لماذا رفضت إرتداء الطاقية اليهودية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
فى النصف الأول من القرن العشرين، كان إرتداء الطربوش هام للغاية فى مصر، وكان الطالب الذى لا يرتدى الطربوش يحرم من دخول المدرسة، وكان الطربوش دلالة على أهمية معينة، فكل من يرتدى الطربوش هو (أفندى) محترم.
والشئ العجيب أن المصريون قد لبسوا الطربوش تشبها بالأتراك ولبست نسائهن الحجاب تشبها أيضا بالأتراك، وحتى الآن تجد من المصريين من يفتخر بأن جده كان تركيا مما يعنى بأنه من طبقة أعلى!! تخيلوا الشخص يفتخر بأن جده كان من المحتلين، تخيلوا معى لو أن فلسطينيا بعد خمسين سنة من الآن بدأ يفتخر بأن جده كان إسرائيليا!!
ما علينا ففى هذا الوقت إنتشرت نكتة تقول أن مصريا من الريف نزل إلى القاهرة فى محطة القطار وكان معه عنوان إبن عمه الذى سوف ينزل فى ضيافته مكتوبا على ورقه فى يده، وكان لا يعرف القراءة فتوسم العلم فى الأفندية الذين يلبسون الطرابيش، فذهب إلى أحدهم وأعطاه الورقة المكتوب بها العنوان:
وسأله: ممكن وحياة والدك تدلنى على العنوان المكتوب فى الورقة دى.
فرد الأفندى صاحب الطربوش بألاطة وفى حرج فى نفس الوقت: لكن أنا ما بأعرفش أقرأ.
القروى: إمال لابس طربوش وعامل أفندى على إيه!!
فخلع الأفندى الطربوش وحاول أن يلبسه للقروى وهو يقول: آدى الطربوش ياسيدى إلبسه إنت وورينى إزاى حتقرأ العنوان!!
***
وعلى ذكر حكاية الطربوش، نسكن هنا فى بلاد الفرنجة فى منطقة يعيش بها عدد لا بأس به من الجالية اليهودية، وكان جارى اليهودى هو أفضل جار وكان الوحيد الذى أئتمنه على ترك مفتاح البيت ومفتاح السيارة عندما نسافر، ولكنه للأسف سافر للعمل فى بلد بعيد عنا وكان يوم وداعهم يوما حزينا، بكت فيه زوجتى وزوجته، وحتى الآن نحن على إتصال رغم بعد المكان والزمان.
المهم فإنه بحكم الجيرة فإن إبنتى الصغيرة لها صديقات يهوديات، وفى التقاليد اليهودية عندما يبلغ الصبى أو البنت سن الثالثة عشرة يقوم الأهل بعمل إحتفال مهم للإنتقال من مرحلة الطفولة إلى المراهقة، ويأخذ الإحتفال الطابع الدينى، فيبدأ الإحتفال فى المعبد اليهودى فى الصباح ويعقبه طعام الغذاء، وفى المساء تتم حفلة يتخللها عشاء.
فى الإسبوع الماضى تمت دعوتنا لحضور الحفل الخاص ببلوغ إحدى صديقات إبنتى عامها ال 13 وذهبنا صباح السبت إلى المعبد، وكانت أول مرة فى حياتى داخل معبد يهودى، وعند الدخول حاول شاب إعطائى طاقية صغيرة من التى يلبسها اليهود المتدينيون على رؤوسهم أثناء الإحتفالات اليهودية، وشكرت الشاب على أساس أننى لست يهوديا، ودخلت إلى المعبد وجلست مع زوجتى وإبنتى ولم يختلف المعبد عن الكنائس التى دخلتها من قبل سوى أن به عبارات عبرية على الجدران و يكاد يخلو من أى صور، وفوجئت بالحاخام يجئ من خلفى ومعه طاقية يهودية ويطلب منى بهدوء أن ألبس الطاقية إحتراما للمكان والإحتفال، فذكرت له أننى لم أتعود أن ألبس شيئا على رأسى، وإذا كان لا بد فإننى على إستعداد لمغادرة المكان، فذهب يشتكى إلى والدة الفتاة والتى رأيتها تجئ بطاقية أفخم وأحلى (ظنا منها أننى كنت معترضا على نوعية الطاقية!!)، فقمت من مكانى وأخذتها خارج المعبد وذكرت لها أننى لا ألبس أى طاقية حتى أثناء وجودى فى المسجد، فإعتذرت بشدة بأن هذه هى تقاليد المعبد، فقلت لها وأنا أحتراما لتقاليدكم سأغادر المعبد، وأخذت السيارة وذهبت إلى المنزل.
وبعد ساعة فوجئت بزوجتى تتصل بى بالتليفون وتقول لى: إلحقنى أنا فى عرضك، فقلت: خير حصل إيه، فقالت: الراجل الحاخام بقاله ساعة عمال يخطب بالعبرى، وأنا مش فاهمة حاجة، وزوغت منه بحجة إنى رايحة الحمام تعالى خذنى الله يخليك، وذهبت بالسيارة وأنقذتها، حتى عزومة الغداء زوغنا منها.
***
وبعد الغداء عادت إبنتى وهى زعلانة جدا منى وتقول: إيه المشكلة يعنى لو كنت لبست الطاقية، ده مجرد إحترام لدينهم، بالضبط زى لما تخش الجامع وتقلع الجزمة، حتى لو ما كنتش مسلم.
فقلت لها: أنا ما بأحبش أحط حاجة على راسى، وأنا حر فى راسى وده برضه من حقى زى ماهم من حقهم يتمسكوا بتقاليدهم. ثم أخذتها فى الغرفة لوحدنا ودار بيننا حوار من جانب واحد معظم الوقت:
أنا: تعتقدى لو الإنسان لم يلبس الطاقية فوق دماغه ربنا سوف يستجيب لدعائه وصلاته أم لا؟
إبنتى: طبعا سوف يستجيب
أنا: إنتى مؤمنة إن ربنا موجود فى كل مكان ولا لأ
إبنتى: طبعا موجود فى كل مكان
أنا: لو الإنسان قام بالصلا ة فى حديقه أو فى غرفة نومه أو حتى فى حمامه ‘ تعتقدى إن ربنا سوف يستمع إلى صلاته أم لا؟
إبنتى: أكيد حيسمع
أنا: المساجد والكنائس والمعابد، هى أماكن للإجتماع (حتى أن المسجد يطلق عليه جامع لأنه يجمع الناس)، أما عبادة الله والتقرب إليه فهى جائزة فى كل مكان وبأى لبس، والحقيقة أن أماكن العبادة هى من مخلفات العبادات الوثنية، عندما كان الناس يتقدمون للإلهة المختلفة بقرابين وأصنام، وكان كهنة المعابد "يلهطون" جزءا من تلك القرابين.
إبنتى: ولكن تظل هذه الأماكن لها إحترامها وقدسيتها.
أنا: متفق معاكى ولكن القدسية الحقيقية يجب أن تكون لله فقط، لا للمكان ولا للطاقية ولا للذقن، عارفة ليه فى الجيش الجنود بيلبسوا زى موحد ويغطوا رأسهم بطاقية موحدة ويحلقوا شعرهم بطول واحد، وينادون بعضهم البعض برتبهم العسكرية وليس بأسمائهم، تعالى هنا ياعسكرى، حاضر ياحضرة الشاويش، روح هناك ياشاويش، حاضر ياحضرة الظابط!!
إبنتى: لماذا؟
أنا: لكى يسهل السيطرة عليهم، لأنه فى وقت من الأوقات سوف يطلب منهم أن يذهبوا للحرب وربما إلى الموت بدون تفكير، لذلك يجب نزع الشعور الفردى منهم تماما ، وأذكر أننى فى مرحلة التدريب الأساسى عندما كنت مجندا فى الجيش المصرى أخذ قادتنا خلال عدة أشهر من التدريب المتواصل فى تحويلنا إلى أرقام وإلى أدوات فى آلة الحرب الجهنمية.
إبنتى: آه!!
أنا: إنتى عارفة ليه أيام "هتلر" كان بيحولوا الشباب الألمانى صغير السن إلى روبوت، يلبسوا قمصان لون واحد ويحلقوا شعرهم بشكل واحد ويحيوا بعض تحية واحدة (هايل هتلر)، حتى يتحول الشاب منهم إلى مجرد إنسان آلى وإلى آلة قتل منظمة عند صدور الأوامر بذلك.
إبنتى: آه صحيح!!
أنا: إنتى عارفة ايام الأحزاب الشيوعية، كانوا ينادوا بعض بكلمة (رفيق)، لابد من نزع الإحساس بخصوصية الفرد من كل التشكيليات العقائدية لكى يسهل على القادة السيطرة، ربنا كان قادر يخلقنا كلنا شبه بعض، وحتى كان ممكن يخلقنا وعلى راسنا طواقى جاهزة وحجاب جاهز وهو قادر على هذا، لكنه خلقنا مختلقين، وكل شخص عالم بذاته، حتى بصمة الأصابع مختلفة، بصمة الصوت مختلفة، شكل حدقة العين لا تتكرر، وسبحان الخالق، ربنا كان مصمم ما يكونش واحد شبه التانى أبدا، حتى التوأم المتطابق تجدى بصمتهم مختلفة .
إبنتى: آه عندك حق!!
أنا: حتى الجماعات الإسلامية المتطرفة دلوقت بتعمل نفس الشئ، الشاب لا بد أن يربى ذقنه طول معين، ويلبس طاقية بشكل معين، ويلبس جلباب بطول معين، والمرأة لابد أن تغطى شعرها بشكل معين وتلبس هدوم بطول معين وألوان معينة، وينادوا بعضهم البعض ب (الأخ) و (الأخت)، ويحيون بعضهم بتحية معينة، كنا زمان نرد على التليفون ونقول:آلو، أو صباح الخير أو مساء الخير، أو إزيك يافلان، أما الآن فكل هذا قارب على الإختفاء الآن هناك رد واحد: السلام عليكم، مثلما يردون على التليفون فى إسرائيل: شالوم، المهم أن يتحول كل الناس إلى يصبحوا شبه بعض شكلا وموضوعا، ولكى يصبحوا مثل القطيع يسهل قيادتهم، حتى من الممكن أن
تقودهم بسهولة إلى أى مكان، حتى لو كان إلى حتفهم.
***
إبنتى: مش كفاية المحاضرة المملة دى بقى!!
...................
المهم مش الطربوش، المهم تكون بتعرف تقرأ!!