في مديح المرأة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
يُجمع عماء النّفس على أنّ من يترعرع في بيت عانى فيه من ضرب وعنف فإنّه يميل في الغالب إلى أن يصبح عنيفًا في معاملته مع أبنائه هو بعد أن يبني هو عائلته. أي أنّ طفولة الفرد والظّروف المحيطة به هي ما يشكّل في نهاية المطاف سمة له في حياته البالغة مع أفراد عائلته هو.
***
إنّ ما ينطبق على الفرد، يمكن أن ينطبق على المجتمعات بأسرها. أيّ أنّ المجموعات البشريّة الّتي تشكّل أقوامًا، أو عائلة مجتمعيّة ذات لغة وماض وحاضر ما، هي في نهاية المطاف بمثابة الفرد في مقابل سائر المجتمعات البشريّة. من هنا فإنّ نزعة العنف القائمة في المجتمعات العربيّة مردّها في نهاية المطاف إلى طفولة حضاريّة عربيّة اكتنفها العنف على مرّ تاريخها. ولهذا السّبب، فعندما تُقيم هذه المجموعة البشريّة كيانًا مجتمعيًّا، ولنطلق عليه مصطلح دولة مثلاً، فإنّ العنف هو الّذي يتحكّم في علاقات الأفراد في هذا الكيان المسخ، وعلى وجه الخصوص في علاقة الحاكم، أي الأب، بالرّعيّة، أي المواطنين. ولهذا السّبب، فإنّ الحاكم العربي يتحدّث إلى المواطنين مستخدمًا صيغة "يا أبنائي"، وهكذا أيضًا ينظر المواطنون شيبًا وشبّانًا إلى الحاكم بوصفه أبًا. فكثيرًا ما نسمع كيف يتوجّه المواطنون العرب إلى الحاكم قائلين: "نحن أبناؤك"، إلى آخر هذه الصّيغ الّتي إن دلّت على شيء فإنّما هي تدلّ على هذه العلاقة المتّسمة بالفوقيّة، من طرف الحاكم، والدّونيّة من طرف المواطن.
***
ولمّا لم يكن التّدرّج في هذه الكيانات تدرّجًا طبيعيًّا، أي عبر أيّ صيغة من صيغ التطوّر البشري العاقل، وإنّما عبر العنف، على تنويعاته المختلفة، الّذي يوصل إلى سدّة الحكم. أي عبر قانون الغاب فإنّ الحاكم العربيّ يبقى في مركزه مستندًا إلى القوّة، كما هي الحال لدى حيوانات الطّبيعة في الغابة. وبعد أن يشيخ الفحل في الغابة يأتي ليحتلّ مكانه فحل آخر ليفرض هيمنته على الفصيل الحيواني من حوله، أي المواطنين في حال الدّولة العربيّة. غير أنّ ما ينفع في عالم الحيوان الغرائزي في الغابة لا يمكن أن ينفع في حال بني البشر في مسيرة بناء المجتمعات. ولهذا السّبب ما من سبيل أما المجتمعات العربيّة للأخذ بركب التطوّر إلاّ عبر تفكيك هذه البنية الذهنيّة المسيطرة على حكّامها وأفرادها.
***
ما من شكّ في أنّ هذه الفحولة المزيّفة هي ذاتها الّتي شلّت على مرّ العصور عمل عضو هام في الجسم العربي، ألا وهو المرأة، وهو كما هو معلوم عضو يشكّل نصف جسد المجتمع العربي بأسره. وإذا كان نصف الجسد العربي، أي المرأة، مشلولاً، فلا يمكن بأيّ حال من الأحوال أن تقوم لهذا الجسم العربي أيّ قائمة، بل سيبقى جسمًا مشلول النّصف، وسيظلّ مُقعَدًا وسيظلّ عالةً على سائر الأمم من حوله. وعندما نضيف هذه الحقيقة إلى كون الأنظمة العربيّة أنظمة قمعيّة أصلاً للمجتمعات العربيّة بصورة عامّة، فلن يتبقّى لهذه البقعة من العالم أيّ بصيص أمل للخروج من المأزق البنيوي الّذي تعيش فيه، وهذا في الحقيقة ما هو حاصل فعلاً على أرض الواقع.
***
ولو نظرنا مثلاً إلى دول إسلاميّة وصلت فيها المرأة إلى أعلى المناصب في الدّولة، مثل بنازير بوتو في الباكستان، أو تانسو تشيلر في تركيا، أو حتّى كما هي الحال في بنغلاديش، فإنّ ما يلفت النّظر هو كون هذه البلاد ليست عربيّة. وبكلمات أخرى، لقد وصلت المرأة هناك إلى أعلى المناصب بسبب هذه الخلفيّة الحضاريّة غير العربيّة أصلاً. لذلك نستطيع أن نخلص إلى النّتيجة الّتي تقول إنّ الذهنيّة العربيّة في الحقيقة هي العائق الأكبر أمام المرأة، وفي نهاية المطاف هذه الذّهنيّة الذّكوريّة الزّائفة هي العائق الأكبر أما تطوّر المجتمعات العربيّة.
***
لهذا السّبب، فقد آن الأوان أن نرفع صوتنا بالدّعوة إلى أن تحتلّ المرأة العربيّة مكانتها في مقدّمة المجتمع، وبكلمات أخرى، لقد آن الأوان أن تكون المرأة العربيّة رئيسة لدولة عربيّة، وأن تكون المرأة ملكة لمملكة عربيّة. لكن، من أجل أن نصل إلى هذه الغاية علينا أن نغيّر الذّهنيّة الفحوليّة المزيّفة الّتي تسيطر على الرّجل العربي وتشلّ كيانه من المحيط إلى الخليج. لأنّه في نهاية المطاف فإنّ المرأة هي الحلّ.