كتَّاب إيلاف

نظرة أولى على مسودة الدستور للعراق الجديد

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

نشرت جريدة الصباح نص آخر مسودة للدستور العراقي الدائم والمعروضة للنقاش.
المعروف أن للدساتير أهميتها الكبرى في حياة الأمم. ومع أن العبرة دوما هي في تطبيق النصوص والقوانين الجيدة فإن الصيغ والمواد الدستورية مؤشر على اتجاه الحكم ومسيرة المجتمع.
إن في هذه المسودة كثيرا من النقاط الإيجابية المأخوذ معظمها من قانون الإدارة الانتقالي. هذا ما لا ينكر. غير أن القضية الحقيقية هنا هي في النصوص والمواد السلبية التي هي في رأيي تهددنا بقيام نوع من الدولة الدينية باسم حكم الشريعة.
كما بينا في العشرات من المقالات فإن للدين مكانة كبيرة في المجتمع بوصفه يمثل قيما سامية لو أحسن القوامون عليه التوعية بمفاهيم المحبة والتسامح ورفض التفسيق والتكفير واحترام الحياة الخاصة للمواطنة والمواطن. وكما بين العديدون من كتابنا العرب والعراقيين فإنه رغم مكانة الدين في المجتمع فإنه يجب فصله عن شؤون الدولة والسلطة.

في قراءتين للمسودة يبدو لي ما يلي:
1 ـ التراجع عن هدف "العراق الديمقراطي الاتحادي" لهدف "العراق الإسلامي الاتحادي"0ليست مجرد تسمية عابرة بل لها قصدها ومعناها حيث الحديث عن الدولة الإسلامية يجر للحديث عن الدولة الدينية؛
2 ـ مما يعزز يقيننا بخطورة ذلك اعتبار الإسلام "مصدرا أساسيا للتشريع" بعد أن كان الدستور المؤقت ينص على كونه واحدا من المصادر؛
3 ـ وفي تأكيد الاتجاه الإسلامي للمسودة فإنه ينص فوق ذلك على تطبيق حكم الشريعة في الأحوال العامة، أي العودة للقرار 137المشؤوم والمهزوم.
لم أجد شخصيا كلمة "ديمقراطية" في المشروع بل تكرر النص على القيم "الدينية" و"الأخلاقية" و"المواطنة الصالحة".
أترك لفرصة أخرى الحديث عن الفيدراليات وصلاحياتها كما وردت في المسودة ومن تلك الصلاحيات كما فهمت حق حكومة كل إقليم مع دول أخرى، وموضوع توزيع العائدات. فالفيدرالية مبدأ صحيح للإدارة اللامركزية ووفقا لخصائص المناطق الجغرافية. وكانت القوى الوطنية المعارضة في التسعينات قد تبنت الفيدرالية لكردستان بسبب خصوصيتها المتميزة جغرافيا وتاريخيا وقوميا. وبرغم وقوع مآس وأخطاء كبيرة في منتصف التسعينات فإن تلك الفيدرالية لم تمس وحدة الأراضي العراقية والوحدة الوطنية العراقية. واليوم وقد اعتمدنا الفيدرالية كقاعدة للحكم على النطاق العراقي فلابد من الحديث عن الظروف السياسية والاجتماعية السائدة في المناطق الجنوبية. اعني هنا سيادة الحكم الديني وتوسع النفوذ الإيراني في منطقة هي أغنى مناطق العراق اليوم بالثروة النفطية وحيث تقوم منذ عامين عمليات تهريب النفط لإيران بتواطؤ بعض المسؤولين والتنظيمات والميليشيات هناك.
لقد أحسنت المسودة بتعداد مختلف التكوينات الدينية والقومية العراقية وحتى الفرعية، ولكنها لم تنصف لا القومية التركمانية ولا القومية الكلدو آشورية. وهنا فمما يلفت النظر إدراج"القومية الفارسية" ضمن المكونات القومية للمجتمع العراقي. فمن المقصودون؟!
هذه ملاحظات أولى دون أن أدعي كوني من خبراء القانون والباحثين المختصين في شؤون الدساتير. ولكنني من منظور سياسي ديمقراطي أجد في السلبيات الخطيرة المارة تهديدا لمجمل العملية السياسية. فهل ستقبل القيادات الديمقراطية من مختلف الاتجاهات والقوميات والأديان بمثل هذا الدستور؟ أم إن هذه القوى سوف تتفق في الجمعية الوطنية وخارجها، ومن نساء ورجال، للوقوف معا لإلغاء النصوص المعنية وحمل روادها على التراجع عنها وعن المواقف التي تمثل انحرافا عن القانون الانتقالي وعن التعهدات والالتزامات السابقة بين القوى الوطنية؟؟

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف