الملف النووي الايراني ورهانات الدبلوماسية الروسية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
على خلاف الموقف من القضية العراقية في العهد البائد، فان الغرب يقف اليوم في صف واحد ازاء المشكلة النووية الايرانية.ولم تنفصل اوروبا بما في ذلك المانيا وفرنسا عن الموقف الامريكي، وثمة تفاهم ملموس على اسلوب التحرك. وهناك الكثير من الدوافع التي تجعل الغرب يتوجس من امتلاك ايران الاسلحة النووية، لان هذا التطور سوف يمس مصالحه ويعرض امنه وامن حلفاءه للمخاطر. ولكن هل تكمن الهواجس الامنية وحسب وراء التصعيد في المواجهة مع ايران وحتى التلويح بالعقوبات والقوة العسكرية، ام ان المطلوب" راس النظام الايراني" القائم ككل، باعتباره نظاما لاينسجم والخريطة السياسية الجديدة للعالم وللشرق الاوسط على وجه التحديد.
على خلفية ذلك رمت الدبلوماسية الروسية بثقلها من اجل التوصل الى تسوية سياسية لمشكلة البرنامج النووي الايراني بصورة ترضي كافة الاطراف المعنية. وتسعى روسيا من ناحية وقف جماح الغرب في تصعيد المواجهة مع ايران واحالة الملف الايراني لمجلس الامن الدولي وفرض العقوبات على ايران وحتى استخدام القوة العسكرية ضدها، ومن ناحية اخرى توفير اكبر ساحة ممكنة لمضي ايران في ماتراه من حقوقها المشروعة ممارسة الانشطة في المجال النووي الذي تقول انه حصرا للاغراض السلمية. بيد ان للغرب قناعته الاخرى وطريق البحث السلمي قد يغري في المضي نحو طرق الحرب.
وغدت روسيا في غضون الايام الاخيرة ساحة هامة لمناقشة سبل التعامل مع ايران واقناعها بالتراجع عن طموحاتها النووية أي كانت اهدافها.ودون شك فان موسكو تدرك ان النجاح بمهمتها سيعود عليها بالكثير من الارباح السياسية والاقتصادية. فروسيا في هذه الحالة ستبدو كدولة كبرى ذات نفوذ على الساحة الدولية، وقادرة على تفريغ الازمات من شحنتها قبل الانفجار، وبذلك ستكون شريكا مطلوبا من الغرب الذي تسعى لنيل اعترافه بها كقوة كبيرة في العالم. وستظهر روسيا ايضا بمظهر الحليف الذي لن يتخلى عن اصدقاءه في وقت المحنة، مما سيجعلها مركز جذب للدول التي ابحث لها عن سند ومؤازر على الساحة العالمية. وكل هذا لاينفصل عن البعد الاقتصادي سواء من مشروع تخصيب اليورانيوم الايراني في اراضيها او مواصلة بناء المحطات الكهروذرية في ايران والدول الاخرى، والبحث عن مشاريع اخرى. الى جانب فان الدبلوماسية الروسية تتعامل مع ايران على انها شريك استراتيجى. ويتعاون الجانبان في اسيا الوسطى وفي حوض بحر قزوين وفيما وراء القوقاز. ولم تتحرك طهران على الساحة السوفياتية بما يلحق الاضرار بمصالح روسيا، وحتى تجنبت التدخل باي شكل من الاشكال في النزاع الشيشاني او الاتصال بالحركة الانفصالية المسلحة التي ترفع الشعار الاسلامي، وتدعم ايران في النزاع حول ناغورني كرباخ حليف روسيا أي ارمينيا في المواجهة مع الدولة المسلمة اذربيجان.
ان نجاح الدبلوماسية الروسية في ايصال سفينة الملف النووي الايراني لشاطئ السلام، سيكون نصر لايمكن الاستهانة به للمبادئ التي تروج لها في العلاقات بين الدول. وخاصة في ضوء التطورات في العراق وعلى الساحة السوفياتية وقبلها يوغسلافيا، ان التجاء الغرب للقوة وفرض العقوبات على الدول غير المرغوب بها سوف يحرمها من الكثير من مواقعها واصدقاءها التقليديين. وتضع الدبلوماسية الروسية الرهان على الاقناع والحوار والتفاهم لتسوية كافة المشاكل التي تشغل بال المجتمع الدولي. وترى ان العقوبات والقوة طريق نحو العدم، ويؤدي الى زعزعة الاستقرار الدولي والاقليمي. ودون شك فان القوى التي تراهن على القوة والعقوبات تدرك اهدافها ووسائل تحقيقها. وليس من العبث ظهور مصطلحات مثل "ادارة الازمات" و"التحكم بالفوضي"، وتدرك ايضا ان روسيا تنوي تمرير مصالحها بالطرق السلمية، لكونها لم تعد قوة اقتصادية مؤثرة اوعسكرية تثير الرعب على غرار ما كان عليه الاتحاد السوفياتي السابق.لذلك فان نجاح الدبلوماسية الروسية في الملف الايراني سوف يكون محك لقدرة الدبلوماسية الروسية على حل مشكلة مستعصية وفق اساليبها.
وبالتاكيد فان تسوية ازمة البرنامج النووية في هذه الحالة لايعتمد على مهارة الدبلوماسية الروسية وحسب، بل وعلى الاهداف الحقيقية من وراء اثارة الازمة وتصعيدها. وستظهر المداولات والمحادثات المكثفة بين الاطراف المعنية والقرار الذي سيتخذه اجتماع امناء الوكالة الدولية للطاقة النووية، فيما اذا كانت هناك اسباب سياسية ام هواجس امنية وحسب وراء تصعيد الازمة مع ايران. هل المطلوب هو راس النظام الايراني واحلال البديل العلماني والديمقراطي وفقا لرؤية الغرب، ام الاكتفاء بثني ايران عن طموحاتها النووية.
وتنم تصريحات المسؤولين الروس عن ادراك موسكو للعبة التي غدت فيها لاعب مهم فيها. ولكنها تتحرك الان وفق النوايا المعلنة. أي ان الهاجس هو هاجس امني، ومن منطلق الحرص على عدم انتهاك معاهدة عدم نشر الاسلحة النووية.وتعرب عن الاستعداد لتقديم خدماتها للجميع لتحقيق الك الاهداف.
ان الملف الايراني غدى الامتحان الاول العسير للدبلوماسية الروسية في العام البادئ، بعد ان اعلنت انها احرزت في العام الفائب العديد من النقاط. والسؤال فيما اذا سيتيح الغرب لها تحقيق نجاحات لرصيدها. ومن المرتقب ان ينجلى الامر حتى منتصف فبراير المقبل حينما ستعقد دولة جديدة من المشارات من مع ايران