كتَّاب إيلاف

ملاحظات حول نتائج الإنتخابات الفلسطينيّة

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

ماذا تعني نتائج الانتخابات الفلسطينيّة؟ هذا هو السؤال الأهمّ الّذي يجب على كلّ فلسطيني أن يحاول الإجابة عليه.

أوّلا وقبل الخوض في الموضوع يجب القول صراحة ودون لفّ أو دوران أنّ من ينادي إلى تطوير مجتمع ديمقراطي عليه القبول بنتائج هذه الانتخابات بوصفها عبّرت عن رغبة غالبيّة النّاخبين الفلسطينيّين. وما على سائر الفصائل المعارضة لهذا التّيّار إلاّ الجلوس في مقاعد المعارضة وإجراء حساب ذاتي حقيقي بغية الحصول على ثقة المواطن، ثمّ استجماع القوى للانتخابات القادمة بغية قلب المعادلة من جديد.هذه هي الطّريق لحياة برلمانية حقيقيّة، كما يحدث في الدّول الدّيمقراطيّة، وكما يجب أن يكون. لكن، وبعد الإقرار بهذه الحقيقة، ثمة حاجة إلى طرح بعض التّساؤلات الّتي تطفو على السّطح في هذه الحال الّتي أفضت إليها الأوضاع الفلسطينيّة.

***
يجب أن نقول صراحة أنّ انتصار حماس في الانتخابات الفلسطينيّة لم يأت إلاّ كنتيجة حتميّة لازدياد قوّة الإسلام السّياسي في المنطقة العربيّة بأسرها. هكذا رأينا قبل مدّة في مصر، وهكذا في أماكن أخرى.إنّ تعاظم قوّة هذا التّيّار ليست سوى مرآة عاكسة للفشل الذّريع الّذي كان في جانب الحركات الّتي تسمّى "قوميّة". ومن هنا فإنّ انتصار حماس الانتخابي ليس سوى مرآة تعكس الفشل الذّريع للحركة القوميّة الفلسطينيّة في الوصول إلى الأهداف الّتي وضعتها نصب أعينها، كالتّحرير وبناء الدّولة والانعتاق من الاحتلال.

***
ينضاف إلى هذا الفشل الذّريع في تحقيق الأهداف ما جاءت به هذه الحركة القوميّة من فساد شامل في كلّ مجالات الحكم والحياة الفلسطينيّة. لقد استشرى الفساد في هذه السّلطة "الوطنيّة" حتّى صار سمةً مميّزة لها في كلّ خطوة تخطوها. وفي الحقيقة هذه هي حال غريبة وغير طبيعيّة في مسيرة التّطوّر البشري. إذ عادة ما يحدث الفساد في المجتمعات بعد بناء الدّول واستقرار الحكم فيها على الأرض والحدود لسنوات طويلة. أمّا في المثال الفلسطيني فقد بدأت الأوضاع في الحال الفلسطينيّة بصورة معكوسة، أي أنّ السّلطة الفلسطينيّة قد بدأت بالفساد أوّلاً وقبل أن يكون هنالك دولة، وقبل تحرير الأرض والإنسان.هذه الحال الغريبة هي جزء من عمق هذا الإحباط الّذي صار ملازمًا لمزاج الشّارع الفلسطيني منذ دخول السّلطة الفلسطينيّة وقيامها على جزء من الأرض.ومن هذه النّقطة بالذّات، كانت الطّريق لتزايد قوّة حماس قصيرة للغاية. وهذه الحال من الفساد تنطبق على سائر الدّول العربيّة الّتي تتسمّى "قومية"، فلا أتت هذه الأنظمة القوميّة بالازدهار الاقتصادي، ولا تحرّر فيها الانسان العربي من الاستبداد السّلطوي، ولا أيّ شيء آخر.

***
لقد أبقت هذه الأنظمة جميعها وعلى اختلاف مشاربها طريقًا واحدة مفتوحة أمام حركات المعارضة هي طريق الدّين ليس إلاّ.وهكذا وجدت المعارضات العربيّة في المساجد منفسًا وحيدًا لمعارضتها لهذه الأنظمة الفاسدة. والنّظام الفلسطيني الفاسد لا يختلف عن الفساد في سائر الأنظمة العربيّة، ولذلك فحال الفلسطيني لا تختلف عن حال سائر المواطنين العرب، اللهمّ إلاّ بوضعه في حرب على جبهتين، جبهة الفساد الدّاخليّة وجبهة النّضال للانعتاق من الاحتلال.

***
إنّ ما يعنيه هذا الانتصار الانتخابي لحماس هو أمر له إسقاطات بعيدة المدى.إنّه يعني في الحقيقة فشلاً ذريعًا للمشروع القومي الفلسطيني. وبكلمات أخرى فإنّه يعيد الحال الفلسطينيّة إلى نقطة الصّفر، أي إلى المكان الّذي لم تكن موجودة فيه قومية فلسطينيّة لها خصوصيّاتها ومعزولة عن سائر القوميّات العربيّة. وهي القوميّة والحال الّتي ناضل من أجلها عرفات طوال حياته وحتّى آخر عمره. ويمكن إجمال ما جرى على السّاحة الفلسطينيّة منذ النّكبة وحتّى الآن بما يلي من مراحل:

أوّلاً، مرحلة ضمور الهويّة الفلسطينيّة الخاصّة قبل وبعد النّكبة حتّى حرب حزيران ٦٧. حيث كان الحديث عن قضيّة لاجئين على العموم ليس إلاّ، وذلك ضمن الهويّة العربيّة العامّة في مقابل الصّهيونيّة.

ثانيًا، مرحلة تطوّر وتبلور هويّة فلسطينيّة مع منظمة التّحرير الفلسطينيّة، وخاصّة بعد الشّقيري وهي الهويّة الّتي ارتبطت بصورة تامّة بشخصيّة عرفات والكفاح المسلّح، سيرًا على نهج عبد النّاصر في مقولة "ما أخذ بالقوّة لا يُستردّ إلاّ بالقوّة".

ثالثًا، مرحلة فشل الكفاح المسلّح على جميع الجبهات، وهو الفشل الّذي كان له الدّور الأبرز في نشوب الانتفاضة الأولى، ومن ثمّ ركوب عرفات على رياح الانتفاضة للعودة، وعلى وجه الخصوص بعد الأخطاء الكبرى الّتي ارتكبها بدعمه لسفّاح العراق في غزوه للكويت. والآن، وبعد مرحلة فشل السّلطة الفلسطينيّة في تحقيق شيء يذكر من الأحلام الفلسطينيّة، إضافة إلى استيراد الفساد السّلطوي العربي إلى فلسطين، صارت الطّريق سالكة إلى تعزيز القوى الغيبيّة.

***
وهذا بالضّبط ما أسفرت عنه الآن هذه الامتخابات.تعني نتائج الانتخابات هذه، بين ما تعنيه، رفضًا قاطعًا للفساد المستشري في هذه السّلطة منذ تأسيسها من جهة، ومن جهة أخرى فهو نابع من يأس تام بأنّ الحركة القوميّة الفلسطينيّة بوسعها أن تحقّق شيئًا في هذا الصّراع. لذلك، يبدو أنّ الشّعب الفلسطيني قد عاد إلى نقطة الصّفر في هذا الصّراع الدّامي باحثًا عن دعم من حلقة أوسع من الحلقة القوميّة العربيّة الفاشلة. غير أنّه، ولسوء حظّه، قد عاد هذه المرّة إلى نقطة الصّفر في وضع دولي أسوأ بكثير، إضافة إلى أنّ هذه الحلقة الأوسع ستسبّب له نكبة أخرى تنضاف إلى نكباته. فهل تتعلّم القيادات الفلسطينيّة قراءة العالم من حولها؟ هذا هو السؤال الكبير الّذي لا أملك عليه إجابة.

القدس 26 / 01/ 2006

salman.masalha@gmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف