السادس من أكتوبر... يوم الغفران للهزائم السابقة؟
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
يوم السادس من أكتوبر / تشرين أول 1973 لم يكن يوما عاديا ولا عابرا في حياة الأمة، بل كان ذلك (السبت) الخالد والذي لا يمكن أن يمحو الزمن مهما تقادم أحداثه وتطوراته أحد الأيام الخالدة القليلة في التاريخ العربي الحديث بإشراقاته ومفاجآته وتجلياته التي قلبت كل الموازين وأطاحت بكل النظريات، بل وغيرت الستراتيجيات إلى حيث اللاعودة ونحو آفاق جديدة نقلت العرب بكل ملفاتهم وقضاياهم الساخنة لقلب الأحداث وأكدت على حيوية المنطقة العربية بل والأهم من كل شيء تقرير حقيقة أن الجندي العربي ليس هو من تنطبق عليه المواصفات الإسرائيلية السابقة للجندي الخنوع الهارب والمتملص من مسؤولياته كما حدث بعد هزيمة حزيران / يونيو 1967 المخجلة والتي تسببت بها الأنظمة العسكرية والإنقلابية المترهلة التي تعمدت إحتقار الناس وتقريب أهل الولاء والطاعة العمياء و إبعاد أهل الخبرة والتجربة، فضلا عن وضع الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب ؟ فمجموعة من الضباط والعسكر مهما كانت كفاءاتهم ونواياهم لا يستطيعوا إدارة دولة ومجتمع وفق أسلوب القطيع العسكري ؟ وأقدار الناس ومصائرهم ليست لعبة مسلية يتقاذفها أهل و أصحاب الأحذية الثقيلة الذين فرضوا وجودهم منذ الخمسينيات في قلب العالم العربي ومارسوا سياسة الإضعاف والتخريب من الداخل محطمين كل آمال وتطلعات القوى الشابة ببناء أوطان عربية مستقرة و نامية تستطيع المشاركة في الحضارة العالمية ؟ و أضحت العديد من البلدان العربية ضحية للسياسات المراهقة وللتجارب الثورية الفاشلة بعقدها الدموية و بممارساتها المتجاوزة على الحدود الدنيا لشرعة حقوق الإنسان، وتم إختصار الأوطان ببعض القيادات الفاشية التي رفعت لمصاف الآلهة في أبشع حفلات زار عربية لم تنته فصولها حتى اليوم!، إذ ما زالت بقايا الفاشية العربية المهزومة تسرح وتمرح وتطرح النظريات المضحكة الهزلية وتمارس سياسة تفتيت الأوطان بكل إمتياز!!.
ففي السادس من أكتوبر 1973 حققت السواعد العربية الشابة الحلم، ودكت تلك السواعد السمراء كل معاقل العجز وأخذت بثأر المغورين في الحروب الخاسرة السابقة، ووجهت رسائل تاريخية مباشرة لكل من يهمه الأمر بأن ليل الهزيمة له آخر، وأن الرجال الذين عبروا قناة السويس وفاجئوا القيادة الإسرائيلية في مقتلها، وجاعلين من الغطرسة الإسرائيلية مجرد ذكرى تاريخية بشعة هم نفس الرجال الذين تعرضوا للهزائم السابقة التي لا يتحملون وزرها ولا مسؤوليتها لأنهم ليسوا في ساحة القرار، لم يتردد الجندي العربي عن تحطيم قيود كل الحرب النفسية المهلكة عن عظمة الجيش الذي لا يقهر! وعن مناعة حصون (خط بارليف)! وعن كل تلك الدعايات الستراتيجية التي تصور مناعة تلك المنظومة الدفاعية التي تحتاج (لقتبلة نووية) لدكها!!، بل سقطت مع أولى هجمات أولي العزم، وتهاوت فوق رمال سيناء وبمياه البحر الأحمر كل تلك القلاع الدفاعية المهيبة التي أرادوها أن تكون حاجزا أبديا تمنع الجندي المصري من تحرير سينائه؟ فكان رجال أكتوبر وفي غرة العاشر من رمضان رمزا تاريخيا متجددا للرجولة والبطولة بكل معانيها، صحيح أن الهدف النهائي للحرب لم يتحقق وقتها بل تحقق بعد جولات سياسية طويلة ومرهقة ولكن الحرب لم تكن يوما هي الوسيلة النهائية لحل المشاكل بل أنها السياسة بوسائل أخرى، ولكن نتائجها الميدانية تمهد الطريق للمتغيرات الكبرى، واليوم وبعد كل تلك الأعوام الطويلة والمصائب والمحن التي تهاطلت على رأس الشعوب العربية في أقطارها المختلفة لا نملك إلا أن نحيي ذكرى بطولة الرجال الذين حققوا المستحيل ورفعوا رأس الأمة وقدموا دمائهم قربانا وعنوانا للشرف والكرامة في معركة سامية أين منها حروب داحس والغبراء التي تبعتها أو معارك الفتنة القومية التي إبتدعتها أنظمة الفاشية والدجل المنهارة أو التي لا زالت تقاوم حتمية التاريخ ولكنها في طريق النهاية!.. في الذكرى السنوية لتلك الملحمة التاريخية الفريدة ليس أعز من الترحم على شهداء البطولة والفداء وفي طليعتهم الرجل الذي جعل من الحلم حقيقة وخاض قرار المعركة بكل جرأة رغم كل الضغوط النفسية والميدانية الهائلة إنه الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات والذي لغرابة الأقدار وتصاريفها رحل في نفس يوم ذكرى إنتصار شعبه.
(ربع قرن على رحيل الرئيس الشهيد أنور السادات)
إذا كان هنالك من شخص لم ينصفه التاريخ المليء بأشباه الرجال وبالكثير من الملفات المزورة أو المنتحلة، فإن ذلك الرجل هو الشهيد الراحل أنور السادات الذي أدار الجهد الرئيس لتلك الحرب بفدائية تستحق التقدير رغم كل الهفوات التي وقعت، فقرار العبور بحد ذاته هو واحد من أخطر القرارات الستراتيجية في تاريخ العالم الحديث، ولعل العبور الأكبر هو العبور بمصر وشعبها ومعهم العالم العربي نحو مرحلة جديدة لم يقدر للجميع معرفة أهميتها و لا ضرورتها الستراتيجية في ذلك الزمن، لأنه كان يعلم بأن للقوة حدودا لا تتجاوزها، وإن تحرير الأوطان لا يتم بالصراخ والزعيق بل بتحرير الإرادة وإعداد كل مستلزمات القوة ووسائلها، وقد فعل بكفاءة ما هو مطلوب منه من الناحية العسكرية الصرفة وبذل جهدا خارقا في حرب الإختراق السياسية التي خاضها وحيدا ودون تغطية قومية وكان من الممكن أن يتغير التاريخ العربي وتتغير تطورات الأحداث لو أتيح المجال لستراتيجية السادات السلمية أن تأخذ مداها ولكن هيهات.. فعقلية الزعيق والتكفير والتخريب والسعي وراء كل ناعق لم تزل حتى اليوم هي العملة السائدة، لقد رحل السادات بسلاح الجيش الذي إجتهد ليكون جيش النصر والعبور وسقط في ميدان المعركة في ذكرى يوم النصر الأغر، ولكن ذكراه ستظل على الدوام مرتبطة بحرب ونصر أكتوبر 1973 مهما تقادمت الأيام، والسادات الذي خاض وبجرأة قرار الحل السلمي سينصفه التاريخ لا محالة بعد إنقشاع كل ظلام الفاشية من العالم العربي، وأتذكر اليوم وأنا أتابع محاكمات الفاشيين والمهزومين تلك المهزلة التي دارت في بغداد أواخر عام 1978 حينما شكل النظام العراقي البائد وقتها محكمة هزلية عرفت بمحكمة الشعب العربي لتحاكم السادات بتهمة الخيانة العظمى!! فإنظروا تقلبات الزمان فهاهم الذين حاكموا السادات يقفون بكل ذلة أمام محاكم بلدانهم وبتهمة مخجلة وذليلة وهي الإبادة الجماعية لشعوبهم!!... والتاريخ كما عودنا في غاية القسوة.. لا يرحم أحدا.. فإنظروا لعاقبة المجرمين..
المجد لشهداء حرب أكتوبر والرحمة لقائدها الراحل أنور السادات إذ لا زالت تحذيراته بعد ربع قرن من الرحيل ترن في خلايا الذاكرة.. إنها الحرب التي غفرت بل وغسلت عار كل هزائم الحروب السابقة.
dawoodalbasri@hotmail.com
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف