومن خلال ذلك، وكما نشأت الليبرالية العالمية في أصولها كتيار فكري وسياسي وعقيدة تناهض السلطات، وتناهض الأنظمة التي تقف في وجه العطاء الفردي والحرية الفردية، فكذلك كانت الليبرالية العربية الجديدة. فجيل الليبراليين الذي جاء في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين رُمي بتهم شتى، وكذلك رُمي الجيل الذي جاء بعدهم في النصف الأول من القرن العشرين. ويبرر عبد الله العروي هذا الموقف، بأنه ناشئ عن أن الغرب الحالي يبدو في آن واحد استغلالاً اقتصادياً وهيمنة سياسية ومنهاجاً فكرياً وسلوكاً أخلاقياً. والمثقفون العرب الذين ينتهجون سلوكه ويستعملون منطقه يعتبرون متحالفين معه. وزاد في رسوخ هذا الارتباط في الأذهان ما أولته البحوث الاجتماعية الغربية حول الدول المتخلفة من اهتمام بتحديث النخبة وتقيّدها بقيم الموضوعية العلمية والليبرالية السياسية كأقرب وسيلة لدفع المجتمع في طريق التطور. فبدا داعية التحديث في الداخل وكأنه يُرجّع صدى دعوة أنصار النظام الإمبريالي. وبطبيعة الحال يلجأ المثقفون الذين يرفضون هذه القيم إلى مغايرة الفريق السابق بتبنّي المناهج التقليدية التي وُجدت قبل الغزو الأوروبي والتي استُعملت لمحاربته. (عبد الله
العروي، العرب والفكر التاريخي، ص 7).

-3-

إن أفضل ما يُلخّص به الفكر الليبرالي العربي الجديد هو أنه فكر في مجمله يقوم بإحياء قيم الحرية العربية لدى الإنسان. ولهذا يقف الفكر الليبرالي العربي الجديد ضد الحكم المطلق، وضد الاستبداد، وضد الخنوع للدولة واستعبادها، وليس ضد الدولة. وأن الفكر الليبرالي الجديد ليس مبنياً على حقيقة واحدة خالدة وعابرة للتاريخ. حقائق الليبراليين الجُدد لا تعُرف دفعة واحدة، وانما تُعرف بالتدريج وفي وجوه متعددة ومتغايرة على حد تعبير عبد الله العروي. وهي دائماً تحتمل المراجعة الشاملة المتكررة.
لقد نادى الليبراليون الجُدد بثورة ثقافية من حيث أن الثقافة هي التعبير الواعي عن واقع المجتمع ، والذي بدونه لن يتم اصلاح سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي. وبدأت أولى خطوات هذه الثورة بالمناداة والتشديد على ضرورة وأهمية إصلاح التعليم الديني الظلامي، وإصلاح التعليم العربي بشكل عام، وإلحاقه بالتعليم الحديث عند الدول الغربية. كما كانت أولى هذه الخطوات المناداة بقيام حركة نقد ذاتي، وقيام ثورة ثقافية على المفاهيم القائمة الآن في العالم العربي.
لقد اتُهم الليبراليون الجُدد بأنهم ضد الثوابت والأصالة التي هي ظاهرة ثابتة في التاريخ. وأن الأصالة التي ينادي بها السلفيون الآن، هي المحافظة على التقليد الحاضر ضد "الأفكار المستوردة" و"الغزو الفكري والروحي" و "الإسلام الأمريكي" و "ديمقراطيـة الاحتلال" و"الحرية المحمولة على رؤوس الصواريخ الأمريكية".. الخ. وأن الليبراليين هم دُعاة كل هذا. وهي كلها دعوات لا تتعدى أن تكون من نسج الخيال النخبوي السلفي، ومن تخيلات النخب المحافظة، ومن امتزاج المقدّس بالمدنّس، واختلاط أوراق الحداثة والقدامة والأصالة والمعاصرة.
كما اتُهم الليبراليون بأنهم يعملون على نشر الحداثة الغربية في المجتمعات العربية. وهي تهمه لا ينكرها الليبراليون الجُدد، من حيث أن الحداثة حالة عقلية تعبر عن نفسها حسياً في التمدن وارتفاع نسبة التعليم وانتشار وسائل الإعلام والمشاركة السياسية، وغير ذلك من مؤشرات ما هي في حقيقتها غير تعبير حسي عن موقف عقلي معين تجاه الإنسان والمجتمع والطبيعة. وحجر الزاوية في هذا الموقف، أو هذه الحالة العقلية هو الإنسان وإمكانية تغيير الأشياء، كما يقول تركي الحمد (دراسات أيديولوجية في الحالة العربية، ص 62).
إن مهمة المثقف العربي العضوي الحداثي والليبرالي الجديد هو تخليص مجتمعه من الإرتهان للماضي إلى الرهان على المستقبل، وإخراجه من هذا الماضي البائس ونقله إلى مستوى العصر. فالبؤس العربي متأتٍ من العيش في بؤس الماضي، وفي بؤس المجتمع التقليدي. وتغيير المجتمع بشكل جذري وواقعي هو ما يمكن أن يُخرج المجتمع العربي من التخلف إلى التقدم، ومن عالم الأحلام والخيالات إلى عالم الواقع والرهانات، ومن المجتمع التقليدي إلى المجتمع الحديث. فإذا كان المجتمع التقليدي يتصف بأنه ذو قيم ضيقة وخاصة وموروثة مسبقاً ووظائفه الاجتماعية غير متخصصة، وتسيطر عليه وعلى قراراته العاطفة، فإن المجتمع الحديث الذي يسعى الليبراليون الجُدد إلى إقامته يعتمد على قيم كونية نابعة من العصر الذي يعيش فيه. وهي قيم فردية لا جماعية كما هي الحال في المجتمع التقليدي، وبأن قراراته عقلانية واقعية وعواطفه حيادية غير منحازة.

shakerfa@worldnet.att.net

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف