كتَّاب إيلاف

هل ينجح القذافى فى العبور بليبيا نحو العالم الجديد؟

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

بعد ستة و ثلاثين عاما من الحكم المطلق

لا يمكن لأى منا ان ينكر ان عالما جديدا هو قيد التكوين.او ان يتجاهل هدير التفاعلات الاقتصادية و السياسية التى بدأت تبشر بملامح هذا العالم ،اوان يتعامى عن تلك الضوضاء التى عادة ما ترافق عمليات العبور على الجسور و التى تنبئنا بأن البشرية هى بالفعل على جسر تنتقل فيه من مرحلة فى تاريخها الى اخرى.وعند الانتقال بين المراحل التاريخية، يتخطى الانضمام الى قوافل العابرين ترف الاختيار ليصيراستجابة ضرورية" للحتمية التاريخية".ينطبق ذلك حتى على بلادنا الصغيرة القابعة بملايينها الخمسة على الشاطئ الجنوبى للبحر الابيض فقد صارت مزاحمتنا الآخرين على الجسر من اجل العبور البديل الوحيد عن الضياع فى اسواق المخلفات القديمة.
ذلك انه عند كل عملية انتقال تاريخى تظهر كيانات تكون قد استكملت شروط تأهلها للأنضمام للعالم الجديد على حساب كيانات اخرى تفنى لأنها لم تنجح فى استكمال نلك الشروط، ألأمر الذى يصبح اكثر خطورة عندما يكون هذا الكيان صغيرا، ثريا، وفى نفس الوقت محشورا بين كتلتين سكانيتين، تعانيان من نقص الموارد، و تفوقانه فى عدد السكان باكثر من خمسة و ثلاثين ضعفا.
وهنا.. لايمكن الحديث عن العبور بدون وضع الولايات المتحدة و سياستها تجاه ليبيا، والاستجابة الليبية لها فى بؤرة النقاش، ذلك و ان كانت البشرية كلها تعبر ألآن نحو العالم الجديد على جسر واحد، الا ان هذا الجسر و بحقائق الواقع هو من "صناعة امريكية". كما لايمكن ان يكون هذا الحديث جادا بدون محاولة التعرف على "الساحة الداخلية" و مدى تأثرها باجواء العبور التى اخذت تجتاح المنطقة، عن القوى السياسية الذابلة التى لا تجرؤ على النظر الى الأفق او الحديث عن المستقبل و تلك التى تستمد عافيتها من خلال الضياء القادمة من ذلك الأفق و ألأستغراق المتفائل فى المستقبل. ومهما امتد خلافنا مع العقيد القذافى و نظام حكمه سواء فى الزمن او الابعاد، الا اننا لا نستطيع ان نتجاهل كونه مسئولا عن امكانية انجاح العبور من عدمه، باعتباره اهم لاعب سياسى فى بلدنا الصغير، و كذلك ما يمثله بقاء هذا الكيان او فنائه من امانة لا يستطيع ان يتنصل هو شخصيا من تحملها.
و لأن استكمال الشروط من اجل العبور يتطلب اجراءات تتعدى مايمكن وصفه" بالأصلاح" الى تغييرات عميقة فى البنية الآقتصادية و السياسية، بعضها سيكون موجعا لأطراف صار لزاما عليها القبول بالعالم الجديد، كما سيكون لزاما على اطراف اخرى الضغط على آلامها من اجل تحقيق المصلحة العامة،فاننى سأحاول استخلاص "نموذج مبدئى للتغيير" يمكن ان نطوره نقاشا الى مشروع وطنى يضمن لبلدنا الصغير الانضمام الى قوافل العابرين. لذلك سأحاول من خلال جهد هو اقرب الى التفكير بصوت عال من الكتابة المنظمة المستكملة لشروط المقال السياسى ان اجيب على السؤال الذى اوردته فى العنوان" هل ينجح العقيد القذافى فى العبوربليبيا نحو العالم الجديد؟ فى ثلاثة اجزاء:

الأول: المبادرة.. وألأشتباك ألايجابى.
لأتناول فيه تطور العلاقات الأمريكية الليبية منذ مبادرة ليبيا بالتخلى عن اسلحة الدمار الشامل وتأثير ذلك على موضع ليبيا فى الساحة السياسية الامريكية.

الثانى: بوش.. لن يعطينا دروسا فى الديموقراطية.
للبحث فى الاستجابة الليبية للمؤثر الامريكى سواء فى الشارع او على مستوى النظام.

الثالث: العبور.. محاولة لرسم خطه.
وهى محاولة لتحديد من هم مع العبور ومن هم ضده و كذلك البحث عن النموذج الذى يمكن ان يقترح كورقة للنقاش من اجل احداث التغيير الذى يكفل التأهل للعبور.


3/1- المبادرة.. وألأشتباك الايجابى

على الرغم من ان المبادرة التى اعلنها"العقيد القذافى" فى التاسع عشر من ديسمبر 2003 كانت تتعلقفقط بتنازله الفورى و الكامل عن برامج تسلحه غير التقليدية ولم تتضمن اى تعهدات بخصوص تحسين احوال حقوق الانسان او الاصلاح السياسى فى بلده التى يحكمها بشكل مطلق منذ ست و ثلاثين عاما، الاان تلك المبادرة و ما تبعها من تداعيات قد وضعته و نظام حكمه امام اختبار حقيقى يتعلق بقدرته علىاحداث التغييرات الواجبة للحاق بعالم أخذ يتشكل حول دعوات الاصلاح الملحة والصادرة بقوة من عاصمته الجديدة.."واشنطن".
لقد جاءت تلك المبادره لكى تقر ولو فى ثناياها، انه لم يعد بمقدور" العقيد القذافى" الاستمرار فى تبنى سياسات مناوئة للولايات المتحدة الامريكية،بل لتعلن الأقرار بأن ليبيا" سوف تستجيب و لو بالتدريج للمتطلبات الامريكية" بشكل يضمن ابعاد شبح الصدام معها. ذلك ان مشهد القبض على صدام حسين قبل اربعة ايام من اعلان تلك المبادرة كان كافيا لتأكيد ان احداث الحادى عشر من ستمبر قد ربطت، و بشكل حاسم، لدى الامريكيين بين سلامة امنهم الوطنى و ضرورة ملاحقة الانظمة الاستبدادية فى المنطقة العربية، و بمدى يتخطى مواجهة سياساتها فقط الى امكانيةهدم بنية تلك الانظمة ولو عن طريق الاجتياح العسكرى بل والقبض على القائمين عليها و تقديمهم الى المحاكمة. كما ادى اعلان العقيد القذافى لتلك المبادرة، و بدون ان يكون ذلك مقصودا، الى وضع ملف ليبيا من جديد على الطاولة الامريكية بعد ان كان مهملا بين اكوام الملفات المنسية التى تزخر بها "واشنطن". وما ان دبت الحياة فى ذلك الملف حتى أخذ طريقه الى لجان الاستماع فى الكونجرس والى شهادات و تصريحات مسئولى وزارة الخارجية، والى مقالات الرأى و التقارير الصحفية فى كبريات الصحف، وكذلك الى الدراسات والندوات فى مؤسسات البحوث السياسية، ليتسع الاهتمام متخطيا، مثل كرة الثلج التى تكبركلما تدحرجت، موضوع المبادرة المحدد باسلحة الدمار الشامل الى سياسات النظام ثم الى طبيعته نفسها، ألأمر الذى وضع كافة جوانب الشأن الليبى تحت المجهر الامريكى.
لقد دشنت تلك المبادرة مرحلة جديدة من العلاقات الامريكية الليبية تقوم اساسا على طبيعة التوجهات الامريكية نحو المنطقة و موقع ليبيا و نظامها فيها.كما تم اعتماد اسلوب"الأشتباك الايجابى" الذى يعنى التحرك مع الحكومة الليبية خطوة خطوة مع التأكد من انها تفى حقا بتعهداتها عند كل خطوة ثم مكافأتها بشكل محسوب عند التحقق من ذلك، مع الحرص على زيادة التواجد الامريكى فى ليبيا بالتدريج باعتبار ان درجة النفوذ سوف تتناسب دائما مع حجم التواجد، واخيرا ابقاء كل الملفات القديمة خاصة السلبية منها فى متناول اليد، و تبلورت سبعة اهداف حددها المهتمون بذلك الملف باعتبارها تشكل اسس السياسة الامريكية تجاه ليبيا فى هذه المرحلة :

اولا: ضرورة استكمال ليبيا لعمليات التخلص من اسلحة الدمار الشامل بالكامل مع التوقف نهائيا عن اى محاولات للعودة الى محاولة انتاجها او الحصول عليها وكذلك تسليم كافة المعلومات عن الاطراف التى قامت بتزويد ليبيا بمواد وتقنيات هذه الاسلحة واخيرا وضع ترتيبات دائمة لمراقبة النشاط الليبى فى هذا المجال من قبل مراقبين أمريكيين و بريطانيين.

ثانيا: توقف ليبيا عن دعم الارهاب و قطع كافة العلاقات بالمجموعات التى تصنفها واشنطن على انها ارهابية، وتقديم كافة المعلومات المتوافرة لدى اجهزتها الأمنية التى قد تساعد فى كسب الحرب المعلنة ضد الارهاب.

ثالثا: وقف تدخلات ليبيا السلبية فى القضايا الاقليمية سواء فيما يخص الصراع الفلسطينى الاسرائيلى، او النزاعات فى افريقيا و آسيا، ووقف دعم كل الاطراف السياسة التى تصنفها واشنطن كأطراف تزعزع الاستقرار او تحول دون حل الأزمات.

رابعا: قيام ليبيا بالاصلاحات الضرورية من اجل تطوير الاقتصاد الليبى لتمكينه من استقبال الاستثمارات الامريكية وكذلك رفع مستوى معيشة السكان مما يخلق سوق اقتصادية نشطة تمكن ليبيا من الانضمام الى الاتفاقيات والمنظمات التجارية الدولية، ألأمر الذى عبر عنه "وليم لاش" نائب وزير التجارة الامريكية عندما صرح فى طرابلس"نأمل ان يساعد حوارنا الاقتصادى فى تشجيع الاصلاحات الاقتصادية فى ليبيا، وفتح اسواق جديدة للشركات الامريكية، و تحسين نوعية الحياة للمواطنين الليبيين".

خامسا: العمل على عودة الشركات الامريكية الى منابع النفط الليبية باعتبارها تشكل احتياطيا آمنا يمكن الاعتماد عليه فى حالة استمرار الامور فى منطقة شرق السويس فى التدهور و تعرض امداداتها النفطية للخطر.

سادسا: ضرورة تبنى الحكومة الليبية للأصلاح السياسى بدء من احترام حقوق الانسان و سيادة القانون، وصولا الى العمل على بناء الحكم الديمقراطى الذى تتحقق من خلاله الشفافية و المشاركة و المحاسبة باعتبار ذلك ضروريا لضمان كافة التعهدات و عدم العودة الى السياسات السابقة.

سابعا: ادخال الساحل الليبى على البحر الابيض ضمن منطقة عمليات قيادة القوات الامريكية فى اوروبا، مما يعنى ضرورة فتح هذا الساحل امامها للتدريب و التواجد والمرور ، ألأمر الذى وصفه الجنرال" تشاك ويلد " نائب القائد العام لهذه القوات بأنه "مهم ومفيد بدرجة فائقة".

وعلى الرغم من تحقيق التقدم على بعض تلك الاصعده فقد جاء تدشين الرئيس "بوش" لفترته الرئاسية الثانية على خلفية تعهده بالعمل على نشر الديمقراطية فى الشرق الأوسط وشمال افريقيا لتكسب موضوع الأصلاح السياسى فى ليبيا مزيدا من الاهمية لدى صانع القرار الأمريكى، ذلك انه لم يعد بمقدور الادارة التى تعهد رئيسها بالعمل على محاربة الاستبداد و مناصرة المناضلين من اجل الحرية فى العالم العربى احتضان النظام الليبى الذى يعد من اكثر الانظمة قمعا و استبدادا فى المنطقة مما سيسبب انهيار مصداقيتها حتى لو جاء ذلك مكافأة للتخلص من اسلحة الدمار الشامل اوبسبب الرغبة فى العودة الى منابع النفط الليبية.
ومن خلال الخبرة المستفادة من التعامل المباشر مع الجانب الليبى تم استخلاص ان وجود حكومة مسئولة فى ليبيا تمارس عملها بشفافية و تتولى سلطتها من خلال مشاركة شعبية فى عملية سياسية مفتوحه ستكون الضمان الوحيد لعدم النقوص عن التعهدات التى قدمت فى كل الاصعدة كما انها الارضية الوحيدة التى يمكن ان يقوم عليها الاصلاح الاقتصادى وضم ليبيا الى السوق العالمية.
كما بدأ تداول امكانية ان تكون ليبيا مثالا يتحقق فيه نجاح الجهد الامريكى لبناء"نموذج"7 دولة ديمقراطية حديثة سلميا فى العالم العربى، خاصة مقابل الصعوبات التى يواجهها المشروع الامريكى فى العراق، يأخذ طريقه و بتأثير من بعض المثقفين الليبيين، الى بعض اوساط راسمى السياسة الامريكية الذين بدأوا يتحدثون عن "النموذج الليبى" الذى سيتخطى ما فعلته ليبيا بتخليها عن اسلحة الدمار الشامل الى ما يمكن ان تفعله ان قررت تبنى" مبادرة ديمقراطية" تقفز بها امام كل الانظمة العربية المترددة فى اتخاذ اى خطوات حقيقية فى هذا الاتجاه.
و يستند انصارهذا المشروع الى مجموعة من العوامل التى يقولون انها تجعله يستحق موقع الصدارة فى جهد الادارة لأحداث التغيير فى المنطقه: فليبيا المتجانسة سكانيا، والقابعة على بحيرة من النفط تملك المقومات الديموغرافية و الاقتصادية اللازمة لبناء الدولة الحديثة.كما ان و قوعها ايضا غرب خط طول "الاسكندرية" يجعلها بعيدةعن مشاعر العداء لأمريكا التى تتأجج شرق ذلك الخط.كما ان وجودها وسط كتلتين سكانيتين رئيسيتين تمثلان ثلثى سكان العالم العربى، مائة مليون على وادى النيل و ثمانين مليونا فى المغرب العربى يجعل تحولها الى "رأس جسر" للديمقراطية تطور مهم بل و ضرورى لتحقيق الاصلاح السياسى فى محيطها. واخيرا.. فان تحقيق تحول ليبيا سلميا من " نظام استبدادى" الى دولة "ديمقراطية حديثة" سيكون له "تأثيرا انقلابيا" فى كيفية استقبال الرأى العام العربى للسياسة الامريكية الداعية للأصلاح فى المنطقة."

فى تجديدها للعلاقات الثنائية مع ليبيا، على الولايات المتحدة ان تستعمل نفوذها الذى تمتلكه الآن لدفع النظام الليبى ليكون لاعبا مسئولا ليس فقط على الساحة الدولية ولكن ايضا داخل حدوده، ان مواجهة هذا الاختبار هو امر حرج لبناء مصداقية الدعم المعلن من قبل الولايات المتحدة للأصلاح فى الشرق الاوسط و لتأكيد ان الدرس الذى ستستقيه الدول الأخرى من ليبيا هو درس ايجابى" هكذا توصى "ميشيل دون" احدى مستشارات البيت الابيض فى الشؤون الليبة فى تقريرها المعنون "الأمن فقط لايكفى".
لقد صار تطلع الادارة الامريكية الى تغييرات اساسية يحدثها العقيد القذافى فى نظامه السياسى امر لا يخفى نفسه و لا يتناول فى الاجتماعات المغلقة فقط، بل لا يكاد يغيب عن اى دراسة جادة تتناول العلاقات الأمريكية الليبية، او عن التقارير التى تقدم الى البيت الابيض من قبل مستشاريه المتخصصين فى الشأن الليبى، كما صارت مطالبات الحكم فى ليبيا للأمريكيين بتطبيع العلاقات باعتباره ثمنا لم يسدد بعد عن مبادرة التنازل عن اسلحة الدمار الشامل لا تجد لها صدى بل تواجه بمطالبات من الطرف الامريكى بضرورة تقدم الليبيين بمبادرة جديدة تعيد الحيوية الى ملف العلاقات الليبية الامريكية.
ان مبادرة التنازل عن اسلحة الدمار الشامل و على الرغم من انها قد استنفذت قوة دفعها الا انها قد خلقت مسارا مرشحا لأن يستمر لزمن طويل، بل و ان يتسع بأتساع مساحة تلك الأرض التى اشترتها الحكومة الامريكية فى طرابلس لكى تكون مقرا لأحدى اكبر سفاراتها فى المنطقة، و ان يعمق بمقدار عمق اهتمام مسئولى الادارة بالتعرف على معنى الاشارات الواردة من طرابلس. وهنا يصير من الواجب علينا ان ننتقل الى هناك، الى ليبيا، لنرى ابعاد و حجم التفاعل مع المؤثر الامريكى سواء من قبل الحكم او من قبل الشارع، والى اى اتجاه يمكن ان تكون محصلة التفاعلات الداخلية و ماهو مقدار تأثيرها على الواقع.

يتبع

كاتب المقال ناشط ليبى مقيم ببوسطن

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف