كتَّاب إيلاف

خطوة أردنية شجاعة نحو التضامن مع العراق!

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

الزيارة التي قام بها يوم السبت الماضي رئيس الوزراء الأردني الدكتور عدنان بدران إلى بغداد، وبرفقته وزير الخارجية فاروق القصراوي، ووزير الداخلية عوني يرفاس، ووزيرالتخطيط والتعاون الدولي سهير العلي، ووزير الطاقة والثروة المعدنية عزمي خريسات، خطوة شجاعة لا يمكن إعتبارها زيارة عادية بدون دلالات سياسية، وهي أول زيارة لمسؤول عربي على هذا المستوى لبغداد منذ الإطاحة بالنظام الديكتاتوري في العراق، وبالتالي فهي رسالة أردنية تتلو العديد من الرسائل على أعلى المستويات تعلن بوضوح الدعم الأردني الواضح لخيارات الشعب العراقي في الوقت الذي تتواصل المناقشات العراقية الداخلية حول مسودة الدستور العراقي، ويحتدم الجدل عراقيا وعربيا حول بعض بنود الدستور ومنها المتعلق بالنص على هوية العراق العربية، وإن كان من حق العراقيين مناقشة هذا البند، فليس من حق أحد بما فيه الجامعة العربية وأمينها العام التدخل في هذه النقاشات، فالنظام الداخلي للجامعة العربية ينص على عدم التدخل في شؤون أية دولة عربية، والمؤسف والمحزن أن الأمين العام للجامعة تساءل و تباكى على هوية العراق العربية التي من حق الشعب العراقي وحده مناقشتها، في حين أنه وجامعته مجتمعة لم تبادر للتدخل ضد الديكتاتور الذي أذاق الشعب العراقي عربا وأكرادا الويلات والمصائب، وهو نفسه الأمين العام الذي قبل سقوط نظام الديكتاتور منع وأوقف مناقشة إقتراح الشيخ زايد رحمه الله، الذي طالب الديكتاتور صدام مغادرة العراق، وكانت مواقف الجامعة العربية ليست عربية عندما إحتل صدام الكويت، لذلك ما زالت حتى الآن شبه قطيعة بين الأمين العام للجامعة العربية وبين دولتي الكويت والإمارات، علما أنه مجرد موظف لدى الدول العربية التي تشكل الجامعة العربية، كما قال رئيس الوزراء الكويتي الشيخ ناصر الأحمد الصباح قبل سنوات قليلة. والمحزن أن الجامعة العربية إتخذت قبل أيام قليلة قرارا جماعيا بالإعتراف بالوضع الجديد في موريتانيا بعد الإنقلاب الأخير الذي لم يمض عليه سوى أسابيع، في حين أنها تلكأت كثيرا حول الوضع السياسي الجديد في العراق بعد سقوط النظام الصدامي، الذي توج في يناير الماضي بإنتخابات عامة شارك فيها ملايين العراقيين عربا وكردا رغم محاولات الإرهابيين تعطيلها، وحتى الآن لم تتخذ موقفا واضحا صارما يعلن شرعية الحكومة العراقية وإدانة الإرهاب اليومي الذي يتعرض له الشعب العراقي بكل قومياته وطوائفه.

من هذا المنطلق تأتي زيارة رئيس الوزراء الأردني في توقيتها المناسب والشجاع لتقول للعرب : يجب إحترام خيارات الشعب العراقي أولا وأخيرا، فكل شعب هو المسؤول عن خياراته السياسية، لأن زمن الوصاية القومجية العروبجية إنتهى منذ وفاة جمال عبد الناصر وأخيرا بسقوط النظام الصدامي البعثي، وهذا ما يفسر الإهتمام العراقي بالزيارة الرسمية الأردنية في هذه الظروف الصعبة، حيث إجتمع الوفد الأردني مع رئيس الوزراء العراقي الدكتور إبراهيم الجعفري والنائب الأول لرئيس الجمهورية الدكتور عادل عبد المهدي،حيث تدارسوا كافة الملفات الأردنية العراقية خاصة الإقتصادية والأمنية وكذلك التطورات على الساحة العراقية، حيث جاءت الزيارة الرسمية الأردنية في الوقت الذي كان فيه الجيش العراقي والقوات الأمريكية تستعد لإقتحام معاقل الأرهابيين في تلعفر، مع تأكيدات وزيري الداخلية والدفاع العراقي أن العمليات سوف تستمر في كافة المدن العراقية لتحقيق الأمن والهدوء الكاملين للمواطن العراقي، في حين أن رئيس الوزراء الأردني أعرب عن أمله في مشاركة جميع العراقيين في تقرير مصير بلادهم من خلال المشاركة في العملية السياسية الجارية. وكما قلت في مقالات سابقة فإن مايجمع العراق والأردن أكثر بكثير مما يفرقهما، جاءت تصريحات رئيس الوزراء الأردني في مؤتمره الصحفي مع النائب الأول لرئيس الجمهورية العراقي الدكتور عادل عبد المهدي، لتؤكد على ( أن الشعبين الأردني والعراقي يتشاركان في الكثير من الأمور منها الديموغرافيا والجغرافيا والقرابة بين الشعبين فضلا عن المصالح المشتركة )، مؤكدا على ( تأييد مسيرة الديمقراطية في العراق وإحترام التعددية السياسية والإنتخابات وتمثيل جميع الأطياف العراقية في الوطن العراقي الواحد الموحد، سيصب في المصلحة المشركة للعراق والمنطقة العربية جميعها ).

إن إستقرار الوضع في العراق من مسؤولية الدول العربية جميعها، ومما يحدّ ويلجم الإرهاب والإرهابيين المزيد من الخطوات العربية الشجاعة التي تؤيد الوضع الجديد في العراق علنا، بدون تردد وبكاء ولطم حول عروبة العراق كما في مواقف الأمين العام للجامعة العربية، وكأن عروبة العراق تعني الحجر والشجر في العراق دون البشر، فمن تهمه عروبة العراق من المهم أن يلاحظ مسألتين: الأولى هي أن المواطن العراقي لن يشعر بإنتماء حقيقي للعروبة، إذا كانت بعض أقطار هذه العروبة لا يهمها حياته وأمنه وتصدّرله الإرهاب والإرهابيين أو تسهل مرورهم والتغاضي عنهم، كما ذكر وزير الدفاع العراقي الدول التي تسمح بدخول الإرهابيين من حدودها. والثانية هي أنه عندما نتحدث عن عروبة العراق، ليس من الإنساني والمنطقي ضمّ القومية الكردية بالقوة للقومية العربية، لذلك فمن حق من يتحدث عن العروبة في العراق، أن يعتبر أن العرب العراقيين جزء من الأمة العربية، هذاإذا أراد العراقيون ذلك، فممارسات الكثيرين من العروبيين جعلت الكثير من العراقيين يكفرون بالعروبة التي لا يمكن إلزام الجميع بها بالقوة، فالإنتماء يكون عبر القناعة فقط، وإلا ماهي دلالات أن بعض المفكرين والسياسيين المصريين يسعون لتأسيس حزب سياسي يعيد مصر إلى جذورها الفرعونية؟
ورغم كل دلالات هذه الزيارة، إلا أنّ الحركة الإسلامية الأردنية لم تعجبها هذه الزيارة، إذ صرّح جميل أبو بكر نائب أمين عام حزب جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، مطالبا الحكومة ب ( الإستناد إلى مبادىء الشعب الأردني ومصالحه العليا التي لا تنفصل عن مصالح الأمة )، وهذا الموقف النقدي من حق أي حزب أردني، وهو دليل واضح على إتساع هامش حرية الرأي في الأردن، ولكن في الوقت ذاته من الصعب أن نفهم أنّ مصالح الشعب الأردني تكون مع مقاطعة الحكومة العرافية وعدم التنسيق معها فيما يهمّ البلدين الجارين اللذين تجمعهما الديموغرافيا والجغرافيا كما قال رئيس الوزراء الأردني، وماهي مصالح الأمة؟ وأية أمة يقصد؟. إن كان يقصد الأمة العربية على فرضية وجودها، فهل مصالحها مع القطيعة بين الأشقاء وإستمرار التدمير والتخريب في واحد من أقطار هذه الأمة؟؟.

من هذه المنطلقات التي تؤكد على إحترام خيارات الشعب العراقي ودعم المسيرة الديمقراطية في العراق، تكتسب الزيارة الرسمية الأردنية أهميتها،لأنها تقول بشكل مباشر صريح جريء للإرهاب والإرهابيين، لا عودة لزمن ونظام ولّى وسقط، ونعم لما يخناره الشعب العراقي.....وتصوروا حجم الدعم للمسيرة الديمقراطية العراقية، لو زار بغداد على مدى إثنين وعشرين إسبوعا، رئيس وزراء دولة عربية كل إسبوع مؤكدا نفس التأكيدات، ومع الإحترام لجميع الأقطار، إلا أن وضع العراق الإستراتيجي وأهميته يستحق على الأقل بيانا جماعيا عربيا واضحا، كما فعلوا مع الوضع الجديد في موريتانيا!!!.

ahmad64@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف