الحركات الإسلامية و تغيير إستراتيجية الصراع..!!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
في العشرة سنوات الأخيرة نشطت الحركات الإسلامية كثيرا في سبيل تحقيق مراميها وقد اختلفت فيما بينها في هذه المرامي فالبعض منها تعمل من اجل الوصول الي السلطة باي شكل من الإشكال واتخذت في سبيل ذلك الموجهات والوسائل، والجانب الأخر من الحركات الإسلامية وهي قلة التي تعمل من اجل اسلمة المجتمع دون التفكير في الوصول الي كراسي الحكم متخذة منهجا تربويا خالصا وأبعدت نفسها تماما من الصراع السياسي وفي قناعتها ان اسلمة المجتمع تؤدي تلقائيا الي اسلمة الحكم عكس قناعات الحركات الإسلامية السياسية التي تري ان الاسلمة لا تتأتى الا باستلام الحكم والسيطرة على مقاليد الأمور حتي تحكم كما تقول بالإسلام وقد تصطدم بالكثير من المعوقات الداخلية والخارجية كما حدث في تجربة السودان وكانت النتيجة عكسية تماما حيث وضعت القوانين التي يرى الذين وضعوها انها إسلامية وفقد المجتمع الحس الإسلامي في معالجة القضايا المعاصرة والملحة والذي كان هو البلسم الشافي لكل المشاكل.
وبعد احداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م توقع المراقبون والمهتمين بالتطوير المجتمعي في الدول العربية ان تغير الحركات الاسلامية المنتشرة في كافة الدول العربية وغير العربية استراتيجتها في ما تسميه بالعمل الاسلامي العام اذا وضعنا العمل الخيري الذي تقوم به جانبا وهذا شي محمود بكل تأكيد ولكن الاحداث التي حدثت في الولايات المتحدة الامريكية أرخت لحقبة زمنية معينة جعلت العالم يغير من مفاهيمه ونظرته للاشياء وبشكل واضح وجلى ان العالم بعد تلك الاحداث تغير تماما وما عادت الاستراتجية الكونية هي نفسها وتغيرت لغة الصراع البشري كما تغيرت الاسلحة في هذا الصراع واصبح من الضروري ان تنظر الحركات الاسلامية لهذه المتغيرات نظرة واقعية.
عندما نتحدث عن تغيير الحركات الاسلامية لمفاهيمها لطبيعة الصراع فاننا نرى ان الحركات الاسلامية اصبحت متواجدة في المجتمعات العربية اينما كانت تمثل كم هائل من الحضور البشري واستطاعت في العقد الاخير من الزمان ان تستخدم الأس العاطفي في استقطابها للناس وذلك من خلال جهود كبيرة تبذل فيها الاموال الطائلة والجهود النفسية والجسمانية التي لا يمكن لاحد مهما كان ان يجد لها وزن او قيمة المهم ان الحركات هذه تعمل من خلال المباشرة دون ان تختار وسائل اخري يمكن ان تؤسس لعالم او لوطن اسلامي كبير دون ان يكون هناك احساس للشخص المنتمي بانه عضو في منظمة يرأسها العميل رقم (صفر) او (القائد) او (الزعيم ) وهو الوحيد الذي يعلم كل شئ، وهو الكل في الكل، ولا احد غيره يمكن ان يحل مكانه..!! ويختلف ذلك بالطبع من دولة الي اخرى، علاوة على ذلك ان احساس العضو في الحركات الاسلامية انه في حالة حرب دائمة مع (آخرين) وقد يكون هولاء الاخرين هو بشر او افكار او احزاب او ديانات، أو مؤسسات او دولة بعينها..الخ.
وأصبح من الطبيعي ان عدد غير قليل من الحركات (الاسلامية) تعمل بشكل لا يساهم في تحقيق التنمية البشرية في مجتمعات هي في امس الحاجة لقيام المؤسسات التي تكفي الفقراء شر السؤال، سيما وان الاسلاميين في كافة الدول العربية والاسلامية هم من الاثرياء وتمتلك الحركات الاسلامية في هذه الدول الامكانيات المادية الهائلة تتمثل في البنوك والشركات الخاصة والارصدة المالية الكبيرة التي يمكن ان تقلب المعادلة العربية والاسلامية الي واقع مختلف تماما، واذا اخذنا عدم تعاطي الاقتصادية الاسلامية مع حاجة الناس للتعليم التقني في العالم العربي لنجد انها بعيدة كل البعد عن آمال المسلمين في الوقت الذي تتطور فيه الامم الاخرى بسرعة الصاروخ فيما لا يزال الحديث عن الفقر والعوز في مجتمعاتنا حديث الساعة.
الاسلامويون في العديد من الدول العربية في نقد دائم لبرامج التلفزيون وما يقدمه من اعمال، وهم رغم الامكانيات المالية الضخمة من مؤسسات وبنوك غير مستعدين لدعم الانتاج التلفزيوني من مسلسلات وبرامج ترفيهية وثقافية وفكرية، اذا وقفنا عند الحركات الاسلامية (الخليجية) ونظرنا الي امكانياتها المادية لا احد يستطيع ان يقدر حجم تلك الثروة والتي لا تسخر الا لإنشاء المنظمات الدعوية وطباعة الكتب والمطبقات والدعاية التي توزع على نطاق العالم قاطبة ولكنها في ذات الوقت لا تصرف لانشاء جامعات او معاهد تقنية صناعية والتي بامكانها ان ترفع من مستوى الامة بكاملها وتجعلها على مصاف الامم.
ولنا ان نتصور ان اربعة واربعين دولة من البلدان الاسلامية يبلغ عدد سكانها 1.02 مليار ومساحتها 26.6 مليون كلم مربع وتمتلك حوالي 73% من احتياطي النفط القابل للاستغلال، لا يتجاوز ناتجها القومي اجماليا 1016 بليون دولار امريكي، في حين ان فرنسا لوحدها يبلغ عدد سكانها حوالي 57 مليونا وخمسمائة ألف ومساحتها 0.552 مليون كلم مربع يبلغ ناتجها القومي 1293 مليار دولار امريكي، ونستنتج من هذا التفاوت ان الأخيرة تعتمد على العلوم والتكنولوجيا لتحقيق نمو اقتصادي بينما البلدان الاسلامية تعتمد على النواحي النوعية والمال والامكانيات تتركز في مواعين الحركات الاسلامية.
فقسمت البلدان الى متقدمة ونامية بناء على تنميتها الاقتصادية والتي تقوم على القاعدة العلمية والتكنولوجية واستغلالها في القطاعات الرئىسية وهي الزراعة والنقل والصناعة والتربية والصحة والبيئة، وتعد الدول الاسلامية في مصاف الدول البطيئة تنمويا، بالرغم من جهودها خلال بضعة عقود.
ونصف حالة العالم الاسلامي الذي يتكون من 52 دولة، ويربو عدد سكانه على المليار نسمة:
ـ عدد المتعلمين 55% مع تفاوتها بين الدول.
ـ يقدر مجموعة الأطر العلمية والتكنولوجية في البلدان الاسلامية حاليا بحوالي 7.6 ملايين بنسبة 3.7% من مجمل الكفاءات العلمية والتكنولوجيا في العالم.
ـ عدد المتفرغين للبحث في خدمة التنمية في العالم الاسلامي لا يتجاوز 1.18% من مجموع الأطر عالميا.
ولهذا يتبين لنا عدم تحقيق اي تقدم ملموس ومهم في العقود الاربعة الاخيرة، لذا يتوجب تعزيز القدرات في مجال البحث والتنمية، لتكون قاعدة التنمية الذاتية ولكن ذلك لم يحدث لان الدول العربية الاسلامية منشغلة تماما بصراع الحركات الاسلامية في داخلها و مع انظمتها ومع مؤسساتها الوطنية.
وتشير الدراسات الي ان البلدان الاسلامية تفتقر الثقافة المتعلقة بالبحث في خدمة التنمية والبيئة، لذا نرى ضآلة الابحاث المنشورة من هذه البلدان في المجالات العلمية الدولية، ويضاف الى ذلك قلة الكفاءات العلمية والتكنولوجية في معظم الدول الاسلامية، اذ يبلغ عدد الجامعات حوالي 350 جامعة، بعضها حديث النشأة وتعتبر مجرد مدارس عليا، ولا يتخرج من هذه الجامعات أكثر من 1000 دكتور في العام، غالبيتهم من المنخرطين في حقل الحركات الإسلامية والتي تشغلهم بالعمل السياسي دون النظر الي مستقبلهم العملي والأكاديمي ولا مستقبل اوطانهم في التفرغ الكامل للبحث والصرف عليهم ماديا ليكونوا رصيدا علميا للامة الاسلامية بل تصر علي دخلوهم العمل السياسي ومن ثم تبعدهم عن مجالات عملهم الاكاديمي ليكونوا نوابا او وزراء ما شابه ذلك.
ونخلص لنقول انه لا بد للحركات الإسلامية ان تغيير من إستراتيجيتها في صراعها مع العلمانيين ومع الانظمة لتصبح اكثر التصاقا بقضايا الاوطان والامة الإسلامية والعربية من خلال تسخير اموالها وجهودها الكبيرة والطاقات غير المحدودة في اعمال يعود نفعها المباشر على الارتقاء بالمجتمعات وفوق هذا وذاك لا بد ان تستبعد من فكرها حالة (الحرب) المعلنة وغير المعلنة ضد ما ذكرناهم أنفا وان تغيير استراتيجية الجهاد القتالي الي الجهاد العلمي والعمراني الذي هو الجهاد الاكبر حتي يجد كل فرد في المجتمع فرصته في الدراسة الجامعية وان كان فقيرا لا يملك دينارا واحدا، واذا نظرنا الي التجربة الماليزية نجدها قد خلقت من الانسان هناك طاقة علمية واكاديمية متميزة تساهم بكشل واحد في تقدم البلاد الصناعي والاقتصادي، فتبقى تجارب الأمم في حاجة الي من يستفيد منها.
مهتم بشئون الحركات الإسلامية