اغتيال ناصر القصبي: كلاكيت عاشر مرة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
تعرضت كل الحركات التنويرية المحلية للحرب والاتهامات الطاعنة في العقيدة والولاء، وسوء الظن الفاحش بالنوايا بدءاً من خطوات الانفتاح الأولى المتمثلة في التلغراف والهاتف والسيارة، مروراً بفتح مدارس البنات والتفلزيون، وليس انتهاءا بما نشهده اليوم من حرب أشد تطرفاً، وأكثر ضراوة من سابقاتها.
حروب الأمس كانت مباشرة ومتصلة باعتراضاتها الأساسية حتى وإن ارتدت العنف، وتلبست بالدم. أما حروب اليوم فهي لاتتورع عن شيء ولاتلتزم خطاً، ولاتراعي أخلاقاً؛ تبدأ من الاعتراض العام ثم توغل إلى القذف الشخصي غير المنتهي كأن حاملي راياته قد رفعت عنهم الحجب، وكشفت لهم النوايا، وأدركوا المستتر، مستندين إلى "فقه الواقع" الذي يتسلحون به، ويزعمون أنه مفتاح فهمهم غير المسبوق للقضايا والأحداث، وبوصلتهم في استشعار المستقبل دون خطأ أو خلل. هذا الفقه المُبتدع تدور رحاه منذ نحو عشرين سنة، ولم يظهر له حتى اليوم صدقاً في الممارسة كما اتضح، بجلاء، في الشأن الافغاني أو الجزائري أو حرب الخليج التي كان الكتاب الذهبي فيها "وعد كسينجر".
الهجمة الجديدة ضد التنوير ترافقت مع انطلاق بدعة "فقه الواقع" عام 1984 تقريباً، وكان أول أهدافها عبدالله الغذامي من جهة الانتاج، ومحمد الطويل من جهة التأسيس الإداري، ولحقهما غازي القصيبي إلا أنه تمتع ببعض الحصانة بحكم تواجده خارج المملكة حينما كان سفيرها لدى البحرين. هؤلاء الرجال كانوا عرضة لرعب يومي متعدد المسارات يشمل كل أنواع الملاحقة، والمحاصرة اللصيقة، والتهديد بالتصفية الجسدية. ثم ينتشر كالفيروس ليطال الأسرة بتفرعاتها صاباً تهديده الموجع على الأبناء من الجنسين عبر استغلال الساعات الدراسية في محاولة تشويه صورة الأب عقيدة وسلوكاً وفهماً. ثم جاء تركي الحمد بشارة الجيل الثاني الذي كان أكثر عدداً، وأسرع توالداً ماضمن استمراريته رغم بعض الانتكاسات، مستفيداً بشكل أساسي من اتساع دائرة خيارات الاتصال، وتنوع وسائل الإعلام التي كانت، في الوقت نفسه، من ضمن خيارات المعارضين باعتبارها مادة سريعة الاشتعال لإيقاد الفتنة، وتأجيج التحريض.
الخيط الرابط بين هاتين المرحلتين والممتد بعدهما هو "طاش ماطاش" الذي امتاز بأنه نتاج درامي ينفذه ممثلون مهرة يتوافرون على وعي عميق، وحس وطني، وجرأة فريدة أشعلوا شرارتها فتسربلت بها البلد، وتشربت جرعاتها المحفزة سنة بعد أخرى، فكانوا الرائد الذي لايكذب أهله.
ناصر القصبي وعبدالله السدحان ليسا ممثلين بل هما من رواد التنوير والانفتاح في البلد، ومن أكثرهم صلابة ونضالاً وصبراً على الأذى الذي لم يحفظ، في أحيان كثيرة، كرامة، ولم يوفر عرضاً، ولم يتوان عن الطعن في كل موضع. خلط الحق بالباطل، وأكثر التهم حتى لم يبق شيئاً يقال سوى التكرار مرة تلو الأخرى. ثم بلغت الأزمة ذروتها بالتهديد بالتصفية والتحريض على ذلك وهي خطوة خطيرة تراهن على حماس شباب شديد الحماس، سريع الانصياع خصوصاً إذا مس الأمر العقيدة، أو دخلت التهم دوائر الكفر والتكفير فيندفع بروح اليقين، وحس الإخلاص راجياً الأجر والثواب لتتكرر حالة فرج فودة ومحاولة اغتيال نجيب محفوظ.
"طاش ماطاش" عمل تلفزيوني ينتقد ظواهر اجتماعية كثيرة فلماذا لم يكن يسيء إلى سمعة الوطن عندما كان يتناول الأجهزة الأمنية أو الفساد الإداري والمالي؟ ولماذا أصبح فجأة عنوان الشر، وحامل لواء الكفر عندما تطرق إلى الإرهاب؟ وكيف استحال تناوله لبعض الممارسات المتطرفة من بعض الأشخاص إلى استهزاء بالدين والعلماء؟
سبب الحرب غير المنقطعة على "طاش" هو ارتفاع نبرته، واستمرار سطوته، وتغلغل تأثيره ماينعكس إيجاباً على الانفتاح الاجتماعي، الأمر الذي يجعله الخصم المخيف للمتشبثين بالحقبة الذهبية للصحوة، الحالمين بعودة بريقها الذي لن يتحقق مادام في البلد من يحملون هواجسه، ويبثون وعيه، ويرسخون انفتاحه، ويؤكدون حقه في التطوير مدعومين بوعي سياسي ورغبة صريحة في الحركة والتطور والنمو الفاعل المتدرج ضمن الثوابت، والمستند، كلياً، إليها.
لـ"طاش" أخطاؤه الفنية فهو اجتهاد وعمل له شروطه فلماذا لاينتقد ضمن شروطه؟ ولماذا تستحيل المسألة إلى دار كفر ودار إيمان لمجرد الاختلاف في جزئية؟
ناصر وعبدالله حركتما راكداً، وتحملتما الأذى وماتزالان صامدين، وتعيشان بين ظهرانينا لم تغادرا بلدكما وهذا ليس بغريب عليكما لكن العجيب كيف تتحملان مايصيب أطفالكما وأسركما؟
امتحان صبر المرء وجلده لايكون في أذيته مباشرة بل في وقوع الأذى على من يحب.
Jasser87@hotmail.com