هذه ليست قوة حماس في الشارع
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
ثمة نقطة جوهرية لم يتطرق لها أحد من المحللين والكتاب العرب، فيما يخصّ الفوز المزلزل لحركة حماس. ربما لأنها نقطة لا يعرفها إلا من يعيش داخل الميدان في الأرض المحتلة. وهي أن ما أخذته الحركة في المجلس التشريعي، من مقاعد، لا يوازي أبداً حجمها وقوتها التنظيمية في الشارع الفلسطيني. فحتى قادة حماس أنفسهم كانوا يتوقعون فوز الحركة بخمسة وأربعين مقعداً على الأكثر ، وإذ بهم يفوزون بتسعة وسبعين مقعداً [ 75، لها، و 4 مقاعد لمستقلين في غزة والضفة، دعمتهم هي ] أي تقريباً حصلت الحركة على ضعف المتوقَع. فكيف حدث ذلك؟ وما هي الأسباب الكامنة وراءه؟ إنه سؤال مهم ومهم جداً، مهم لفصائل منظمة التحرير، ومهم لفتح بالأخصّ، ومهم لكل من يتابع ويراقب. فحماس، كما نعرف، تنظيم حديدي شمولي أيديولوجي، بالمعنى الأسبرطي للكلمة. ولذلك، فهي تعرف حجم أصواتها بالتقريب، إن لم يكن بالضبط. ولذلك أيضاً، فهي توقعت الحصول على 40 إلى 45 من المقاعد، فقط. بمعنى أن هذا العدد هو قوتها الحقيقية المنظمة. لكن ما فاجأها وفاجأ حتى الاستخبارات الإسرائيلية، هو أن ربع جماهير فتح، صوتوا لصالحها، سواء عبر تصويتهم للمستقلين، أو عبر تصويتهم مباشرة لصالح حماس. كذلك فإن معظم الأغلبية الصامتة، من جماهير شعبنا، من غير المنضوين في أي تنظيم، صوتوا لها أيضاً. ما أوصلنا إلى النتيجة المفاجئة التي نعرف. هذه هي الحقيقة على أرض الواقع، دون رتوش، وهذا هو ما أدى إلى فوز حماس الكبير. إن قوة حماس في الشارع، لا تتجاوز نسبة الخمسة وثلاثين في المئة. وهذا الرقم ليس من عندنا، بل هو من عندهم هم. لذا على فتح أن تراجع نفسها، وأن تحلل أسباب هزيمتها، لتفهم حقيقة ما جرى. ربما يكون وقع الزلزال، أكبر من قدرتهم على التحليل الآن. لكن هذا سيمرّ بعد قليل. وعلى فتح أن تجلس وتراجع نفسها : تراجع كيف أن قوتها في الشارع، سقط ثلثها أو رُبعها على الأقل في الطريق إلى المجلس التشريعي. ما يعني، أن ما حدث معها، هو على الضد تماماً لما حدث مع حماس، بل هو الذي ساهم في فوز حماس. فحماس ذهبت إلى مراكز الاقتراع ب [ بلوك ] مقفل. أي ضامنة جميع أصوات أفرادها بالتمام والكمال. وفوق ذلك، استفادت استفادة كبرى، من حال تنظيم فتح المهلهل. هذا هو ما حدث. وعلى الفتحاويين بالذات، بصفتهم الخاسر الأكبر، أن يستخلصوا العبرة! بل عليهم أن يدفعوا ثمن ما زرعوه هم أنفسهم، عن طريق نوابهم، أعضاء المجلس التشريعي السابق، حين قسموا آلية الانتخابات إلى قسمين : قسم التمثيل النسبي الوطني، وقسم الدوائر. ففتح خسرت خسارة ساحقة في الدوائر تحديداً. ولو كانت الانتخابات جرت على طريقة التمثيل النسبي، لما كانت هذه هي النتيجة. إن قصر نظر نواب حركة فتح، وهم كل أعضاء المجلس السابق تقريباً، هو ما أوصلنا إلى هزيمة كل فصائل منظمة التحرير. وهو ما ساهم مساهمة أكيدة في فوز حركة حماس. وحين قلت في مقال سابق منشور في إيلاف، إن هذا كان بمثابة جريمة في حق نضالنا الوطني، استهجن بعض قادة فتح هذا الكلام، واتصل بي وزير سابق منهم، قائلاً إنني أبالغ وأضخم الأمور! حسناً.. ها هي الحفرة التي حفرتموها بقصد أو بدون قصد، تقعون فيها أنتم قبل غيركم مع أسفنا وأسفكم غير المجدييْن! لقد وقعت الفاس في الراس كما يقولون. وعلى فتح أن تتحمل نتائج ما صنع باروناتها وأباطرتها الكبار. هؤلاء الذين تجاوزهم التاريخ، فوقفوا حجر عثرة في طريق الجيل الشاب من الحركة، وفي طريق الإصلاح الداخلي.
إننا، كيساريين وليبراليين ومستقلين، أشدّ وأعمق ألماً، جراء هذه الهزيمة، من أعضاء فتح. فنحن نعرف، ربما أكثر منهم، ما يترتب على فوز حماس، من مضاعفات وآثار، على المديين القريب والبعيد. مضاعفات وآثار، بل ربما زلازل، على الصعد كافة : السياسي واليومي والاجتماعي والثقافي والفكري، بل والوطني أيضاً. لكننا، مع ذلك، نحترم صندوق الاقتراع، ولا نرى غيره، كمرجعية وحيدة لمشروعية وشرعية أيّ من القوى والأفراد.
لذا، فلنضع التناحر العصبوي جانباً، ولنحاول فهم ما جرى، على الأقل، كمقدمة للاستفادة منه. أما قبل ذلك، وبعده، وخلاله، فثمة المصلحة العليا للشعب الفلسطيني، ويجب أن تكون هذه فوق كل اعتبار. المصلحة العليا لشعبنا أولاً وأخيراً. ففي الأول والأول، فلسطين، أكبر من فتح وحماس. وفلسطين فوق فتح وحماس وكل القوى الأخرى. لذلك، نطالب بشراكة سياسية مع حماس، شراكة تضمن لقوى ممثلة في المجلس الجديد، أن تكون موجودة وفاعلة في الحكومة المقبلة، طالما دخلت مع حماس وفق برامجها الانتخابية، لا برامج حماس، ودون تقديم تنازلات : ونُشدد : دون تقديم تنازلات. كيف يتمّ ذلك؟ وهل هو طرح معقول؟ نترك هذا لقادة قوانا المختلفة، وننتظر إجاباتهم. أي فلتبدأ المشاورات أولاً، ثم نرى ما عند حماس، وبعدها نقبل أو نرفض. أما الرفض العدمي، سلفاً، فهو ليس من فن السياسة في شيء. بل هو مجرد ردّ فعل انفعالي عاطفي. وهو ليس عملاً سياسياً أبداً. إن حماس الآن في ورطة انتصارها الساحق، وهي بحاجة أشد من حاجة غيرها، إلى الدخول في شراكة سياسية مع آخرين، يكونون مقبولين على المجتمع الدولي، كأوروبا وأمريكا مثلاً. أما القول بأن ندع حماس تشكل الحكومة القادمة بمفردها، لنرى كيف ستعجز أمام هذا الواقع الفلسطيني شديد التعقيد والالتباس، فهو قول ينمّ عن قصر نظر، عملياً، وإن كان وجيهاً، من ناحية الفكر والمبدأ. لأن الشعب الفلسطيني، هو الخاسر من وراء طرح كهذا. فالجميع، في سفينة واحدة. والتناقض مع الاحتلال، هو التناقض الرئيسي والمركزي، لذلك، من واجب الجميع، أن يمد يده لحماس، إنما وفق شروطه هو وبرنامجه الانتخابي، لا شروط حماس. هذه هي المسألة. فإن رفضت حماس، فتكون بذلك، مسئولة شخصياً وتاريخياً عن رفضها، ما يعزز من ورطتها، ويفاقم هذه الورطة!
ثمة نقطة أخرى، مهمة جداً لنا، كمثقفين وكتاب علمانيين، وهي عدم نسيان أن وراء حماس تتشبّح طالبان! تارة على استحياء، وأخرى بجلاء فاضح! والحق أننا لا نرى فرقاً ولا فارقاً بين الإثنتين، على الصعيد الفكري. فكلاهما يصدر من منبع واحد. ومن هنا خطورة أن تشكل حماس الوزارة القادمة وحدها، فتتسيّد الشارع والمؤسسة _ مع احترامنا الكبير، كليبراليين علمانيين، بنتائج ما حصل من انتخابات نزيهة، ويتأكيدنا على قدسية ما يقول ويقرر صندوق الاقتراع. فلا وسيلة أخرى للديمقراطية غير هذه الوسيلة، التي أجمع عليها الفكر السياسي العالمي. لكن، في حالتنا المعقدة، يختلف الوضع قليلاً : ففوز حماس يعني ذهاب مجتمعنا إلى الوراء لا الأمام. الوراء في كل شيء، وبالذات على الصعيد الثقافي والاجتماعي والسياسي إلخ. من هنا، فأنا حزين لما يحدث الآن على أرض الواقع. وحزين أكثر، لأن السلطة بفسادها المستشري وأدائها الرث، هي من جعلت حماس تفوز وتتسيّد الشارع. إنني أرقب وأراقب وأتابع مجريات الأحداث، ويدي على قلبي. فأنا أعرف، ما سوف يترتب على فوز حماس من تداعيات وإشكاليات وكوارث! وكمثقف علماني، لا أخفي قلقي وخوفي مما يحبل به المستقبل.
لهذا السبب، سألبي أية دعوة لمحاصرة هذا الفكر الأصولي، حتى لو جاءتني من خصوم. فذلك هو دوري التاريخي كمثقف وحامل أفكار. ولو نكصت عن تأدية هذا الدور، وبالأخص الآن، لفقدت احترامي لنفسي أولاً، قبل أن أفقد احترام الآخرين.
يجب، مجدداً، الانتباه، فكرياً، في التعامل مع حماس. فحماس لا تملك مشروع تقدم وتحضر وحياة. بل تملك العكس والنقيض من كل أحلام وطموحات المثقفين الحالمين. لكن هذا، لا يجب أن يمنعنا من العمل السياسي معها، ولنأخذ مما يجري في الساحة السياسية لإسرائيل، دروساً وعبرة. إذ هناك، يستطيع حزب سياسي صغير، ضمن ظروف وحسابات معينة، أن يفرض شروطه كاملة على الحزب الأكبر.
لمَ لا نفعل ذلك مع حماس الآن؟
لمَ لا، حقاً!
مقالات ذات صلة
د. شاكر النابلسي: حماس تواجه العالم
د. سلمان مصالحة: ملاحظات حول نتائج الإنتخابات الفلسطينيّة
فاخر السلطان: هل حركة حماس ستبقى حماس؟
سامي البحيري: ألف مبروك لحماس والإستقالة لعباس!
د. خالد شوكات: هل تكره الولايات المتحدة الإسلاميين فعلا؟!
نبيل شرف الدين: عن سلطة حماستان .. أبشركم
د. أحمد أبو مطر: فوز حركة حماس: إنتصار أم مأزق؟؟
فيصل أبو خضرا: محمود عباس الرابح الأكبر!