كتَّاب إيلاف

فتح البارحة وحماس اليوم

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك


ننظر الى " حماس " هذه الايام، فى القطاع والضفة.. وأمام الناس، وفى الشارع، والمدرسة، والسياسة والاقتصاد، والنظام، والحياة اليومية العامة، فنتذكر " فتح" عندما انطلقت وأنطلق معها الحلم الكبير بفلسطين والعودة والتحرير.
هكذا تماما كانت " فتح " عندما عرفناها فى منتصف الستينات من القرن الماضى . فقد أنتزعت أعجابنا وتكبيرنا، ودخلت عقولنا وقلوبنا ودغدغت عواطفنا القومية والوطنية، فاندفعنا خلفها من جميع أماكن الشتات الفلسطينى كما يندفع الابن الى ابيه أو الام الى أبنها.
الشباب فى الشتات تبرعوا بالالاف وأنخرطوا فى صفوف " فتح " وحملوا السلاح وسلموا لها أمرهم وعمرهم ومصيرهم، فأستشهد الالاف وهم مسرورون وزلغطت أمهاتهم وراء نعوشهم .. أو حتى حيث لم تكن لهم جنازات، وأصبحت أم الشهيد سيدة نساء فلسطين فى الوطن المحتل وفى المهاجر.
والقادرون منا، فتحوا صناديقهم ومدخراتهم وسلموا أمرها لهؤلاء المناضلين . واصبح المال بالنسبة للذين جمعوا بعضه من الفلسطينيين نصفين : نصف للكفاح ونصف لصاحب المال .. بل أعرف رجال أعمال وضعوا كل ما يملكون فى خدمة القضية. وكانت فتح فى مقدمة المدافعين عن القضية.
وأنا أنظر اليوم الى الماضى، لا أرى ما كنت أراه فى " فتح " لسوء الحظ. بل أراه فى حماس وأرى فى حماس أنضباطا لم أراه فى " فتح " .
ونمنى عن الذكر أن أعيد القول أننى حيادى جدا فى الموضوع الفلسطينى اليوم، وذلك من منطلقات راسخة فى زهنى وهى :
أولا : لاننى مؤمن بالسلام كحل وحيد للقضية الفلسطينية
ثانيا : لاننى أصبحت مقتنعا بعقلى وتفكيرى، أن مقبض القوة لم يعد فى يدنا، لالف سبب وسبب. ولان الامر كذلك، فسوف يكون نوعا من الانتحار والمكابرة غير السليمة، أن نصرّ على الحل بقوة السلاح.
ثالثا : لاننى تركت للقيادة الفلسطينية المنتخبة شرعيا وديمقراطيا أن تتولى قيادة الشعب الفلسطينى وتدبير أمره ومستقبله بما تراه. وقد راَت القيادة أن تفاوض، فخضعت لارادتها لايمانى بالديمقراطية .. حتى لو لم أكن من مؤيدى الوسيلة التى لجأت اليها القيادة الفلسطينية.
وعندما أنظر الى " حماس " اليوم، فلا أنظر اليها على أساس أنها الحل والاول والاخر .. بل أنظر اليها على أساس أنها منظمة فى غاية الانضباط والشفافية .. وهما أعظم صفات المناضلين .. وغير المناضلين.
واذا نحن نظرنا الى الخارطة الفلسطينية اليوم فسوف نلتقط الصور الاتية :
1 - المال فى حماس مال شعبى يتبرع به الشعب فى فلسطين وفى الدول العربية. بينما يأتى معظم مال " فتح " من الحكومات والانظمه العربية، وهذا ليس عيبا على كل حال ولكنه دليل على أن الشعوب العربية والاسلامية أقرب الى " حماس " منها الى " فتح " وهذا له دلالات مهمة جدا.
2- المال فى حماس محفوظ بعناية فائقة، فنحن لم نسمع بأن مسؤلا فى حماس سرق .. أو بنى بناية، أو أستأجر " سويت " فى فنادق الدرجة الاولى _ أو أشترى علبة سيجار . بينما رأينا وسمعنا وعرفنا أن عشرات من أبناء " فتح " يعيشون كالامراء، بل أكثر فخامة من الامراء. وليس سرا أن مال هؤلاء الامراء الحديثى النعمة هو من التبرعات وليس مالا موروثا من أبائهم وأجدادهم.
3 - لم نشتم روائح سرقات قام بها شباب من حماس. لكننا رأينا وعرفنا سارقين كبارا فى فتح.
4- الانضباط الحزبى فى حماس يكاد يكون كاملا أو بالغا حدود الكمال الحزبى. والامر ليس كذلك فى " فتح " .. والدليل : ان مجموعات مسلحه فى " فتح " لا تنفك تهاجم - بالسلاح - مجموعات أخرى، أو مكاتب السلطه وتنتهك حرماتها وشرعيتها.
5 - المريض الملتجأ الى حماس يرى الطبيب وحماس تدفع. والطالب يذهب الى الجامعة وحماس تساعد، والعائلة العاجزة عن شراء اللحم أو الخضار تذهب الى حميطها فى حماس فتقوم حماس بدور العائل والمعيل. لكن " فتح " لا تقوم بكثير من هذه الاعمال ..ولا حتى بحدودها الدنيا.
6- رأينا وسمعنا وعرفنا كثيرا من الفلسطينيين المحسوبين على " فتح " يهجرونها خلسة ويذهبون الى صندوق الانتخابات البلدية ويصوتون لمرشحى حماس . فى حين أننا لم نر العكس. بل رأينا مجموعات من فتح تهاجم مجموعات أخرى من فتح، فسقطت المجموعتان وفازت حماس.
7- صحيح أن " فتح " أقرب من حماس الى السلطة الفلسطينية من حيث سلوك المسلك السلمى التفاوضى، لكن الشارع الفلسطينى يضع ثقته فى حماس ولم يعد يضعها فى فتح. وهذا أمر فى غاية الاهمية والخطورة - لانه يشير الى أنقلاب شعبى على خيارات السلطه.
8 - حتى فى الديمقراطية ذاتها .. فقد وعدت حماس السلطه بالالتزام بوقف النار ضد أسرائيل الى أجل معروف. وكانت حماس تلتزم بهذا الوعد ضد أرادتها وارادة مقاتليها .. لكنها صدقت الوعد. فلم تخرق وقف النار الا بعد أن خرقه الجيش الاسرائيلى.
وبعد ..
فانه من المؤسف أن تبلغ العلاقات الفلسطينية الداخلية، هذا المبلغ من سوء التصرف، وسوء المعاملة. واللجوء شيئا فشيئا الى الانفلات.
وقد كان بودنا - ومازال - أن تضع " فتح " خبرتها الطويلة فى النضال والعمل السياسى والديمقراطى .. وقد كانت فى طليعة القوى العالمية المناضله والديمقراطية، فى خدمة فلسطين بما فيها حماس والجهاد والاخرون.
لكن هذا لم يحدث. وهو يثير تسؤلات خطيرة جدا.
. فهل العمل النضالى يبدأ كبيرا ثم يصغر أم العكس هو الذى يجب أن يكون؟
. وهل صحيح ما يزعمه البعض من أن الثورات تتعب كما يتعب الانسان فتلجأ الى التفكك ثم يأكل بعضها البعض الاخر؟
. وهل صحيح أن المال يميل الرؤوس، ويذهب بالعقل كما تذهب الخمره بالحس والعقل معـا ؟
أن على " فتح " أن تجيب على هذه التساؤلات فتقنعنا بجدوى ما تفعل .. أو تعتذر للناس فتخرج من النضال .. أو تنتفض على ذاتها فتطرد السارقين والمرتكبين ومحبى المال من صفوفها وتعود نقية كما كانت وكما عرفناها. وكما لا نريد أن نراها الا نظيفة وشفافة وديمقراطية!

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف