الديمقراطية والإسلام توأمان في الدستور العراقي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
نشرت صحيفة الصباح العراقية بتاريخ 23/8 المسودة النهائية للدستور العراقي الدائم. لكن المسودة المذكورة وجهت ضدها اعتراضات من قبل عدد من الأطراف العراقية السنية والشيعية، وحتى من قوى علمانية. ثم توجت تلك الاعتراضات برفض التصديق على المسودة من قبل ممثلي العراقيين السنة في لجنة كتابة الدستور. ويعول العراقيون المعارضون للمسودة على الاستفتاء القادم لإفشال الوثيقة الدستورية.
السطور التالية ستعالج، حصرا، قضية واحدة في مسودة الدستور هي، قضية الديمقراطية والإسلام، مثلما ورد ذكريهما في مسودة الدستور. وهدفنا هو، معرفة هل أن موقف مسودة الدستور من الديمقراطية والإسلام هو السبب الرئيسي الذي أعتمد عليه الرافضون والمعترضون، أم أن أسباب الرفض تعود إلى قضايا أخرى ؟
سنبدأ بالملاحظات التالية التي يمكن استنتاجها بعد قراءة مسودة الدستور، ومعاينة مواقف المؤيدين والمعارضين لهذه الوثيقة الدستورية.
أولا/ إن الخلافات الحادة التي تعصف، منذ سقوط نظام صدام حسين، بجميع الفرقاء العراقيين، والتي انعكست الآن، بشدة، على مواقف المؤيدين والمعارضين لمسودة الدستور الحالية هي، في الجوهر، خلافات مطلببة/ مذهبية/ أثنية، تتعلق في كيفية تقاسم مراكز النفوذ والثروة الوطنية والسلطة السياسية، وفقا لرؤية كل طرف من الأطراف العراقية المتنازعة.
ثانيا/ إن هذه الخلافات ليست ذات طبيعة دينية إسلامية عقائدية. بمعنى آخر، إن هذه الخلافات لم تنشب بسبب موقف الدستور من تطبيق أو عدم تطبيق الشريعة الإسلامية، أو بسبب موقف الدستور إزاء الإسلام: هل هو مصدر أساس أو المصدر الأساسي في التشريع. وهذه الخلافات ليست لها علاقة، أيضا، بالموقف إزاء طبيعة النظام السياسي القادم: هل ستكون الحكومة ثيوقراطية أم ديمقراطية علمانية. وحتى ندعم وجهة نظرنا، يتوجب علينا أن نعيد قراءة ما ورد في الدستور، وعلينا، كذلك، أن نحدد الأسباب التي أعتمدها الرافضون للوثيقة المذكورة.
الديباجة
من يتمعن في الصياغة اللغوية التي كتبت بها الديباجة وبقية مواد الدستور، ومن يتمعن في الدلالات الفلسفية والسياسية التي تضمنتها المفردات اللغوية، يجد أنها مصاغة وفقا لمفاهيم وضعية دنيوية علمانية، تستمد جذورها من الإرث العلماني السياسي العالمي، ومن الإنجازات التي حققتها البشرية، سواء تلك التي تحققت على أرض الرافدين قبل ظهور الإسلام، أو تلك التي تحققت في أجزاء مختلفة من العالم غير الإسلامي، أي في القارة الأوربية والاميركية، وغيرها من بلدان العالم. إنها لغة ومفاهيم حداثوية منفتحة، تتقاطع كثيرا، إن لم نقل جذريا مع تفكير وفلسفة ورؤى حركات الإسلام السياسي الناشطة هذه الأيام، خصوصا الحركات السلفية المتطرفة. بل، بأمكان القول أن اللغة التي كتب بها الدستور، وفلسفة الحكم التي أعتمد عليها، تمتان بصلة إلى الفكر الأوربي ما بعد عصر التنوير، وإلى فلسفة أنظمة الحكم الديمقراطية الأوربية الحديثة، أكثر من صلتهما بالتراث الإسلامي، ونظم الخلافة الإسلامية بكل أنواعها.
ولو دققننا في قراءة السطر الأول من الديباجة، لوجدناها بمثابة عرفان وتمجيد بما حققه العراقيون قبل ظهور الإسلام، أي العراقيون السومريون والآشوريون والآكديون من "أبناء وادي الرافدين... رواد الحضارة وصناع الكتابة ومهد الترقيم" الذين كتبوا مسلة حمورابي القانونية، أو الذين، كما تقول الديباجة، "سنوا أول قانون وضعه الإنسان".
واضح، إن ديباجة الدستور العراقي تنئ بنفسها، ومنذ السطر الأول، عن فكر الحركات الأصولية السلفية الإسلامية، الذي يشطب على كل الإنجازات البشرية التي تحققت قبل ظهور الدين الإسلامي، ويعتبرها من أنواع الشرك والكفر.
ولنا أن نقارن بين الطريقة التي تمجد فيها مسودة الدستور العراقي مسلة "المشرك" حمورابي "أول قانون وضعه الإنسان"، وبين ما فعلته حكومة حركة طالبان بالمعابد البوذية، حتى ندرك مدى الانفتاح في عقلية كاتبي الدستور العراقي، وانغلاق عقلية قادة ومرشدي حركة طالبان الإسلامية، ومن يساير ويؤيد أفكارهم.
لكن هذه الديباجة نفسها تتضمن إشارات مذهبية "شيعية" مثل: «... الأئمة الأطهار... مراجعنا العظام... مواجع القمع الطائفي من قبل الطغمة المستبدة ضد الأغلبية".
الاعتراضات التي أبداها الزعماء العراقيون السنة ضد الديباجة كانت بسبب هذه العبارات الأخيرة لأنهم اعتبروها إشارة إلى معاناة طائفية محددة، أي شيعية، مثلما رأوا أن الديباجة، عندما تذكر تلك العبارات، إنما تقسم العراقيين إلى أقلية وأكثرية، وهو أمر قالوا إنهم يرفضونه.
إما، ما عدا ذلك، أي تمجيد الإرث الحضاري في وادي الرافدين قبل ظهور الإسلام، فلم يجد اعتراضا من قبل زعماء العراقيين السنة، ولا من أي جهة عراقية أخرى من المعترضين. هذا يعني أن زعماء الشيعة الذين كتبوا ديباجة الدستور، ومواطنيهم زعماء السنة الذين عارضوها، يتفقون على أن الزاد الروحي للفرد العراقي هو، مزيج من حضارة وادي الرافدين، ليس ما بعد ظهور الإسلام فقط، وإنما قبل ظهور الإسلام، أيضا. وهذا التفكير العراقي الشيعي/ السني لا نجده عند الحركات الإسلامية الأصولية التكفيرية، التي تضع قطيعة حاسمة بين الديانة الإسلامية، وبين جميع ما سبقها. بل ما كنا نجده حتى في تفكير الإسلاميين المعتدلين في العراق نفسه. فقد ظل الاهتمام بالحضارات العراقية القديمة حكرا على المثقفين العلمانيين، ولم نسمع سابقا أن رجل دين عراقي شيعي أو سني أرتقي المنبر ومجد من فوقه مآثر وأمجاد وإنجازات حضارات وادي الرافدين قبل ظهور الإسلام.
الوضعي والديني في الدستور
وعندما نصل إلى باب "المبادئ الأساسية" في مسودة الدستور العراقي، فأننا نجد أن المسودة تؤكد، وربما بطريقة لا مثيل لها في أنظمة الحكم في الدول العربية والإسلامية، قديمها وحديثها، على الديمقراطية، كمنهج في الحكم وكفلسفة للحياة. فالمسودة تضع الديمقراطية والإسلام على قدم المساواة.
تقول المادة الثانية في الباب المذكور:
أولا/الإسلام دين الدولة الرسمي، وهو مصدر أساس للتشريع:
أ - لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام
ب - لا يجوز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية
هاتان الفقرتان تتعاملان مع الإسلام والديمقراطية بأعتبارهما توأمين سياميين لا يمكن فصلهما. وهذه رؤيا واقعية تكشف عن نضج سياسي. فواضع المسودة يدرك جيدا أنه يكتب دستورا لمجتمع غالبيته العظمى من المسلمين، وبالتالي لا يمكنه أن يتجاهل هذه الحقيقة. أي لا بد له أن يؤكد على أن يضمن الدستور "الحفاظ على الهوية الإسلامية لغالبية الشعب العراقي"، وعلى أهمية الإسلام باعتباره "دين الدولة الرسمي"، و"لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام".
لكن
كاتب المسودة عاد فوضع ثوابت أحكام الإسلام على قدم المساواة مع "ثوابت أحكام" الديمقراطية. فمثلما لا يسمح الدستور بسن قوانين تتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام، فأنه لا يسمح، أيضا، بسن قوانين تتعارض مع مبادئ الديمقراطية. هذا يعني أن مسودة الدستور العراقي ساوت بين الإسلام كدين سماوي، من جهة، وبين الديمقراطية، كمعطى وضعي من صنع البشر، من جهة مقابلة. وهذه الفقرة وحدها تكفي لتأليب جميع الحركات الإسلامية التكفيرية ضد مسودة الدستور العراقي، وتدفع هذه الحركات إلى القتال حتى النفس الأخير من أجل عدم تمرير مسودة الدستور.
الآن، نسأل: هل كانت هذه المادة سببا من أسباب المعترضين العراقيين على مسودة الدستور ؟
نحن لا نعتقد ذلك. فقد أوضح المعترضون، أو ما يطلق عليهم الإعلام تسمية "المغيبين"، أن اعتراضاتهم الرئيسية هي: عدم تضمين ديباجة الدستور نصوص تشير إلى السنة والشيعية، ولا للأكثرية والأقلية؛ اعتراضهم ضد الفيدرالية للمناطق الشيعية؛ التأكيد على هوية العراق العربية؛ إعادة النظر بقانون إجتثاث البعث؛ أن ينص القسم الذي يؤديه المسؤولون، على الحفاظ على وحدة البلاد؛ صلاحيات محافظات الحكم الذاتي.
وكما هو واضح، فأن هذه الاعتراضات كلها ليست لها علاقة بالمادة التي لا تمنع سن قانون يتعارض مع المبادئ الديمقراطية. وهنا، أيضا، يلتقي العراقيون الشيعة والسنة، ومعهم بقية المكونات العراقية، على التأكيد على احترام وتطبيق الديمقراطية في الدستور الدائم. أي، أن خيار الديمقراطية هو قاسم مشترك، يوحد العراقيين ولا يفرقهم.
كيف سيكون مستقبل الديمقراطية عندما تسوى الخلافات المطلبية ؟
لنفترض أن الخلافات المطلبية الشيعية السنية التي ذكرناها توا، ستجد طريقها إلى الحل غدا أو بعد غد. فكيف سيتم التعامل مع المادة المتعلقة بالمبادئ الديمقراطية ؟ هل ينظر إليها العراقيون الديمقراطيون العلمانيون على اختلاف قومياتهم وأديانهم وطوائفهم ومناطقهم،
والإسلاميون المتشددون على اختلاف طوائفهم، بعين واحدة ؟
بالتأكيد، نحن نعرف، أن هناك تساؤلات إشكالية ستثار حول هذه النقطة. فبعض الديمقراطيين العلمانيين سيقولون: وما فائدة الديمقراطية، إذا كانت هناك فقرة تنص على عدم جواز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام. وسيقول بعض الإسلاميين: وما فائدة النص على ثوابت أحكام الإسلام، إذا كانت هناك فقرة تنص على عدم جواز سن قانون يتعارض مع المبادئ الديمقراطية.
إن المسألة كلها تتعلق، هنا، بالفلسفة القديمة نفسها: هل الكأس مملوء إلى نصفه أو فارغ إلى نصفه.
العلمانيون الديمقراطيون المتفائلون سيقولون إن كأس الدستور العراقي مملوء إلى نصفه بالديمقراطية، بينما سيرى نظرائهم المتشائمون العكس. وسيقول الإسلاميون المعتدلون أن كأس الدستور مملوء إلى نصفه بالشريعة الإسلامية، بينما سيقول المتشددون، عكس هذا القول.
إ نها تسوية compromis كان لا بد من السير عليها لكي ينهض العراق على قدميه. وهي تسوية مطلوبة وضرورية، ليس في هذا المجال، فحسب، وإنما في جميع المجالات.
إن المهم في مسودة الدستور العراقي هو، أنها فتحت الطريق أمام الديمقراطية والإسلام ليتعايشا معا.
وإذا ظلت هذه المادة في الدستور، سواء بصيغته الحالية، أو بصيغة أخرى يتوصل إليها العراقيون بعد الاستفتاء، فأن الصراع في العراق سيكون شديدا في قادم الأيام، بين القوى الديمقراطية من جهة، وبين القوى الإسلامية المتشددة، من جهة أخرى. إذ سيسعى كل طرف إلى ترجيح الكفة أو الفقرة التي يميل إليها. الإسلاميون المتشددون، بكل طوائفهم، سيركزون على أحكام الفقرة " أ "، وسيقاومون سن أي قانون "ديمقراطي"، معتمدين في مقاومتهم على تفسيرهم لهذه الفقرة القائلة بمعارضة أي قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام. ومن جهتهم، فأن أنصار الديمقراطية سيركزون على الفقرة "ب"، وسيقاومون سن أي قانون يتعارض مع الديمقراطية، معتمدين، بدورهم، على تفسيرهم للفقرة المذكورة القائلة بعدم جواز سن قانون يتعارض مع المبادئ الديمقراطية.
لكن السؤال المطروح هو: أي الفريقين سينجح ؟
إن من العسير التنبوء والإجابة، من الآن، على هذا السؤال بطريقة واضحة وصارمة، أو بطريقة ميكانيكية. فهناك عوامل عديدة من شأنها ترجيح كفة هذا الطرف، أو ذاك. هناك عوامل ذاتية تخص نشاط وتكتيك كل فريق، وهناك عوامل أخرى، موضوعية تتعلق بالتطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي سيشهدها العراق في المستقبل.
فالمعروف، أن الديمقراطية عملية مخاض طويلة، شاقة ومعقدة. والديمقراطية لا تشيد بين ليلة وضحاها. والديمقراطية لا تنمو ولا تترسخ بفضل الإجراءات القانونية والتشريعية وحدها.
ولو تتبعنا مسيرة الديمقراطية في أوربا، لوجدنا أن أولى الإرهاصات الديمقراطية كانت قد بدأت في منتصف القرن السادس عشر، أي منذ أن بدأ التبشير بها على ألسن بعض المفكرين الأوربيين، وخصوصا، المفكر الفرنسي جان بودان Jean Bodin في كتبه الستة حول الجمهورية، التي نشرها في عام 1576 . ومنذ ذاك التاريخ، وحتى أيامنا هذه، فأن الدول الأوربية ذات الأنظمة الديمقراطية حاليا، شهدت حروب طاحنة ومعارك أهلية وثورات وأخرى مضادة وانقلابات عسكرية، وصعود حركات فاشية وتوليتارية. وخلال تلك السنوات نزفت أوربا أنهارا من الدماء، وبددت ثروات هائلة، قبل أن تصل إلى ما هي عليه الآن. وترافق كل ذلك مع ما شهدته أوربا من تغيرات اقتصادية واجتماعية وثقافية، كالثورة الصناعية، والثورة الفلسفية، وانتشار التعليم وتراجع مستويات الأمية، وإعلان لائحة حقوق الإنسان في فرنسا عام 1789 ، وظهور الدولة القوية القادرة على تقديم خدماتها العامة للمواطنين، وظهور المرأة إلى ميدان العمل، وسيادة السلم الداخلي والخارجي، خصوصا بعد أهوال الحربين العالميتين. كل تلك العوامل كانت عونا وحافزا لتعزيز مسيرة الديمقراطية في أوربا.
وحتى عندما نجحت الدول الأوربية في إقامة تجاربها الديمقراطية، فأن ذلك لم يتم بطريقة واحدة، ولا في وقت متزامن، وإنما عبر طرق مختلفة ومتعددة. فالفرنسيون شيدوا نظامهم الديمقراطي بطريقة تختلف عن تلك التي سلكها الإنكليز. وهولاء سلكوا طريقا ديمقراطيا يختلف عن ذاك الذي سلكه الإيطاليون، وهولاء توصلوا للنظام الديمقراطي بطريقة مختلفة عن تلك التي وصل بها الأميركيون، وهولاء شيدوا نظامهم الديمقراطي بطريقة مختلفة عن تلك التي بدأت تسلكها بلدان أوربا الشرقية بعد تخلصها من الأنظمة الشمولية، وهكذا.
ولهذا، فأن النظم الديمقراطية الحالية تختلف من بلد إلى آخر. لكن المهم هو، أن الإنجازات الديمقراطية في أوربا وفي غيرها من البلدان، أصبحت إرثا للبشرية كلها، تماما مثل الإنجازات التي تحققت في ميادين العلوم التطبيقية والنظرية والتقنية، وعلم النفس وعلم الاجتماع، وفي الميدان الإنثربولوجي.
لقد أصبحت الديمقراطية في أيامنا هذه، بمثابة "الكعبة" السياسية التي تتوجه إليها أنظار ملايين البشر، من أبعد نقطة في الاسكيمو إلى أبعد نقطة في أفريقيا.
وها هو الرضيع العراقي بدأ يزحف صوب النظام الديمقراطي. فهل يصل، معافى، إلى سن الفطام الديمقراطي ويصل مرحلة النضج، أم ينتكس ويصاب بالكساح قبل أن يخطو أولى خطواته، نتيجة الخلافات التي بدأت تتعمق بين العراقيين، وتنذر بحرب أهلية ستكون، إذا اندلعت، أبشع حرب يعرفها التاريخ؟ شخصيا، نرجح، ولكن بحذر شديد، كفة الشق الأول من السؤال، هذا إذا تم الوصول إلى تسوية للخلافات المطلبية الحالية، تقبلها جميع الأطراف العراقية.
وحجتنا التي نعتمدها في ترجيح كفة النظام الديمقراطي هي:
- إن العملية الديمقراطية بدأت، فعلا، داخل العراق، منذ أكثر من عامين، وعززتها الانتخابات البرلمانية والبلدية، مع ما رافق ذلك من ظهور مئات من منظمات المجتمع المدني، وحرية الصحافة، والتظاهر، وازدهار الحياة الحزبية.
- العراقيون الذين قاطعوا الانتخابات السابقة عادوا فأعلنوا عن مشاركتهم في الانتخابات القادمة، إدراكا منهم بأن الانتخابات هي الطريق الديمقراطي السلمي والسليم للتعبير عن أرائهم.
- إن خلافات العراقيين الحالية حول مسودة الدستور، لا تتعلق بالموقف إزاء قبول ورفض الديمقراطية. فما من فريق عراقي أعلن رفضه لمسودة الدستور بسبب ديمقراطيتها. وجميع الخلافات الرئيسية تتعلق، كما قلنا في البداية، بتحقيق العدالة ورفع الظلم. فبعض زعماء الشيعة يصرون على الفيدرالية، لأنهم يجدونها الحل الأمثل لرفع مظلومية تاريخية. وبعض زعماء السنة يرفضون الفيدرالية لأنهم يجدونها بداية لتقسيم العراق. والكورد يطالبون بالفيدرالية معتمدين في ذلك على خصوصيتهم التاريخية. والتركمان يروون أن الفيدرالية الكوردية ستسلبهم مدينة كركوك. والمسيحيون يسعون إلى اعتراف أكبر بهم، والصابئة واليزيديون يقولون أنهم همشوا، وهكذا.
وهذه كلها مطالب مفهومة، رغم تباينها الحاد. فالعراق لجميع العراقيين، وليس لفئة واحدة. ومن حق كل طرف عراقي أن يطرح تصوره لمستقبل بلاده. ومهما كانت هذه المطالب شائكة ومعقدة، وكثيرة التباين، فأنها ستجد حلولا لها، شرط أن تتوفر لدى جميع العراقيين الحكمة والشجاعة، والعمل وفق رؤيا تسامحية، واقعية، و تسووية، ترفض شعار: أما كل شيء، أو لا شيء.