لا مجتمع مدني.. إذن لا تنمية للديموقراطية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
حسب لاري دايموند، المدير المشارك للمنتدى الدولي للدراسات الديموقراطية وكبير الباحثين في "مؤسسة هوفر"، فإن من واجبات المجتمع المدني خدمة تنمية الديموقراطية وتعزيزها. ولفهم دور المجتمع المدني في بناء الديمقراطية يجب أولا تحديد ما هو المجتمع المدني، وما هي مؤسساته، وما الفرق بينه وبين المجتمع غير المدني.
فلا يمكن لمجتمع غير مدني أن يساهم في بناء وتطوير وتنمية الديموقراطية. كما لا يمكن للأفراد الديموقراطيين أن يبنوا مجتمعا ديموقراطيا من دون وجود المجتمع المدني ومؤسساته. وتعتبر التعبئة الشديدة للمجتمع المدني مصدراً أساسياً للضغط باتجاه حدوث التغيير الديمقراطي. ويعتقد دايموند أن مواطنين تحدوا أنظمة الحكم في بلدان مثل كوريا الجنوبية وتايوان وبولندا وتشيك وسلوفاكيا وجنوب إفريقيا وبنين، لا كأفراد وحسب بل كأعضاء في الحركات الطلابية والكنائس والروابط المهنية والجماعات النسائية والنقابات ومنظمات حقوق الانسان وجماعات المنتجين والصحافة والجمعيات المدنية وما شابه، أي من خلال مؤسسات المجتمع المدني.
والسؤال الذي يطرح هنا: هل يمكن تعزيز الديموقراطية في أي بلد من خلال رؤى فردية تهدف إلى تعزيز الديموقراطية؟ وهل نستطيع أن نستغنى عن المجتمع المدني ومؤسساته في حدوث التغيير الديموقراطي؟ وهل يمكن فصل مشروع تأسيس المجتمع المدني عن أجندة مشاريع الإصلاح - مثلا - في الكويت؟.
حسب دايموند فإن المجتمع المدني هو: النظرة إلى المجتمع على انه مجال الحياة الاجتماعية المنظمة الذي يتميز بالطوعية والعمل الذاتي والاستقلالية عن الدولة، وهو محكوم بمجموعة من القوانين والقواعد المشتركة. ويتميز المجتمع المدني عن "المجتمع" عموماً بأنه يشمل المواطنين الذين يتصرفون بطريقة جماعية في مجال التعبير عن أهدافهم المشتركة ورفع مطالبهم إلى الدولة ومساءلة مسؤوليها. كما ان المجتمع المدني هو كيان وسيط ما بين القطاع الخاص والدولة. لذا، فهو يستثني الحياة الفردية والعائلية والنشاط الجماعي الذي لا يعمل إلا لذاته والمشاريع التي تتوخى الربح لشركات الأعمال التجارية والجهود السياسية التي تبذل للسيطرة على الحكم. وهكذا لا يقتصر المجتمع المدني على الحد من سلطة الدولة فقط بل يعطي مشروعية لهذه السلطة عندما تكون قائمة على أساس حكم القانون. ويضم المجتمع المدني عدداً كبيراً من المنظمات الرسمية وغير الرسمية. وهذه تشتمل على:
جماعات اقتصادية (اتحادات وشبكات منتجة وتجارية).
جماعات ثقافية (مؤسسات واتحادات دينية وإثنية ومجتمعية وغيرها تدافع عن الحقوق والقيم والمعتقدات والرموز الجماعية).
جماعات إعلامية.
جماعات قائمة على أساس المصالح (مصممة للدفاع عن المصالح الوظيفية والمادية المشتركة).
جماعات تنموية (منظمات تجمع الموارد الفردية لتحسين البنى التحتية والمؤسسات ونوعية الحياة في المجتمع).
جماعات الدفاع عن القضايا (حركات لحماية البيئة من التلوث وحقوق المرأة وإصلاح الأراضي وحماية المستهلك).
جماعات أهلية (تسعى إلى تحسين النظام السياسي وجعله أكثر ديمقراطية من خلال مراقبة الحقوق المدنية وتوعية الناخبين وتعبئتهم وجهود محاربة الفساد وهكذا).
إضافةً إلى ذلك، يضم المجتمع المدني ما يمكن تسميته "الساحة الايديولوجية"، والتي لا تشمل الإعلام المستقل فحسب، بل أيضاً المؤسسات المرتبطة بمجال الثقافة المستقلة والجامعات التي تُعنى بالشأن الفكري ومراكز البحوث ودور النشر والمسارح وشركات إنتاج الأفلام والشبكات الفنية.
وإذا ما نظرنا إلى الواقع الاجتماعي العربي، ومن ضمنه الكويتي، سنجد بأن مقومات قيام المجتمع المدني بمعية مؤسساته تصطدم بعراقيل كثيرة، وأبرز تلك العراقيل هي:
أولا - العراقيل الحكومية التي توضع أما عملية إنشاء المؤسسات، حيث تعارض الحكومات العربية عادة، ومنها الحكومة الكويتية، العمل التطوعي المنظم الذي يسعى في النهاية إلى مساءلة مسؤولي الدولة والحد من سلطة الدولة، باعتبار أن المساءلة والتي هي غير حقيقية ومزيفة في أغلب الأحيان، محدودة بآليات معينة متمثلة بالبرلمان والصحافة فقط، وأي آليات أخرى جديدة ناتجة عن العمل الشعبي المؤسساتي فهي مرفوضة ولا يسمح بإعطائها الصفة الرسمية أو القبول بوجودها وممارسة أنشطتها. وبالتالي أي حديث عن الإصلاح في الكويت لا يمكن له أن يسير بمعزل عن تنمية الديموقراطية والتي بدورها تعتمد على دور المجتمع المدني ومؤسساته في ذلك.
ثانيا - دور الفكر الديني الأصولي الذي يسعى أصحابه "لشرعنة" فكرة المؤسسات وعملها ومحاربة غيرها، وبالذات محاربة تلك التي تنطلق من أفكار يعاديها التيار الديني، مثل فكرة إنشاء مؤسسة مجتمع مدني للدفاع عن حرية النشر والتعبير أو للدفاع عن حقوق الإنسان الفرد. فأصحاب الفكر الديني عادة ما يستخدمون سلطاتهم ونفوذهم "الشرعي" لمنع تأسيس مثل تلك المؤسسات التي يعتقدون بأنها تخالف خطابهم الديني وتقف في الضد من رؤاهم "الشرعية" أو تقوم بأنشطة مخالفة لفهمهم للدين.
ثالثا - نقص الوعي الفكري المجتمعي لأنصار الديموقراطية في التأكيد على أن تنمية الثقاقة الديموقراطية ودعم ممارساتها في المجتمع، لا يمكن أن يترسخ من دون وجود مؤسسات المجتمع المدني. فنلاحظ مثلا في الكويت أن أنصار الديموقراطية الساعين إلى نشرها وتنميتها عادة ما يصبون جل جهدهم على العمل السياسي والصحافي ويتجاهلون بأن الديموقراطية لا يمكن لها أن تتطور في المجتمع من دون وجود مؤسسات المجتمع المدني، والتي من مهامها الدفاع عن قضايا الحريات والتعددية وحقوق الإنسان. لذلك نجد بأن الواقع الاجتماعي الكويتي يدلل على عدم التزام المدافعين عن نشر الديموقراطية في تأسيس مجتمع مدني مستند إلى وجود مؤسسات، وذلك لضعف إدراك أهمية مؤسسات المجتمع المدني في تنمية الديموقراطية والدفاع عنها، وتركيزهم على العمل السياسي والصحافي الذي يعتبر بالنسبة إليهم هو الأبرز والأقوى في إحداث أي تحول ديمقراطي.
كاتب كويتي
ssultann@hotmail.com