سجناء لبنان.. وصالون الحلاقة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
أعترف أنني زرت بعض السجناء اللبنانيين في السجون الأسترالية.. وأعترف أيضاً أنني حسدتهم على رفاهية العيش التي يتنعمون بها، إنهم والحق أقول، يعيشون أفضل منا نحن الأحرار بألف مرة. وإليكم بعض الأمثلة:
أولاً: لقد دفعت السنة الماضية أكثر من ألف دولار لدخول نادٍ رياضي، وممارسة بعض التمارين التي نصحني بها طبيبي الخاص. أما السجناء في استراليا فيمارسون رياضتهم البدنية مجانا على أحدث الآلات الرياضية المستوردة.
ثانياً: علي أن أعمل ليل نهار من أجل لقمة عيشي، بينما هم يتناولون ما لذ وطاب ويلبطون صحونهم كما يقول المثل اللبناني.
ثالثاً: في غرفة نومي لا يوجد تلفزيون حتى الآن، وغرف سجونهم مزودة بتلفزيونات كبيرة بغية الترفيه عنهم.
رابعاً: أنا أكد وأجتهد كي أقبض راتباً، والسجناء يقبضون رواتبهم دون أن يعملوا.
خامساً: لم أتمكن حتى الآن من دخول فريق رياضي فوق سن الخمسين، بينما فرق المسجونين الرياضية، وبأعمار مختلفة، أكثر من أن تحصى.
تذكرت هذا القليل من كثير النعم التي يترفه بها السجناء الأستراليون، وأنا أقرأ خبراً مؤلماً للغاية، بأن بعض الجمعيات الانسانية اللبنانية تضامنت وتكاتفت من أجل إيجاد صالون للحلاقة في سجن طرابلس.
ولأن الحدث مهم للغاية، فقد دعي الاعلام البلدي والعربي والعالمي لنقله الى أعين كل من يتهم السلطات اللبنانية، منذ الاستقلال، بأنها لا تهتم بالمواطنين، وخاصة السجناء منهم، فكم بالحري إذا كان معظم اللبنانيين سجناء، إما في بيوتهم، التي يخافون أن يغادروها كي لا تحصدهم قنبلة موقوتة، وإما في أحزابهم التي تجرهم من ساحة إلى ساحة بغية التظاهر الممل من أجل تمرير مشاريعها وأهدافها، وإما في السجون التي دخلوها بعد أن مارسوا حقهم في التعبير عن آرائهم.
ومشروع افتتاح صالون للحلاقة في سجن طرابلس، لم ينبت من العدم، فلقد أنهك التعب مسؤولي مركز (ريستارت)، حتى تمكنوا بمساعدة جمعية العزم والسعادة الاجتماعية من تحقيقه، فلهم منا التقدير والشكر.. لأنهم حققوا شيئاً في وطن لم يعرف سوى الدمار.. ولم ينتج سوى الدمار.. ولم يهدَ إليه سوى الدمار.
لقد قرأت الكثير عن أحوال السجناء اللبنانيين المزرية، كيف أنهم ينامون بالعشرات كالماعز في غرف صغيرة نتنة، ويمارسون اللواط أمام بعضهم البعض، ويبتلعون كافة أنواع المخدرات دون حسيب أو رقيب.. لدرجة أن الكثيرين منهم حاولوا الانتحار بغية التخلص من عذاباتهم.
ولكنني لم أدرك أبداً ان مشروع افتتاح صالون للحلاقة في سجن لبناني، يساوي مشروع افتتاح السد العالي في مصر، ويلزمه كل هذا التطبيل والتزمير.
يقول المثل اللبناني: هنيّال من له مرقد عنزة في لبنان.. أما أنا فأقول: هنيال من له غرفة في سجن أسترالي.