ديمقراطيَّة دون رقيب
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
من النادر أن تأتيك الحقيقة التي تعرفها عارية ضمن إطار من كلمات كما أتت عبر مقالة لـ "آلوف بن" نشرتها هآرتز في 28/1/2006، بعنوان: "موجة من الديمقراطيَّة تضع إسرائيل في مواجهة الشارع العربي." يقول "ألوف بن": "قامت سياسة إسرائيل الإقليمية على ترتيبات وعلى توازن للرعب مع الديكتاتوريِّين العرب. لقد نُظر إلى سلطتهم على أنَّها حاجز يقي إسرائيل من غضب الرعاع في الشارع العربي. على هذا الأساس، تمَّت اتِّفاقيَّة السلام مع مصر والأردن، ومع ياسر عرفات وورثته، وهكذا كان الأمر بالنسبة إلى قانون اللعبة مع سورية ولبنان." http://www.haaretzdaily.com/hasen/spages/675990.html
يعاتب الكاتب الولايات المتَّحدة على محاولة "نشر الديمقراطيَّة دون رقيب"، ممَّا أدَّى إلى وصول "حماس" إلى السلطة. أمَّا أسوأ ما سيحدث لإسرائيل فهو أن تضرب موجة الديمقراطيَّة الأردن، "حليف إسرائيل الإستراتيجي"، ومصر، "التي تملك قنابل أف - 16، وسورية التي تملك صواريخ سكود وأسلحة كيمياويَّة."
"ديمقراطيَّة دون رقيب"! يا لها من كارثة! إسرائيل إذًا مع الديكتاتوريَّة للعالم العربي. فإن كان لا بدَّ من الديمقراطيَّة فلا بأس، شرط أن تكون نتيجتها مضمونة لصالحها سلفًا. أمَّا أن تُعطى شعوب العالم العربي فرصة للتعبير عن رأيها بحرِّيَّة فهذا "أسوأ" ما يمكن أن يحصل.
"قرَّر الفلسطينيُّون" عبارة استعملت كثيرًا في الأيَّام الماضية، ولكنَّها، في رأينا، تحمل مضامين أبعد لكثرة ما استُهلكت أيَّام التوقيع على "أوسلو" بل وقبل ذلك. ألم تكن اللازمة التي ردَّدتها الدول العربيَّة الراكضة وراء سلم مع إسرائيل دون كلل: "نحن نرضى بما يقرِّره الفلسطينيَّون"، ودون النظر إلى المسدَّس المصوَّب إلى رأس القيادات الفلسطينيَّة حين كانت "تقرِّر" التنازل عن 78% من أرض فلسطين.
لقد "قرَّر الفلسطينيُّون" أنَّ مسار التنازل لم يُجدِ فاختاروا البديل. ونعتقد أنهم لم يختاروا "حماس" لأنَّهم أصبحوا أكثر إسلاميَّة أو تديُّنًا بين ليلة وضحاها. إنَّ اختيارهم قرار سياسي وليس قرارًا دينيًّا، ولا تملك الدول العربيَّة أو الغربيَّة ولا حتَّى الولايات المتَّحدة أو إسرائيل إلاَّ أن تعترف بهذا الواقع الجديد وتتعامل معه.
بالأمس، كانت منظَّمة التحرير تدفع نقدًا وسلفًا ثمن أيِّ وعد كان يُرمى إليها. من الآن فصاعدًا، على "حماس" أن تقبض نقدًا وسلفًا ثمن أيِّ تنازل يطلب منها دون أن يعني ذلك قبولها بالتنازل. على "السلطة" الفلسطينيَّة الجديدة أن تحصِّل ما هو مستحقٌّ للشعب الفلسطيني نتيجة الانتهاكات الإسرائيليَّة لـ "اتِّفاقات أوسلو" وما تلاها، ناهيك عمَّا سبقها من مجازر وحملات إبادة، قبل أن تدفع أيَّ شئ. بالمختصر، على "حماس" أن تصحِّح كتابة التاريخ الحديث فتنفي عن الفلسطيني وصمة "الإرهابي التائب" التي وصمت السلطة الفلسطينيَّة بها نفسها منذ "أوسلو"، وتعيد صورة الفلسطيني المدافع عن حقِّه في الحياة أسوة بغيره من شعوب العالم.
على "حماس" ألاَّ تقدِّم أيَّ تنازل قبل أن تتراجع إسرائيل عن كلِّ انتهاكاتها "لأسلو". قد يُطلب من "حماس" أن تعترف بـ "أسلو" قبل أن تتنازل إسرائيل. إنَّها ليست ملزمة بذلك. على "حماس" اليوم قلب المعادلة. لقد تذرَّعت إسرائيل كثيرًا بضرورة "بناء الثقة قبل تنفيذ التزاماتها". إنَّ الفلسطينيِّين هم الذين يحتاجون إلى "مبادرات بناء الثقة"، والكرة الآن في ملعب إسرائيل والولايات المتَّحدة لكي "ينفِّذا التزاماتهما" وليس العكس.
قد يُطلب من "حماس" أن تنبذ العنف، بل ما هو أكثر. لقد طالبها "إيلي ويزل" بطل دعاية "المحرقة" أن تطلب الغفران لكي يتمَّ قبولها في المجتمع الدولي! كلُّ ما على "حماس" فعله هو أن تشير إلى الملصق الانتخابي الذي يحمل صور أبرز شهدائها، وصور آلاف المدنيِّين الذين قضوا في السنوات الخمس الماضية، وآلاف أشجار الزيتون المقلوعة، وبيوت جنين المسطَّحة فوق رؤوس ساكنيها تحت سمع العالم وبصره، وتطلب من العالم أن يتقدَّم من الشعب الفلسطيني بطلب المغفرة.
ربَّ قائل: ومن أين ستطعم حماس شعب فلسطين؟ لقد هدَّدت الولايات المتَّحدة وأوروبَّا بقطع المال عن الحكومة الفلسطينيَّة الجديدة وعزلها سياسيًّا، وتهدِّد إسرائيل بمتابعة الاغتيالات، كما فعل شاوول موفاز للتوِّ. نعتقد أنَّ التهديد بالعزل المالي والسياسي فارغ، وشاهدنا أنَّ الولايات المتَّحدة هدَّدت إيران كي لا تقوم بتمويل الحكومة الجديدة. إنها فعلت ذلك لأنَّها تعرف تمامًا أنَّ هذا هو ما سيحدث إذا قرَّرت هي وغيرها محاولة خنق "حماس" ماليًّا، ولأنها تعرف أن إيران لن تكون وحدها في ذلك.
كذلك الأمر على الصعيد السياسي. هناك عنوان جديد للسلطة الفلسطينيَّة اسمه "حماس"، وإلى هذا العنوان، على السياسيِّين الأوروبيِّين والأميركيِّين والإسرائيليِّين أن يأتوا علانية أو سرَّا. أما التهديد بالاغتيال فهو آية في دفن الرأس في الرمال. ترى ما قيمة تهديد طالب الشهادة بالاستشهاد!
أخيرًا، كلمة إلى "حماس".
إيَّاك والخلط بين الأسباب التي دفعت الفلسطينيِّين إلى انتخابك وبين عقيدتك السياسيَّة! كما سبق القول، لم ينتخب الفلسطينيُّون مرشَّحيك لأنَّهم أصبحوا إسلاميِّين أو متديِّنين، بل لأسباب سياسيَّة ولأسباب تتعلَّق بالفساد. وللشعب الفلسطيني موعد معك بعد سنوات ليست ببعيدة. آنذاك سوف يكون عليك تقديم ورقة الحساب. والفلسطينيُّون قد أثبتوا أنَّهم يمهلون ولا يهملون. إذًا أبقِ ورقة الحساب نصب عينيك، وسجِّلي كلَّ يوم ما لك وما عليك.
وإيَّاك والوقوع فريسة الخطأ الأوَّل الذي يرتكبه معظم السياسيِّين: الاعتقاد أنَّ الكرسيَّ التي وصلت إليهم دامت لهم، فالمثل يقول: "لو دامت لغيرك، ما وصلت إليك."