كتَّاب إيلاف

الرقص على أنغام إرهابية

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

ليس صحيحاً ما قد يتصوره البعض، أن نتيجة الانتخابات التشريعية الفلسطينية، هي انتصار تيار التطرف الديني الإرهابي، على تيار الاعتدال والسلام والانفتاح على العالم، فلم يكن هذا الاتجاه الأخير موجوداً على ساحة الشرق الأوسط، على الأقل في المرحلة الراهنة.

إن ما حدث فعلاً هو انتصار الإرهابيين الأنقياء (أو الأطهار إن صح التعبير)، على من يطلقون تصريحات توحي بالاعتدال، وهم في ذات الوقت يرقصون على أنغام الكراهية والتخلف والظلامية، يغازلون بعبارات الاعتدال المجتمع الدولي، طمعاً في استجلاب الدعم المادي، ينفقون قليله على الشعب الفلسطيني البائس، ويكتنزون كثيره في حساباتهم السرية، ويرقصون في ذات الوقت على أنغام الإرهاب والكراهية قولاً وفعلاً، سواء انسجاماً مع طبيعتهم ظلامية التكوين بالأساس، أو مزايدة على دعاة التطرف الأنقياء، ونفاقاً للجماهير المسكينة الغوغائية، التي ترضع ومنذ قرون ذات الحليب المسمم، بحيث صارت الكراهية والتعصب وشهوة القتل مكوناً أساسياً من هوية شعوب المنطقة، وبكلمات أخرى صارت هي ملامح العروبة التي نتشنج بخطابها، وتلغ قنواتنا التليفزيونية الفضائية المناضلة من مياهها الآسنة.
هل كان ياسر عرفات وصحبه صادقين فعلاً حين أعلنوا توجههم نحو السلام، ونبذ الإرهاب وخطف الطائرات وقتل الأبرياء؟
هل قرروا حقيقة أن يصيروا رجال دولة، كما فعل رجال العصابات الصهيونية إبان إنشاء إسرائيل، لينهجوا نهجاً حضارياً، يتفق والمرحلة التي يجتازها العالم الآن، يرعون مصالح شعبهم متحلين بشيم الحضارة وتقاليدها، لا رجال عصابات للقتل والابتزاز وفرض الإتاوات، سواء على حكام الدول العربية، أو على شعب وتجار الأردن ولبنان، بل وفلسطين ذاتها؟
هل قرر رجال فتح وهوامشها في يوم من الأيام، أن يضعوا أنفسهم وبإخلاص في خدمة شعبهم وقضيته، بدلاً من أن يكونوا دمى تحركها أنظمة المنطقة وحساباتها الخاصة، وكأنهم ينادون: "مناضلون للبيع فهل من مشتر؟"
هل نتجنى على تيار فلسطيني معتدل بعباراتنا التعميمية هذه؟

قد يكون هذا صحيحاً لو تكرم أحدهم بسد النقص في معلوماتي، بأن يخبرني باسم فرد واحد أدان وبوضوح لا لبس فيه أعمال النذالة غير الإنسانية، والتي يذهب ضحيتها أبرياء في إسرائيل، كما يذهب ضحيتها احترام العالم لنا ككائنات إنسانية تحتل ولو أدنى درجة من درجات التحضر، إدانة لا يعقبها تبريرات تفرغها من محتواها، بأن تربطها بما يسمى بالعنف الإسرائيلي، في إقرار بأن هذا مقابل ذاك، رغم الفرق الواضح بين العنفين، واضح بالطبع لكل الكائنات المتحضرة في شرق العالم وغربه، فيما عدا قبائل العروبة ذات الطبيعة الخاصة والثقافة الخاصة.
ماذا فعل ياسر عرفات -الحائز على جائزة نوبل للسلام- حين انقلب على عملية السلام في كامب دافيد، والتي قدمت له دولة على 98% من الأرض المحلة عام 1967، ودعم عالمي مادي وسياسي، كفيل بإنقاذ الشعب الفلسطيني من هاوية الفقر والفوضى والبؤس؟
ماذا فعل حين جند الشباب وزودهم بالأحزمة الناسفة والأقنعة السوداء، وشحنهم بالكراهية السوداء مصحوبة بوعود بالجنة، وزود أهاليهم بالدولارات النفطية وغير النفطية؟
تصور أنه سيخدع العالم بنهجه الحربائي المتلون بألف وجه ووجه.
تصور وصحبه أنهم بهذا سيسحبون البساط من تحت أقدام الإرهابيين الأصلاء الصريحين الصادقين في إعلان توجهاتهم.
تصور أنه بهذا سيركب الموجة، ليكون في النهاية هو المنتصر الأوحد والأخير.
وتصور -وتصورنا معه- بسذاجة منقطعة النظير، أن قذف الأحجار والقنابل البشرية ستقهر إسرائيل ومن وراء إسرائيل، ولم يخطر بباله -أو ببالنا- أن النتيجة الوحيدة لما يفعل هي تدمير الشعب الفلسطيني بشرياً واقتصادياً وعمرانياً والأهم ثقافياً.
ولم يكن عرفات (العربي الأصيل) وحده، فقد كان معه أصحابه الميامين من مدعي العلمانية، باختلاف توجهاتهم وألوانهم، جميعهم تاجروا وزايدوا على خطاب الكراهية والتطرف والقتل، لم يتجرأ أكثرهم شجاعة على الدفاع عن القيم الإنسانية، ولم يكلف أحد نفسه بتدبر تأثير شيوع هذا الخطاب على نفسية الشعوب العربية وثقافتها، بعد انتهاء القضية الأساسية، على افتراض انتهائها، لم ينتبه أحد إلى أننا على هذا النحو سنتحول إلى أمة من المجرمين، سنستدير لننهش في لحوم بعضنا بعضاً بعد أن ننتهي من العدو (إن انتهينا، وهو ما ظهرت تباشيره بعد تنفيذ شارون لخطته الماكرة، بالانسحاب من طرف واحد.
ماذا فعل عرفات بنهجه البهلواني أكثر من تسليم وطنه وشعبه لقمة سائغة لدعاة الأصولية الدينية، الذين لا يرضون بديلاً عن إلقاء إسرائيل وأمريكا في البحر المتوسط والمحيط الأطلنطي أو الباسفيكي؟!
يجدر بمنظمة حماس أن تقيم نصباً تذكارياً، ابتهاجاً بنصرها المبين، عبارة عن تمثال للزعيم العربي الأصيل ياسر عرفات.
أمامنا الآن ثلاثة طرق محتملة:
bull;أن يظل رجال حماس على صدقهم ونقائهم العقائدي الرائع، ويمضون قدماً بعزم لا يلين نحو هدفهم المجيد، فيدمرون إسرائيل وأمريكا، ولا بأس أوروبا أيضاً، ليخلو الجو والعالم للعرب والعروبة!!
bull;أن تستدير حماس مائة وثمانين درجة، فتصبح -وبصدقها المعتاد- داعية سلام، وتقبل ما أقره العالم من دولتين جارتين متعاونتين، وتبدل خطابها ليتحول اليهود من أعداء الله إلى أخوة في الإنسانية، ولا تصبح إسرائيل بعد العدو الأبدي، وإنما الجارة الديموقراطية المتقدمة، والقادرة أن تأخذ بيد جيرانها الفلسطينيين، ليعبروا عصور الفقر والفوضى والتخلف، إلى عالم الحضارة والحداثة والإنسانية.
bull;أن تنهج حماس النهج العرفاتي الحربائي، وتمارس لعبة الخطابات والممارسات المتعددة المتعارضة، لعبة حلاوة التصريحات ونذالة الممارسات، وبهذا يبقى الوضع على ما هو عليه، ويستمر مسلسل القتل والعنف المتبادل، وتستمر أحوال الشعب الفلسطيني في التردي، وتستمر الحسابات السرية في سويسرا في التضخم، لتتغير فقط ملامح أصحاب تلك الحسابات، فبدلاً من أن تكون لأصحاب شوارب دون لحى، تصبح لأصحاب لحى دون شوارب!!
يتوقع الجميع من فتح أن تراجع نفسها بعد هذا الفشل المريع، وهذا ما سوف يحدث بالتأكيد، لكن التساؤل هو اتجاهات تلك المراجعة، والتي من المتوقع أن تتعدد، فهناك من سيسارع بالالتحاق بحماس وخطابها، ليحصل على نصيب من الكعكة، وهنالك من سيقدم خبراته وخدماته للسادة الجدد مقابل المنصب والمال، غير معني بالاتجاه الذي تسير العربة فيه، والمصير الذي تتجه إليه، وهناك من سيفشل في التخلص من نهجه العرفاتي الحربائي الذي درج عليه، وسيستمر في ممارسة لعبة الوجوه والخطابات المتعددة، وهناك بلا شك من سيقرر بشجاعة الاستفادة من الدرس، بحسم موقفه مع السلام والحضارة، ليبدأ في تشكيل نواة لجبهة تقف في وجه الطوفان.
تبدو السطور السابقة وكأنها تختص منظمتي فتح وحماس، لكن الحقيقة ليست كذلك بأي حال، فكلنا يا سادة هؤلاء الرجال.
فقط رموز تيار الليبراليين الجدد، يواجهون شعوبهم بشجاعة يصح وصفها بالانتحارية، يحملون مشاعل النور الخافتة في صحارى الظلمات العربية، يبشرون بالحداثة والإنسانية، وبمستقبل أفضل للبشرية جمعاء، لا يعيرون اهتماماً لقذف الأحجار من صناديد العروبة وأشاوسها، ويصبرون على عزوف الجماهير وتجاهلها لنداءاتهم، فقط لأنهم موقنون بأن مسيرة البشرية لن تستدير إلى الخلف، وأن سنة الكون أن ظلمة الليل مهما اشتدت سوادها، لابد وأن يعقبها الفجر، وإن طال الأمد.
أما الأذكياء الذين ينهجون نهج خالد الذكر ياسر عرفات، فإنهم منتشرون في أنحاء عالمنا العربي، وليس فقط في أرض فلسطين التعيسة، هم في مصر في الحزب الوطني الديموقراطي وسائر أحزاب المعارضة الكرتونية، يواجهون جماعة الإخوان المسلمين المحظورة، وينتظرون ذات مصير أشاوس فتح، بمجرد إجراء انتخابات على نفس مستوى نزاهة الانتخابات الفلسطينية!!
بإخلاص أقول:
bull;تحية لنزعة الصدق مع الذات ومع العالم في خطاب رجال حماس، مهما اختلفنا مع محتواه، مع تمنياتنا بدوام تلك النزعة (الصدق) في حال تغير الخطاب أو انقلابه.
bull;تحية للممارسة الثالثة للديموقراطية في عالمنا العربي (بعد العراق ولبنان)، والبقية تأتي.
bull;تحية للآنسة كونداليزا رايس وفوضاها الخلاقة، حتى لو ترجمت على الأرض إلى فوضى مدمرة، فلابد مما ليس منه بد كما يقولون، فمن الواضح أن شعوبنا لن تجتاز أزمتها الوجودية والحضارية، ولن تعيد النظر في بديهياتها وأفكارها وعاداتها وتقاليدها، إلا إذا وصلت تماماً إلى الحضيض، وإذا كان ذلك الحضيض آت لا ريب فيه، فلا بأس أن يأتي اليوم قبل غداً، على الأقل اختصاراً للوقت، الذي يقول الغرب الكافر أنه من ذهب!!

kamghobrial@yahoo.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف