كتَّاب إيلاف

لتكن حقوق المرأة العراقية في الدستور مسؤولية

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

كل الضمائر الحية
ولتكن اليفدرالية الحقيقية وليس فيدرالية مذهبية او فيدرالية محافظات

الحديث عن حقوق المرأة في العراق حديث ذو شجون فقد كتب في هذا الحقل المهم الكثير واشترك في الكتابة اضافة الى العشرات من الحقوقيين والمثقفين والعلماء والكتاب والشعراء والمختصين ومؤسسات حقوقية واحزاب عديدة تناولت حقوق المرأة من جميع الزوايا، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وخلال عهود طويلة قامت المنظمات النسايئة وبخاصة رابطة المرأة العراقية التي تأسست 1952 بناضل متواصل ودؤوب من اجل تثبيت حقوق المرأة في العراق وجعلها متساوية مع الرجل وخلال تلك العقود قدمت المرأة العراقية تضحيات جسيمة في صراعها من اجل حقوقها الملازمة لحقوق الانسان ولائحة الحقوق التي اقرتها الامم المتحدة، واذا تم الحصول على بعض من هذه الحقوق وبخاصة قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لعام 1959 فيعود الفضل الكبير لهذه القوى مجتمعة ولانصار حقوق المرأة كما نالت المرأة المناضلة من تعسف واضطهاد الدولة واجهزتها البوليسة ليس باقل من الرجل وتعرض منهن الى الاعتقال والتعذيب والاستشهاد والاعتداء على شرفهم والسجن وكل ما بجعبة الاجهزة الامنية المعادية لقوى الحرية والديمقراطية من اساليب بربرية وبالضد من حقوق الانسان.
ولقد كانت فترة انقلاب شباط الدموي عام 1963 من اقسى الفترات التي مرت على العراق والشعب العراقي حيث شملت اعداداً كبيرة من السجينات السياسيات وزجت المئات منهن في المعتقلات مع اطفالهن بحجج بائسة غير قانونية.
ولم يقتصر نضال المرأة على المطالبة بحقوقها بل انها كانت تشارك في النضالات التي خاضها شعبنا العراقي من اجل الاستقلال والحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحقوق الانسان وقدمت تضحيات غير قليلة في الصراع العام ضد النظام البعثفاشي وحملت السلاح في فرق الانصار في كردستان العراق وساهمت في انتفاضة آذار 1991 وعملت في الاحزاب السرية وكانت على طول الوقت مناضلة باسلة في حياتها الاسرية وبخاصة قيامها بالعمل الوظيفي او في الحقل او في التعليم او في المجالات المهنية الاخرى فضلاً عن مسؤوليتها الكبيرة عن الببيت والاطفال..
ولم يكن انقلاب 1968 باحسن حال فقد عانت المرأة العراقية الامرين من قساوة القوانين والتجاوز على حقوها وجعلها دمية بيد الرجل ولم تسلم من الاعتقال والسجن والمطاردات المخابراتية وغياب الكثيرات منهن وعدم معرفة مصيرهن كما هو الحال للمناضلة الرابطية عائدة ياسين وغيرها من المناضلات ، كما عانت من الحروب التي شنها النظام الشمولي واصبحت هي الاخرى ضحية للآفات الاجتماعية حيث لعب الحصار الاقتصادي الذي فرض على العراق تأثيرات مأساوية على عموم الشعب العراقي وبخاصة المرأة كما عانت من حصار آخر ضربه النظام على الشعب العراقي.
لقد بقت المرأة العراقية طوال الفترات المنصرمة فاقدة الحقوق مثقلة بالواجبات فقط فعليها النضال والعمل والكدح والاسرة وانجاب الاولاد وكانت موضوعة دائماً بالمرتبة الثانية في التسلسل الاجتماعي ولم تكن لها تلك الحقوق المعروفة الا على الورق والاعلام السياسي لبعض القوى وفي مقدمتها الاحزاب الاسلامية التي تقول شيئاً وتتصرف بنوع مغاير وعندما تم سن قانون ادارة الدولة المؤقت بعد سقوط النظام تحرك الامل في اعادة الحق لنصابه وبخاصة منح المرأة حقوقاً متساوية مع واجباتها وهذا الامل مرده ما كانت تدعو إليه جميع القوى التي تؤمن بنجاح العملية السياسية لاخراج القوات المحتلة من العراق لا بل حتى اولئك المصطفين تماماً مع الاحتلال كانوا وما زالوا يلوحون بحقوق المرأة كشعارات وتنفيذ وعندما أُعلنت نسبة 25% لمشاركة المرأة في الجمعية الوطنية استبشر جميع الخيرين المؤمنين بالحقوق الكاملة للمرأة العراقية مع هذه النسبة على الرغم من انها دون مستوى الطموح المطلوب لكن الذي حدث في مجلس الحكم والذي كان خلفه بعض القوى الاسلامية صدور القرار 137 السيء الصيت والمجحف بحقوق المرأة من قبل مجلس الحكم اثناء رئاسة عبد العزيز الحكيم واستغلال تغيب آخرين عن الاجتماع الذي احبط الكثيرين من المتفائلين وبهذا لاح الخطر الحقيقي الذي سيترتب عليه لاحقاً نتائج هذا القرار المتخلف الظلامي والمعادي لحقوق المرأة.. ومع هذا لم تكف المنظمات النسوية والقوى الديمقراطية عن مطالبتها ليس بالغاء ذلك القرار المجحف بل ضرورة ان يكون الدستور القادم ضمانة لحقوق المرأة وهو اقل ما يمكن فعله من اجلها ومن اجل تضحياتها الجسيمة ولقد استبشرت الاكثرية خيراً بالانتخابات واعتبرتها نقطة تحول في حياة المجتمع حيث جرى انتخاب الجمعية الوطنية على الرغم من السلبيات والتجاوزات التي رافقت تلك العملية ولعل الانتظار المضني لتشكيل الحكومة الذي طال امده فترة زمنية غير قليلة عقدت الاوضاع السياسية والامنية اكثر من السابق وبخاصة السعي لاستكمال كتابة مسودة الدستور وعرضه على الشعب العراقي ولم يتوقع الاكثرية ان يكون هذه المسودة عبارة عن مسخ رديء واستنساخ لاسم جمهورية اسلامية اخرى وفرض هذا الاسم بسبب الاحزاب الاسلامية التي تحاول ان تهيمن على الاوضاع السياسية وغيرها من خلال هذا الدستور الذي لم يكلف اعضاء اللجنة اي جهد للاعتراف بحقوق المرأة الا فيما يخص بعض الفقرات الهزيلة الهلامية المرتبطة بالدين وجرى تجاهلها مما زاد مخاوف النساء العراقيات وجميع القوى التقدمية من النهج المعادي لهذه الحقوق ولوحظ التعنت في هذه القضية وقضايا اخرى في مقدمتها الفدرالية والقفز على الفقرة 58 من قانون ادارة الدولة المؤقت بالنسبة للشعب الكردي وبدأت الاسطوانة المشروخة في العزف على قضية الانفصال او فدرالية قومية او فدرالية مذهبية او فدرالية محافظات لكي يجري تميع قضية الفدرالية وكأن الفدرالية خاضعة للتفصيل وحسب اجتهادات كل شخص يقف بالعداء لحقوق القوميات الاخرى التي تتواجد في العراق وفي مقدمتها الكرد والاتراك والكلدواشورين وغيرهم كما لوحظ التراجع عن تنفيذ الفقرة 58 التي اتفق عليها من قبل هؤلاء المعترضين الذين بدءوا يتراجعون عن اتفاقياتهم وتعهداتهم ومواقفهم قبل اسقاط النظام وبعده ووعودهم وبرامجهم الانتخابية فيما بعد وكأي لعبة يقوم بها المتحذلق السياسي باسم الشعب فقد جاءوا من باب الدين الاسلامي كما كان الطاغية صدام حسين قد استغله لغرض سياسي وحزبي وكأنهم الاوصياء عن الدين وغيرهم قطيع لا يفقه بالدين وقد يكونوا كفرة وزنادقة في نظرهم مثلما يعلن التطرف الديني السلفي والاصولي ومنظماته الارهابية .
ان بناء العراق سيبقى ناقصاً ولن يتم بدون مشاركة المرأة العراقية وبدون حقوقها المشروعة التي يجب ان تحصل عليها مهما حاول البعض تغليفها بمقولات سياسية او دينية لكي يحرم المرأة من هذه الحقوق ، ثم هناك النواقص الاخرى والصيغ المطاطية المتناقضة احياناً في قضايا الحريات العامة والوضع الفكري وحرية الصحافة وحول الاقليات القومية والدينية وتشغيل الاطفال وحتى الالتفاف على نسبة 25% الخاصة بالمرأة.
اننا نتسال ــ كيف يمكن ان تبني بلداً مخرباً وبهذه الاوضاع المزرية حيث الارهاب والبطالة والفقر والتخلف وانت تهدف الى شل نصفه تماماً حيث تحمله الواجبات والمسؤولية لتربية الاجيال القادمة بدون الاعتراف الدستوري والقانوني بحقوقه وهذا ما حصل في مسودة الدستور الذي يبدو انه دستور دولة يراد به اغصاب الجميع على قبول بعض من بنوده المضادة لتطلعات العراقيين نحو المستقبل وكذلك التسمية بالجمهورية الفيديرالية الاسلامية العراقية المرفوضة اصلاً لا بسبب الكراهية للدين الاسلامي بل العكس احتراماً له وعدم زجه في المزايدات والمهاترات السياسية والتبعية والمنفعة الحزبية الضيقة ثم ان هناك في العراق مللاً اخرى من اديان مختلفة فكيف اذا فرض هذا الدستور وفقراته الخاصة بالتشريع وغيرها ان تتعامل مع حقوق هؤلاء الذين من طوائف واديان اخرى.
ان الدعوة لإنجاز الدستور بعجالة وبعلاته المستفحلة انما هي دعوة لا تفقه الواقع السياسي والاجتماعي وتعددية القوميات والاديان في العراق، ولهذا علينا ان نفكر بشكل جيد ونقول بكل صراحة: اي دستور ينفعنا نحن المضطَهَدين على مر الدهور..؟ دستور ببنود هلامية مطاطية عن الدين والاخلاق والشهامة والتراث والجمل الطنانة كما هو حال أكثرية الدساتير المرتبة حسب المصالح الضيقة والتي من المكن ان تخرق بنوده في اية لحظةٍ وتحت اية حجةٍ ، أم دستور ديمقراطي واضح ببنوده واهدافه ولا يمكن تأويلها او تحريفها بالاجتهادات الشخصية والحزبية . هذه هي العلّة وعلى الجميع ان يقرروا اما حكم كسالف العصر والزمان " وتيتي تيتي مثلما رحتي جيتي " أو حكم ديمقراطي تعددي فيدرالي جديد يمنح لكل حق حقه لا بل يثبت حقوق المرأة وحقوق القوميات والاديان والطوائف في البلاد.
ان حقوق المرأة العراقية التي يجب ان يتضمنها الدستور هو واجب حقوقي ومسؤولية لكل الضمائر الحية التي ترى في صياغته الحالية نواقص حقيقية سوف تأثر سلباً على مجمل التطورات في العراق لا بل سوف تشق الوحدة الوطنية بدلاً من ابقاء لحمتها وتفاعلها من اجل نقل العراق الى شاطئ السلام والامان والديمقراطية.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف