للقضية... بقية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
"القرن الواحد والعشرون، سيكون قرن اعتقاد أو لا يكون. لا تقل لي إنه سيكون قرن العلم، لأن المسألة تنحصر في تعريف القدرة المطلقة". (مالرو)
روى "جوته" في سيرته الذاتية، كيف حاول أصدقاؤه في صباه حثه على تغيير عقيدته، ولكنه صد هذه المحاولات: يقول "في مسائل الإيمان يعتمد كل شيء على الاعتقاد. أما موضوع الاعتقاد فلا يهم بتاتًا. ويعني الإيمان الإحساس العميق بالأمان إزاء الحاضر والمستقبل على السواء.. وينبعث هذا الاطمئنان من الثقة في وجود كائن هائل لا متناه عظيم القوى. إن رسوخ هذه الثقة هو أعظم غاية، أما اعتقادنا في هذا الكائن فإنه يعتمد على ملكاتنا الأخرى، وربما اعتمد على الظروف... إن الإيمان مستودع يودع الناس فيه مشاعرهم وقدراتهم وتخيلاتهم، في أكمل وجه يستطيعون تحقيقه ".
وفي أحد هوامش كتاب "الديوان الشرقي " يقول "إن الصراع بين الاعتقاد واللا اعتقاد هو الموضوع الوحيد العميق لتاريخ العالم وتاريخ الإنسان ".
وتخضع لهذا الموضوع سائر الموضوعات. وتميزت جميع العصور التي سادها الاعتقاد في أية صورة بعظمتها وسمو عاطفتها وخصوبتها في نظر المعاصر ين والأسلاف. وعلى العكس من ذلك، العصور التي انتصر فيها بكل أسف اللا اعتقاد على أي نحو - حتى في حالة تألقه تألقًا زائفًا لبرهة وجيزة - فإنها قد توارت من أنظار الأسلاف، لأن أحدًا لن يختار إرهاق نفسه بدراسة ما هو عقيم.
وتبعًا لما قاله جوته.. يعد كل عصر خلاق في التاريخ عصر اعتقاد، وليس لهذه العبارة أي مفهوم لاهوتي أو ديني، ولكنه يعبر عن غلبة القوى الموجبة على القوى السالبة، أو قل الاعتقاد على اللا اعتقاد.
ومن ثم لم ينظر إلى القرن الثامن عشر (عصر التنوير) على إنه عصر لا اعتقاد (كما هو شائع) وإنما العكس، فقد وصف فولتير بأنه "المنبع العالمي للنور " وبدا له ديدرو عبقريًا.. إذ أدرك جوته بحساسيته الشعرية وعمقه الفكري الجانب الموجب في حضارة التنوير أكثر من غيره... فما هو الأعتقاد ؟وما هي العقيدة؟
في لسان العرب (لابن منظور الافريقي) نجد في مادة: عقد، ما يلي: عقد: العقد نقيض الحل، عقده يعقد عقدًا وتعاقدًا وعقده "عقد العهد واليمين، يعقدهما عقدًا، وعقدهما: أكدهما. وذكر أبو زيد في قوله تعالى: " والذين عقدت أيمانكم "، وعاقدت أيمانكم، وقد قرئ عقدت بالتشديد، معناه التوكيد والتغليظ، كقولـه تعالى: " ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها ". وفي حديث ابن عباس في قوله تعالى: " والذين عقدت أيمانكم " فالمعاقدة هي المعاهدة والميثاق.
وقال في موضع آخر، وعاقدت الحبل والبيع والعهد فأنعقد والعقد: العهد، والجمع عقود وهي أوكد العهود؛ ويقال عاهدت إلى فلان كذا وكذا، وتأويله: ألزمته ذلك، فإذا قلت عاقدته أو عقدت عليه، فتأويله أنك ألزمته ذلك باستيثاق والمعاقدة المعاهدة وعاقده عاهده، وتعاقد القوم تعاهدوا وقوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود " قيل: هي العهود، وقيل هي الفرائض التي ألزموها.
فما هي الدلالة اللغوية للفظ " العقيدة "... دينيًا وفلسفيًا واجتماعيًا؟
لفظ "العقيدة " في اللغة العربية مشتق من كلمة "عَقَد " أي ربط وأحكم الوثاق؛ فهي تفيد التصديق والتيقن والجزم. فالمعتقد متيقن من صدق تصوراته وانطباقهاعلى الواقع انطباقًا لا يدع مجالاً للظن أو الشك. وبهذا تتميز العقائد عن المعارف النظرية. فرغم تشابه العقيدة والنظرية من حيث البنية المعرفية، تختلف الأولى عن الثانية من حيث درجة القطع واليقين في صدق التصورات المعرفية. وبعبارة أخرى نقول: إن الاختلاف بين العقيدة والنظرية لا يرتبط بمحتواها الموضوعي، بل بالبعد الذاتي النفسي للناظر أو المعتقد. فالمعتقد متيقن بصدق ما عرف، جازم بتحققه.
واستخدم علماء المسلمين الأوائل لفظ "العقيدة" للدلالة على المفاهيم المنبثقة من نصوص الوحي التي يشكل مجموعها تصور المسلم الكلي للوجود، ولم يتطور مفهوم "العقيدة" ويأخذ المعنى المستخدم اليوم إلا في فترة متقدمة من تطور الفكر الإسلامي، وتحديدًا في منتصف القرن السادس الهجري، حيث ظهرت مؤلفات وظفت مصطلح "العقيدة " لإعطاء تصور كلي للوجود مستمد من الكتاب والحديث، من أهمها كتاب شرح "العقيدة الطحاوية " الذي ألفه علي بن أبي العز الأذرعي (ت 792هـ)، وكتاب "شرح العقائد النسفية " للتفتازاني (ت 791 هـ). بيد أن القرآن الكريم لا يستخدم في معرض الحديث عن تيقن الإنسان بصدق تعاليم السماء كلمتي "اعتقد" و"عقيدة"، بل كلمتي "آمن" و "إيمان". فيشير إلى تصديق الإنسان للمعارف المنزلة من السماء عبر الرسل المصطفين بلفظ "الإيمان ".(1)
وتتحدد مقومات الإيمان في الإسلام كما تعرضها نصوص الكتاب في خمس: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر:" آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون، كل آمن بالله وملائكته وكتبه، ورسله " [البقرة: 285] "ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين " {البقرة : 177 }
وتضيف نصوص الحديث مقومًا سادسًا إلى مقومات الإيمان: فتشترط الإيمان بالقدر خيره وشره من الله تعالى، كما ورد في حديث جبريل إذ سأل رسول الله عن الإيمان، فأجاب: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره " (رواه مسلم). ومن البديهي أن التصديق بالكتاب يستدعي قبول ما جاء فيه من قضايا وأحكام، مما يعني أن ارتباط النظرية بالتطبيق هو ما يميز العقيدة عما سواها من البنى الفكرية الذهنية.
فالعقيدة ليست مجموعة من التصورات ذات طبيعة نظرية محضة، منفكة عن الحياة العملية للفرد والمجتمع، بل هي منظومة من التصورات الهادفة إلى التأثير في العقل الإنساني، ومن خلال مجموعة القيم والمبادئ والأحكام التي تنبثق من هذه التصورات وترتكز عليها. فالإيمان باليوم الآخر ليس معرفة نظرية كالتيقن بحركة المجرات واحتراق النجوم، بل هي معرفة تتعلق مباشرة بمسئولية الإنسان عن أفعاله المكتسبة في زمن وجوده الدنيوي، وتحمله لتبعاتها يوم معاده.(2)
ولفظ "العقيدة " في اللغات الأجنبية: Dogma - Dogme، مشتق من اللفظ اليوناني Dokein ومعناه "يفكر ويتخيل أو يتبنى رأيًا ". وكان لفظ Dogmata يطلق على النظريات الفلسفية المتباينة للتمييز بينها عند "الأكاديميين " (أفلاطون)، و"المشائين " (أرسطو)، و"الرواقيين"، و"الشكاك" و"الفيثاغوريين" وغيرهم. ويقال "دجمات" على النظريات المسيحية لتمييزها عن النظريات الفلسفية، وهذه هي المرحلة الأولى من تاريخ الدوجما Dogma.
أما المرحلة الثانية ففيها أصبحت: "الدوجما " أو العقيدة هي القانون الكنسي الذي ينبغي أن يخضع له المؤمن، ثم أصبح القانون الكنسي قانونًا مدنيًا، وبالتالي أصبح من يعارضه ليس مجرد هرطيق وإنما مجرم في حق الدولة. وبزغ التنوير في القرن الثامن عشر في أوربا مقاومًا لمعنى "الدوجما " في المرحلة الثانية(3) فالعقيدة هي الحكم الذي لا يقبل الشك فيه لدى معتقده، وهي أيضًا الرأي المعترف به بين أفراد مذهب واحد، كالعقيدة الرواقية، والعقيدة الماركسية، وتطلق في الدين على ما يؤمن به الإنسان كوجود الله، وبعثة الرسل، والعقاب والثواب وغيرها. والاعتقادية أو الوثوقية أو القطعية أو التوكيدية Dogmatism مذهب الذين يؤمنون أيضًا بقدرة العقل على الوصول إلى اليقين، وهي ضد الريبية Scepticism، والشك والنقد. وقد يطلق لفظ الوثوقي أو التوكيدي تهكمًا على من يتعصب لرأي يسلم به دون تمحيص، ويحاول فرضه على غيره دون برهان.(4)
و"عقدية " Dogmatism مذهب اليقين أو القطعية أو الجزمية تترجم بـ "الدوجماطيقية "، وتشتق من " عقيدة" Dogma، وهي حكمة أصلها أغريقي، وتعني النظرية التي تقرها السلطة، ويلزم بها الأفراد الواقعون تحت سلطانها، أو هي المبدأ الذي يقوم عليه المذهب، ويسلم معتنقوه بصحته ابتداء كنوع من الإيمان، ولذلك ارتبطت الكلمة بالدين، لتعني ركنه، كما تقول أركان الإسلام، وتعني مبادئه الإيمانية الموصي بها التي لا تفسير لها سوى أنها أوامر من الله تعالى، وبالتسليم بها يقوم الإسلام، ولا يقوم بغيرها، ومن ثم فالعقيدة هي مطلب الإيمان، وهي تقابل مذهب الشك، وتزعم قوى العقل قادرة على بلوغ الحقيقة إذا اعتمد الإنسان عليها بطريقة منهجية.
واعتبر "ايمانويل كانط " Kant (1724 - 1804)، الفلسفات العقلية فلسفات عقدية، لأنها تقدم نظريات عن العالم تقطع بصحتها، وكأنها حقائق يقينية لا تنازع، ولذلك اعتبرت العقدية المذهب المقابل للفلسفة النقدية، وتناهض العقدية الاجتهاد، وترقى أن تكون جمودًا مذهبيًا، ولذلك يترجمها البعض بالجمود المذهبي.(5)
(العقيدة) أو الدوجما والدين مما تقدم يتضح أن هناك علاقة بين "الدوجما " والدين Religion وكلمة "دين" في اللغات الأوربية مشتقة من الكلمة اللاتينية Religare أو Religio بمعنى يربط أو يصل أو يجمع. ولهذا كانت الكلمة تعني "العلاقة "، أي علاقة ما هو إنساني بما هو إلهي. كذلك فهي مستمدة من كلمة Religere أي يعبد بخوف واحترام.(6) والدين عند كارل يونج "عالم النفس الشهير"، يشير إلى وجود دينامي يستولي على الذات الإنسانية ويتحكم فيها بحيث تصبح الذات خاضعة لهذا الوجود وليس خالقة له.(7)
مما يعني أن الدين يعبر عن العلاقة بين "المطلق" Absolut في إطلاقه والمحدود في محدوديته. ولهذا يتصف أي دين بما يلي:
1 - الاعتقاد في المطلق.
2 - تحديد علاقة الفرد بهذا المطلق.
3 - ممارسة شعائر وطقوس معينة.
والدين مرادف للملة، يقول الفارابي: "الدين والملة يكاد أن يكونا اسمين مترادفين (8) وقد تبلور سلطان الدوجما فيما سمي بعلم العقيدة، وهو العلم الذي يحتوي على كل ما يلزم المؤمن بعقيدة معينة، فنشأ، على سبيل المثال، علم اللاهوت في المسيحية وعلم الكلام في الإسلام. ووظيفة كل منهما تحديد بنود الإيمان، ومن ثم فأنت لا تكاد مؤمنًا إلا إذا التزمت هذه البنود، وإن لم تلتزم فأنت كافر. وقد مارس كل من علم اللاهوت وعلم الكلام وظيفة التفكير، فكُفِّر جاليليو، وأحرق جوردانو برونو حيا وعذب كامبانيللا على الخازوق. وكفر ابن رشد وقتل الحلاج والسهروردي. بل إن المذاهب المسيحية كفرت بعضها البعض، وكذلك فعلت الفرق الإسلامية، وبدلاً من أن تكون العقيدة (الدوجما) مصدرًا للوحدة والتعاون والتناغم، أصبحت مصدرًا للانقسام والتنازع والتناحر في بعض الأحيان " فقد أدى الاختلاف العقدي، في التاريخ الإسلامي إلى حدوث انقسامات سياسية مزقت وحدة المسلمين وأضعفت شوكتهم. فالانقسام الخارجي الشيعي في أواخر خلافة علي بن أبي طالب، والانقسام السني الفاطمي في العهد العباسي، وما تبعه من انقسامات سنية شيعية، ثم الانقسام السني الشيعي الاثنى عشري الذي خط الحدود الفاصلة بين الدولتين العثمانية الصفوية، وغيرها من الانقسامات التي عرفها تاريخ الإسلام السياسي أدت إلى إضعاف الأمة وتبديد طاقتها. بل إن الانقسامات العقدية السياسية لم تقف عند حدود الفرق الكبرى، كالشيعة والسنة، بل استمرت داخل هذه الفرق. ولا شك أن الانقسامات السياسية لا ترجع جميعًا إلى اختلافات عقدية محضة. فالانقسام الأموي العباسي لم يكن قائمًا على أساس عقدي، وإن لعبت العقيدة دورصا هامًا في بداية الصراع بين البيت الأموي من جهة والبيت الهاشمس بفرعيه العلوي والعباسي من جهة أخرى. بيد أن خطورة الانقسام العقدي تمثلت تاريخيًا في تكريس التقسيم وصعوبة تجازوه.(9) فأين تكمن جذور التكفير؟ وهل مصدر الانقسام والتنازع والتناحر كامن في الدين أم في "الدوجما"؟ وهل هناك علاقة بين "الدوجما" و"التعصب"؟
الدوجما و"التابو" Taboo
تكمن جذور "الدوجما " Dogma في فكرة "التابو " Taboo التي وجدت عند الإنسان البدائي، والتي كشف عنها عالم النفس الأشهر "سيجموند فرويد " Freud في مقالاته التي نشرها عن "
الطوطم والتابو " بدء من عام 1913، وأراد بهذه المقالات إثبات وجود تشابه بين حياة الإنسان البدائي (الهمجي) النفسية والمصابين بأمراض نفسية. وقد نبه إلى إنه: "على القاريء ألا يتخوف من احتمال نزوع التحليل النفسي إلى إرجاع شيء معقد كالدين، إلى مصدر واحد مفرد. فالأصل التاريخي لهذه الظاهرة التي قام بدراستها (المحرمات أو المقدسات (التابو) والنظام الطوطمي) غير معروف. لذا اضطر فرويد لسد هذه الثغرة إلى الرجوع إلى نطريته العامة في الانفعال. فقال إن المصدر الأوحد للنظام الطوطمي هو فزع الهمجي من سفاح القربى. فهذا الدافع هو الذي أدى إلى زواج الأباعد. إذ يعد كل من انحدر من نفس الطوطم مشاركًا في الدم، أي من نفس العائلة، وتعتبر أي صلات عائلية مهما بعدت من الموانع التي تحول بصفة مطلقة دون أية معاشرة جنسية.
وانتهى فرويد - من زعمه هذا - إلى الربط بين ما تنهى عنه الطوطمية (عدم قتل الحيوان الطوطم، وعدم استعمال أية امرأة تابعة لنفس الطوطم لأية أغراض جنسية)، وجريمة أوديب الخاصة بذبح أبيه، وجريمته الثانية عندما اتخذ أمه زوجة له، والتوافق من جانب آخر بينهما وبين الرغبتين الأوليتين للطفل اللتين تتركز أغلب الظن معظم الأمراض النفسية حول كبتهما أو إعادة إيقاظهما.(10) و "
التابو " يعني أن ثمة أشخاصًا أو أشياء قد عزلت وأصبحت "مقدسة " ولا يجوز الاقتراب منها فضلاً عن نقدها، وإلا فالموت هو العقوبة لمن يجرؤ على مخالفة ذلك، ومن هنا فإن التابو ينطوي على أمر "مطلق" Absolut، فأساس التابو هو الفعل الممتنع.
غير أن "التابو " الخاص بالإنسان البدائي لم يختف قط، وإن اتخذ أشكالاً متنوعة عبر العصور والمجتمعات المختلفة. وإذا كان بزوغ الفكر النقدي منذ عصر التنوير في القرن الثامن عشر، كشف لنا عن حقيقة "التابو " فإنه لم يقض على الوظيفة الاجتماعية الأخلاقية الدينية للتابو. وكل الممنوعات الأخلاقية والتقليدية التي تحكمنا حتى هذه اللحظة لها علاقة جوهرية بهذا التابو البدائي، وتفسير التابو قد يلقي أضواء كاشفة على الأصول الغامضة لـ "المطلق "(11) غير أن القول بأن "المقدس" مساو لـ" المطلق "، وقصر ذلك على الدين فقط، على اعتبار أن الدين مطلق، غير صحيح على إطلاقه، ذلك لأن ثمة أيديولوجيات Ideologies علمانية (كالماركسية) تقدس المطلق، وهي بهذا المعنى أشكال من الأديان العلمانية.
هذا من ناحية أخرى، فإن من يقرأ "أدورنو" و"هوركهيمر" في كتابهما "جدل التنوير"، سيجد أن عقلانية عصر التنوير لم تسحق التابو تمامًا، وإنما على العكس خلقت أساطير جديدة، عندما ارتقت بالعقلانية نفسها إلى مستوى المطلق. يقول أدورنو وهوركهايمر: "إن الإنسان المعاصر يسير على نفس منوال الإنسان الأول، في إضفاء الطابع العقلي على كل الأشياء، حتى أنه يتجه إلى تكوين أسطورة جديدة، ذلك لأن عقل التنوير قد تبنى مفاهيم هذه الأسطورة التي تحكم العقل وتتخذه أداة لتحقيق مصالحها، بدلاً من تأملها وتحليلها ونقدها، أي أن العقل نفسه قد تحول إلى أسطورة، ومضى يعقلن كل مجالاته الحياتية بدلاً من أن يمارس نقده لذاته "(12) ناهيك عن أن القول بوجود مجتمعات بدون "تابو" أسطورة، وربما أيديولوجية....... وللقضية بقية.
الهوامش:
1 - لؤي صافي: العقيدة والسياسة، سلسلة قضايا الفكر الإسلامي (11)، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، هيرندن، فيرجينيا، الولايات المتحدة الأمريكية، 1996، ص 51 - 52.
2 - المرجع نفسه: ص 53.
3 - د. مراد وهبة: المعجم الفلسفي، دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع 1998، ص 329 - 330.
4 - د. مراد وهبه: المعجم الفلسفي، ط 3، القاهرة، 1966، ص 279. وأيضًا جميل صليبا: المعجم الفلسفي، دار الكتاب اللبناني، بيروت 1971، ص 92.
5 - د. عبد المنعم حفني: الموسوعة الفلسفية، دار المعارف، تونس.
6 - د. على سامي النشار: نشأة الدين: النظريات التطورية والمؤلهة، مركز الإنماء الحضاري، حلب، ط 1، 1995، ص 12.
7 - Jung C. G: Psychology and religion, Yala Univ. Press, 1938, pp. 4 - 5.
8 - د. مراد وهبة: المعجم الفلسفي، دار قباء، 1998، ص ص 332 - 333.
9 - لؤي صافي: العقيدة والسياسة، ص 68.
10 - أرنست كاسيرر: الدولة والأسطورة، ترجمة: د. أحمد حمدي محمود، مراجعة أحمد خاكي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1975، ص 55.
11 - Freud: Totem and Taboo, Routledge, 1960, P. 22.
وأيضًا د. مراد وهبة في تقديمه لـ "رسالة في التسامح" لجون لوك، ترجمة: د. منى أبوسنة، المشروع القومي للترجمة، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 1997،، ص 15.
12 - Adomo (T.W.) and Horkheimer (M): Dialectic of Enlightenment (New York, continuum) 1972, p. 168.