كتَّاب إيلاف

لماذا لا يطلق العقيد القذافى سراح السجناء السياسيين؟

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

بداية المسيرة نحو ليبيا الحديثة لن تكون الا باطلاق سراح السجناء السياسيين..
كما ان اى حديث عن افكار او نظريات ستحقق ألأنعتاق للعالم لا يمكن ان يقف على قدميه امام حقيقة وجود سجناء يودعهم صاحب هذه ألأفكار و النظريات فى الزنازين لأنهم يحملون او يدعون الى افكار تختلف مع ما يطرحه،او حتى يلتفون حول تلك ألأفكار فى جماعات ، طالما انهم لم يستعملوا العنف فى الدعوة الى افكارهم رغما عن وجودهم فى مجتمع قامت السلطة السياسية فيه بمصادرة حقوق المواطنين باستعمال العنف الغير مبرر.
فهل يمكن ان تؤخذ ألأفكار التى يطلقها" العقيد القذافى" لانعتاق البشر مأخذ الجد طالما ظل منتقدوه حبيسى السجون.
ذلك ان ايداع الخصوم السياسيين السجون عقابا على معارضتهم لا يمكن ان يكون دليل قوة ألأفكار المطروحة ، فالافكار القوية قادرة على الدفاع عن نفسها بل و التفوق من خلال الحوار السلمى و الحر ، كما تكتسب المزيد من النضج من خلال ذلك الحوار الذى يصبح فرصة لتصحيح الذات و بلورة الأطروحات مما يجعلها تنموا وتنتشر بل و تتطور مع محيطها.
فألأفكار البشرية كائنات حية تنموا من خلال الحوار وفى ظل الحرية، بينما يتسبب قمع خصومها فى موتها، و يؤدى تحصينها بادوات السلطة كالسجون و المعتقلات و ألأسلاك الشائكة الى تحويلها الى مومياءات لا روح فيها، ينحصر بريقها فى التوابيت الذهبية المودعة فيها ، ذلك البريق الذى يزول مع اندثار السلطة التى تحصنها .
و اذا كان "العقيد القذافى" قد ارتكب خطأ جسيما تجاه افكاره التى حواها "الكتاب ألأخضر"،فقد كان ذلك عندما اعتبره نصا مقدسا يجب تحصينه من النقد ، و سمح بتمجيده فقط موكلا ذلك لفيلق النفعيين و المتملقين و الباحثين عن وظائف ، مما حول ذلك النص الى جثة غير قادرة على الحراك ، بل و تسبب ايضا فى ان يكون محطا لكراهية الليبيين الذين فرض عليهم دون ان تتاح لهم فرصة نقاشه و نقده ، الم يكن من الممكن ان يؤدى ذلك النقاش الذى لم يحدث الى انتقاء بعض تلك ألأفكار و تطويرها و بلورتها و كذلك تجنيب الشعب آثار افكار اخرى يكشف النقاش عدم صلاحيتها.
واذا كان قد اضاف على ذلك الخطأ الجسيم خطأ آخر فقد كان ذلك عندما اعتبر الخصوم السياسيين اعداء لابد من تصفيتهم، ناعتهم بالمرضى و الخونة والعملاء بل والكلاب ايضا ، و سلط عليهم من علقهم على اعمدة المشانق فى الجامعات و الميادين العامة وساقهم الى السجون و المعتقلات ، حارما نفسه من الشعبية التى اكتسبها فى البدايات عندما كان حب الناس هو الذى يحميه و يسمح له بالتجول والتسوق مع الناس دون حراسه .
الم يكن من الممكن ان يكون اولئك الخصوم الذين عوملوا كخونة شركاء فى بناء مؤسسات سياسية وطنية تحقق التفاف الناس حولها ، يتسبب تنافس الآراء فيها و الحوار المفتوح حول قضايا الناس الى دعم ألأستقرار و ألأمن دون الحاجة الى تحويل نصف شعبنا الى بصاصين و جلادين، الم يكن القبول بالتعدد فى تلك المؤسسات و عدم اقصاء ألآخر ليحقق صياغة برامج تنمية جادة تحول موارد تفوق الستمائية بليون دولارمن دخل النفط ، بددت فى الثلاثة عقود الماضية، الى قاعدة اقتصادية فعالة لمجتمع مزدهر.
كيف يمكن ان تتبنى مجتمعات اخرى النموذج الأقتصادى و السياسى الذى يطرحه"العقيد القذافى" و هى ترى ما تسبب فيه هذا النموذج فى ليبيا.
ان الموقف اليوم ، وكما اجزم بأن" العقيد القذافى" يعرفه ، لم يعد يسمح بالألتفاف حول ألأزمة سواء" بألانكار" او بادعاء "عدم المسئولية "، بل يدعوه الى مواجهتها بروح و قدرة لا انكرهما عليه ، و التشمير عن ساعديه استعدادا لعمل شاق من اجل ذكرى لابد انه يتمنى ان يتركها بين الليبيين.
و البداية هنا لن تكون الا باطلاق سراح المعتقلين السياسيين، كمقدمة لتبديد اجواء ألأحتقان و الفزع و نشر بيئة من التسامح و الدفء، تمهيدا لارساء قواعد مجتمع حديث يقوم على القبول بالتعدد السياسى و الفكرى ، تسوده الحرية و العدالة والمساواة و يعمل بلا كلل من اجل التقدم .
كما سيمثل اطلاق سراح المعتقلين السياسيين دعوة عملية و فعالة للعديد من المعارضين للعقيد القذافى و منتقديه الموجودين فى الخارج للعودةالى ليبيا ، حيث سيحل التناقض القائم بين دعوته لهؤلاء المنفيين للعودة فى نفس الوقت الذى يقبع فيه معارضي الداخل فى السجن ،كما سوف تقنعهم هذه الخطوة و بشكل عملى بان العقيد القذافى قد قرر فعلا مد يده للآخر .
و اذا كانت المسيرة نحو بناء" ليبيا الحديثة" تتطلب ما يتخطى اطلاق سراح المعتقلين السياسيين فقط ، مثل احترام حصانة الناس ضد السجن و ألأعتقال و التنكيل، والقبول بحرية التعبير عبر الكلمة المذاعة و المطبوعة ، و حرية العمل السيا سى وألأجتماعى الجماعى العلنى ، وحق الناس فى اختيار حكامها و مراقبتهم و عزلهم ، وشفافية التصرف فى المال العام ، و سيادة القوانين التى يشرعها المواطنون ، ألا ان كل تلك ألأمور لن تتحقق مرة واحدة ولن تكون الأ نتيجة لحوار يشارك فيه الجميع ويستغرق كل الوقت الذى يحتاجه ، فان حماس الناس لهذه المسيرة ومشاركتهم فيها يتحقق عندما يرون معتقلات "بوسليم" و "عين زارة" و غيرها و قد افرغت من نزلائها ، و شاهدوا "فتحى الجهمى" و "عبد الله عز الدين"و"بوحنك"و"شاميه"و"المنصورى" وألآخرين قد عادواالى بيوتهم.
الا يمثل ألأبقاء على هؤلاء فى زنازينهم العقبة الرئيسية بل الوحيدة، بالنسبة لى على ألأقل، لتحقيق مصالحة وطنية ، تختصر آلاف ألأميال التى تفصلنا عن بعضنا ألآن، وتجسر العداوة ، و ترجعنا الى بيتنا الليبى الذى سيتسع لنا جميعا بمختلف آرائنا و اجتهاداتنا و افكارنا بل و معتقداتنا.
الا يمثل ايضا العقبة الأولى ، كما اعرف، وكما حملت معانى استترت داخل تصريحات العقيد القذافى "المشجعة" للصديق نديم قطيش على "قناة الحرة" لتحقيق عودة ليبيا بالكامل الى المجتمع الدولى من خلال تطبيع علاقاتها مع الولايات المتحدة .
ذلك ان الولايات المتحدة صارت وبعد احدات سبتمبر تعتبر و بالنص"ان تلك ألحكومات فى الشرق ألأوسط وشمال افريقيا التى لا تسمح لشعوبها بالمشاركة السياسية و الأقتصادية النشطة و الحرة ، و لا تندمج فى النظام ألأقتصادى و السياسى العالمى ، انما تتسبب من خلال ممارستها تلك فى قيام بيئة تشجع على ظهور و نمو ألأفكار الدينية المتطرفة التى تصير اساسا لأنتشار و توسع المجموعات ألأرهابية التى تمثل خطرا داهما على ألأمن الوطنى للولايات المتحدة ألأمريكية".
لماذا لا يطلق العقيد القذافى المعتقلين السياسيين و هو يعلم ان الفضل فى تلك الخطوة سيعود اليه ، وان الضحكات التى سترتسم على وجوه اطفال حرموا طويلا من ابائهم ستضاف الى رصيده ، و ان اشعة الشمس التى ستعانق جباه الرجال عند اطلاق سراحهم سوف تضىء الطريق نحو مستقبل نبنيه سويا، وأن الفرحة التى ستعود لبيوت سكنها البؤس بغياب بعولها سوف ترج الوطن من الحدود الى الحدود .
و اخيرا الن تعيد اليه خطوة كهذه ذلك الزهو الذى رأيته فى عينيه عندما دعيت للقائه بعد افراجات مارس 1988 ، و الذى خرجت منه لأقول للصديق" فتحى الجهمى" أول من التقيت بعد اللقاء "القذافى مرتاح للأنفراج اكثر حتى من الناس ، اعتقد ان المثقف داخله قد تغلب على السلطان".
ولماذا لا يقرر ان يصبح رئيسا لكل الليبيين ..من يختلف معه و من يتفق.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف