دروس دبي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
خلال زيارتي الأخيرة لدبي كان لي لقاء غير صحفي مع مسئول إمارتي كبير. دار الحوار حول النجاحات الاقتصادية المذهلة التي تحققت في بلاده، والتي قامت على فكر اقتصادي منفتح ومتطور وشديد الترحيب بالاستثمارات الخارجية.
إلا أنني نقلت إليه ما أقلقني ليس في الإمارات فحسب، ولكن في دول الخليج عموما، خاصة القليلة السكان منها. فحسب آخر الإحصائيات فأن نسبة الإماراتيين في دبي لا يزيد عن خمسة في المائة، وهو رقم يزداد تناقصا عاما بعد عام. وليس الحال بأفضل كثيرا في دول أخرى كقطر والبحرين والكويت. ولذلك فإنك قد تمضي أياما في دبي بين أسواقها وشوارعها وشركاتها الكبيرة والصغيرة ولا تحتاج إلى الحديث بالعربية.
سألته إلا يقلقكم هذا الحال؟ فمن الناحية الأمنية فإن فرنسا عانت كثيرا من اضطرابات قامت بها فئة تمثل أقلية لا تصل حتى إلى خمسة في المائة من السكان، فكيف يكون عليه الأمر لو تكرر مثل هذا الموقف، لا سمح الله، في دولة الأغلبية فيها من جنسية واحدة، هي الهندية الهندوسية.
ومن الناحية الثقافية، فكيف يكون حال جيل بأكمله سيكبر في بلد أكثر من فيه لا يتحدثون العربية ولا يدينون بالإسلام؟ الا ترون في ذلك خطر على الهوية الثقافية للمجتمع؟ خاصة أن منظمة التجارة العالمية ستفرض علينا منح الجنسية للمقيم بعد مدة معينة من إقامته. أليس من الأسلم أن تتنوع الجنسيات وتزيد نسبة الجنسيات العربية والمسلمة؟
ومن الناحية الاقتصادية، فما الفائدة من أن تتحول البلد إلى ساحة للآخرين ليصنعوا فيها ثرواتهم، طالما أن المستثمر المحلي يمثل أقلية؟ وكم من الثروة تحتاجها بلد حتى تكتفي، إذا كان ما لديها يفوق احتياجات أجيال قادمة بكثير؟
كان مضيفي كريما وصريحا معي، قال: يقلقني طبعا ضياع الهوية، ولكن هذه هي ضريبة الرخاء، وفي عالم أصبح قرية واحدة، فقد أصبح الأمر طبيعيا عندنا وعند غيرنا. وبالنسبة للأمن، فإن رضاء المقيم عن وضعه الاقتصادي لن يدعوه إلى الخروج على النظام. أما عن الجالية الهندية، فقد وجدنا أن الهنود، وهم الأقرب إلينا جغرافيا، هم الأطوع، والأكثر كفاءة، والأقل ارتكابا للجرائم من كافة الجنسيات الأخرى، بما في ذلك، مع احترامي، الجنسيات العربية والمسلمة.
ونحن سعداء أن نكون بلدا يصنع الآخرون ثرواتهم فيه فيعم الرخاء العالم، بدأ بجيراننا ودول المنطقة. هذا دور نشدناه وهدف حققناه .. ونعتز بذلك.
خرجت من لقائي مع المسئول بمزيد من الاحترام لصراحته وسعة صدره، ولكن بسؤال ظل يقلقني: ترى كم يجب أن ندفع لضريبة الرخاء قبل أن نقرر الاكتفاء؟
تنشر بالتزامن مع "المدينة" السعودية