لذا كتبت هذا المقال!!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
بسم الله الرحمن الرحيم
فى استرجاعنا لبداية انتفاضة الحجارة أرانى صديق صورة منشورة فى الصحف المصرية لطفل فلسطينى صغير يطارد جنديا اسرائيليا مدججا بالسلاح. الجندى الاسرائيلى يجرى موليا ظهره بينما يلاحقه الطفل الفلسطينى الصغير بالحجارة. كل من رأى الصورة أنبهر بشجاعة الطفل الفلسطينى وجبن المقاتل الاسرائيلى الذى يفر أمام طفل صغير لا يملك الا بعض الطوب. التعليقات على الصورة زايدت فى تطرفها على المقال المصاحب للصورة. ظللت ساكتا . طلبوا منى التعقيب، قلت ان كلامى لن يعجبكم. وتكلمت فلم يعجبهم ما قلت.
قلت لهم ان احدى مشاكلنا الثقافية أننا مستغرقون فى عبادة الذات بحيث لا نرى غيرنا مستحقا لأى اعتبار. احتكرنا لأنفسنا كل الفضائل والمناقب وحرمنا غيرنا منها، فاذا كان عدوا لنا فهو شيطان رجيم وشرّ محض لا مجال فيه لأى خير. ولهذا نرى دائما جانبا واحدا من الصورة هو الذى يخصنا– هذا اذا شملت الصورةغيرنا معنا. اما اذا كانت الصورة لنا وحدنا فاننا أيضا لا نرى فيها الا الجانب المريح المشرق ونتجاهل الجانب الآخر الذى يجب معرفته وتشخيص دائه وعلاجه.
قلت لهم ان صورة الجندى الاسرائيلى المدجج بالسلاح والذى يجرى أمام طفل صغير فلسطينى يرشقه بطوبة – هذه الصورة تعبر أكثر عن نبل الجندى الاسرائيلى الذى كان يستطيع أن يقتل الطفل او أن يطلق الرصاص حوله لمجرد ارعابه واخافته، الا أن الجندى لم يفعل ذلك وهو قادر عليه مما يدل على نبل اخلاقه. بل ان الطفل الفلسطينى يعرف ان الجندى الاسرائيلى المسلّح لا يمكن أن ينهره أو يخيفه لذلك تشجع ورماه بالطوبة وطارده بها. هذا هو الجانب الذى لم تروه فى الصورة. رأيتم ما يعجبكم وعميت أنظاركم عما لا يروق لكم. ان كراهيتكم لاسرائيل جعلتكم تنسون أوامر القرآن الكريم بتحرى العدل فى القول حتى لو كنا نتحدث عن عدو لنا. ان الله تعالى يقول لنا :" وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى." المائدة 8)
قالوا اذن أنت تدافع عن اسرائيل.
قلت وهذا ملمح آخر من ملامح المرض الثقافى الذى تعانون منه، انه رفض العلاج والتهرب منه بالهجوم على الطبيب المعالج بأساليب شتى للهروب من التشخيص السليم الذى يقدمه لكم. اننا هنا لا نتحدث فى متاهة الصراع العربى الاسرائيلى ولكن عن نقطة محددة فيه تمثلها تلك الصورة وهى محل نقاشنا، وانتم تعرفون ذلك ولكن تتهربون من مواجهة عيوبكم بالهجوم على الصديق الذى أوضح لكم مساوىء المنهج التفكيرى لديكم. انكم لا ترون فى الخصم الا شيطانا مريدا ولا ترون فى أنفسكم الا ملائكة لا تخطىء. تبحثون عن كل مثالب عدوكم، بل تحولون مزاياه الى عيوب، وفى نفس الوقت لا ترون فى أنفسكم الا الخير كله. انتم بذلك ترفضون الاصلاح،لأن الاصلاح يبدأ بالاعتراف بالمرض أو الخطأ ولا يبدو أنكم جاهزون لهذه المرحلة خصوصا وقد تكرر منكم فى هذه الجلسة عبارة "كفى لجلد الذات" أى تعتبرون نقدى لبعض مظاهر الخطأ وعيوب التفكير بأنه " جلد للذات " مع ان ما أفعله هو لعلاج و احياء للذات وانقاذ لها. اننى أهدف أولا وأخيرا الى الاصلاح بالقرآن، والقرآن يأمرنا بقول الحق حتى لو كان فى جانب عدو لنا، ويجب علينا اتباع القرآن دون مناقشة اذا كنّا فعلا نؤمن به. أما الهرب من طاعة القرآن بالتشكيك فى وطنية الداعية بالقرآن فهذا يحمل اتهاما ضمنيا لكم بالتهرب من طاعة الله تعالى فى كتابه. ثم ان منهج الاصلاح يؤكد على أننا اذا بدأنا باصلاح عيوبنا فلن يكون لنا متسع للتفرغ فى نقد الآخرين وتعداد مساوئهم بالحق أو بالباطل.
خيّم عليهم السكوت برهة، كان واضحا فيها انهم يبحثون عن مخرج يحفظ لهم ماء الوجه. اخيرا ابتسم احدهم، وقد عثر على حفرة يوقعنى فيها ويخرج باصحابه منتصرا. قال لى: لقد قلت اننا لا نرى فى الخصم الا شيطانا مريدا خاليا من أى نزعة خير. لا شك أن شارون هو خصمنا الأكبر، فهل ترى فيه خيرا بعد كل ما فعله فى العرب ؟
قلت : هذا أيضا نظرة أحادية الجانب ومن وجهة نظرك كعدو له اذ تحكم عليه حكما مطلقا بأنه شيطان مريد. ليست هذه موضوعية. كل انسان لا يخلو من خير ومن شر. كل نفس بشرية ألهمها الله تعالى الفجور والتقوى، يسرى ذلك على صفوة البشر وهم الأنبياء عليهم السلام كما يسرى على كل انسان حتى حسنى مبارك وشارون. اذا أردت أن تعرف الجانب السىء فيك فاسأل عدوا لك يفكر بطريقتك الأحادية، سيقول عنك مثلما تقول أنت عن شارون. أما اذا سأل الست والدتك عنك فستقول فى مدحك أشعارا قد تتفوق فيها على المتنبى طبقا للمثل القائل " القرد فى عين أمه غزال ".
اذا أردت أن تعرف الجانب الايجابى عند حسنى مبارك فاسأل عنه ابناءه المرفهين وأصهاره المقربين، ولا تسأل ضحاياه المقهورين. اذا أردت أن تعرف الجانب الايجابى عند شارون فاسأل مواطنيه الاسرائيليين الذين انتخبوه وهو يقوم بخدمتهم فى منصبه السياسى.
قلت : ان مشكلتنا فى التفكير السياسى اننا نتكاسل ونطلب من المجتمع الدولى أن يقوم بمسئولياته بالنيابة عنا، ونتصور ان حكام العالم يجب أن يعملوا لمصلحتنا نحن وليس لمصلحة شعوبهم التى انتخبتهم واختارتهم لخدمتها وليس لخدمتنا، فاذا حدث تعارض فى المصالح أو عداء نقمنا على عدونا أنه يعمل لمصلحة دولته وشعبه، ولهذا ننقم على شارون اخلاصه فى خدمة قومه. الأفظع ان الذين من المفترض فيهم ان يخدمونا وأن يدافعوا عن مصالحنا – وهم السادة الحكام العرب – لا يخدمون سوى مصالحهم، ومع هذا فنحن نصفق لهم ونقول :"بالروح بالدم نفديك يا برعى ". نعلم ان برعى أكبر عدو لنا - رغم أنه من بنى جلدتنا - ومع ذلك لا نقول عنه انه شيطان مريد، ونلعن شارون بدلا منه.
شارون لم يقتل من المصريين ربع ما قتله عبد الناصر منهم فى حروبه الباكية الكوميدية أو فى معتقلاته الدامية. ولم يعذب المصريين ولم ينهب أموالهم مثل مبارك. شارون لم يقتل من الفلسطينين فى الحروب مثل العدد الذى قتله الملك حسين، ولم يعذبهم مثلما عذبتهم وتعذبهم السلطة الفلسطينية والأنظمة العربية، بل ان الفلسطينى داخل اسرائيل يتمتع بحقوق لا ينالها اخوه الفلسطينى فى الضفة والقطاع، ولا يحلم بها المصرى داخل مصر أو أى مواطن عربى آخر داخل بلده الأصلى. الفلسطينى – أو العربى - فى دول الخليج وغيرها لا يأخذ جنسيتها مهما عاش فيها، بل لو ولدته امه فيها لا ينال جنسيتها ويظل فيها غريبا طول عمره، يظل أجنبيا برغم الصراخ المستمر باسم العروبة والاسلام والأمة الواحدة، بينما فى الدول الديمقراطية التى لا تتكلم عن العروبة والاسلام – ومنها اسرائيل – لا يحدث هذا أبدا.
لا شك فى وجود بعض التجاوزات الاسرائيلية فى معاملة بعض العرب الاسرائيليين، وهذا متوقع فى ظل حالة الحرب - المستمرة لأكثر من خمسين عاما - ومشاعر الكراهية المتبادلة بين الطرفين. الشكوك والخوف والترقب والعمليات الانتحارية- التى لا يستطيع أحد التكهن بها- هى التى تتسبب فى حدوث هذه التجاوزات. لكن اين تقع هذه التجاوزات فى محيط الاذلال والاستغلال والقمع والقهر الذى يقاسى منه كل مواطن عربى داخل بلده أواذا كان ضيفا فى بلد عربى "شقيق "؟. كان المتوقع مع قيام الحكم الذاتى الفلسطينى أن ينتقل مئات الالوف من الفلسطينيين الذين يعيشون فى اسرائيل الى الضفة والقطاع، لكن ذلك لم يحدث لأنهم أحسن حالا تحت حكم شارون من حالهم تحت حكم عرفات أو عباس او دحلان.
خيم صمت ثقيل كان واضحا فيه أننى قلّبت المواجع فيهم. بدأ حديث المصارحة والفضفضة عن السادة الحكام العرب فتحول المجلس الى مناسبة عزاء يعدّد المواجع والفواجع ويعقد المقارنات ويخمن المنهوب من المليارات ويسترجع غرائب القصص والحكايات من آلام المعذبين فى السجون الى ادمان ابناء الذوات للهيروين والأفيون.
قلت لهم أين الاعلام العربى من كل هذه المخازى؟ ان الاعلام العربى المملوك للسادة الحكام يركز فى الهجوم على الاسرائيليين والأمريكان و وذلك لتوجيه مخزون الغضب والاحباط نحو "عدو " خارجى بدلا من العدو المحلى وهو العدو الحقيقى الذى تتناقلون عنه كل هذه المخازى والجرائم ؟
قالوا : لماذا لا تقوم قناة "الحرة " الأمريكية بهذا الدور؟ عندما فكرت أمريكا فى انشائها ارتعبت أنظمة الحكم العربية ومثقفو الارهاب ودعاته. بعضهم تأهب للانصراف فرارا بجلده قبل أن تقوم " الحرة " بدورها. لكن مع كل ما تتمتع به الحرة من تسهيلات ودعم مالى فقد ولدت ميتة وتحولت الى ما يشبه قناة لبنانية محلية عديمة التأثير.
قالوا : أهذه القناة الميتة هى أداة أمريكا فى الاصلاح الديمقراطى ؟ أهذه القناة الميتة هى كل ما تستطيعه أمريكا القوة الأعظم فى العالم ؟
لم أجد الاجابة فبادرت بكتابة هذا المقال.