الشرق الأوسط الكبير: تحالف قوى التغيير في وجه الإرهاب
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
ذهب الكاتب المصري مجدي خليل مذهباً صحيحاً في مقاله الأخير المنشور في إيلاف "حروب المحاور الجديدة في الشرق الأوسط" حين تعرض لنهوض التطرف في منطقة الشرق الأوسط، وبروز الصحوة الأصولية التي بدأت تتصدر الحكم في بعض البلدان العربية(فلسطين+ العراق+السودان) والتي تلعب دوراً محورياً في تسيير بعضها الآخر والتأثير القوي في صنع القرار السياسي فيها (لبنان + الأردن + مصر).
وثمّة أسباب واضحة لنهوض الحركات الأصولية المتطرفة في المنطقة العربية، منها ماهو متعلق بظروف وعوامل داخلية تتعلق بتشكيلة تلك البلدان نفسها، وتوق "الإسلام السياسي" لتسلق كرسي الحكم لإعمال الشريعة بدل الحكم الوضعي الذي تسيره مجموعات نخبوية توصف عادة بالعلمانية /العسكرتارية والموالية للغرب (الأنظمة الطاغوتية في التوصيف الأصولي الدارج). ومن تلك الأسباب ماهو بنيوي يتعلق بجوهر الفكر واللاهوت الإسلامي في "الجهاد" و"دولة الخلافة" وما إلى ذلك من نظريات طورّها مفكرون إسلاميون، وكانت الأساس لاحقاً في تأسيس تنظيم (الأخوان المسلمين) وماتفرع عنه من تنظيمات وجماعات إرهابية أعملت الخراب والدمار في العديد من الدول العربية والإسلامية.
سياسة الولايات المتحدة تجاه تنظيمات "الإسلام السياسي" كانت منذ البداية خاطئة، وذلك منذ أيام أفغانستان وإغراق "المجاهدين" بالأموال لمحاربة "الخطر الأحمر" آنذاك. الأموال والمساعدات اللوجستية الأميركية تلك ساعدت في تأسيس أرضية مناسبة لأفكار قادة وزعماء تلك التنظيمات، والتي إنتشرت بين شرائح المجتمعات العربية المهمشة والمكبوتة إنتشاراً سريعاً، ليتطور الأمر بعد ذلك،
وبشكل خاص بعد بروز حالة العداء بين هذه التنظيمات وأميركا، لعملية تجييش وتحريض عنيفة ضد الغرب والولايات المتحدة في المقام الأول. وظهرت هذه النزعة أثناء تدهور وضع الأتحاد السوفيتي وبروز علامات تداعي المنظومة الإشتراكية، وكذلك بعيد حرب الخليج الثانية 1991 وتحرير قوات التحالف الدولية لدولة الكويت من نظام صدام حسين.
كان رجال الصحوة الإسلامية من أقطاب ومنظري الفكر الوهابي هم أول من حاول تطويع الخطاب الجهادي النظري وتسيسه ليتصدى للغرب والولايات المتحدة، وذلك كله بحجة "التدخل الأميركي في أراضي المسلمين" ووجود "خطة صليبية لضرب الإسلام وتركيع الأمة" مثلما قالوا. فها هو سفر الحوالي أحد أعلام الفكر الوهابي الصحوي في المملكة العربية السعودية يصف القوات الأميركية الآتية لتحرير الكويت ب"الغازية" و"الصليبية" التي تهدف ل"ضرب المسلمين ونهب ثرواتهم" ويزيد الحوالي بأن "البعثيين وأن كانوا أعدائنا لساعات قليلة، ولكن روما عدوتنا ليوم القيامة". ولاننسى إن التنظيمات السلفية في الكويت تقف لهذه اللحظة ضد بناء نصب لجنود التحالف الذين فقدوا حياتهم أثناء مشاركتهم في عملية (عاصفة الصحراء) التي إنتهت بتحرير الكويت، وذلك لسبب وحيد وهو إن الجنود يدينون بالديانة المسيحية.
القوى المتطرفة تتمتع بجماهيرية ساحقة في الشرق العربي المسلم. ولو قيض لهذه القوى بأن تدخل في إنتخابات نزيهة لاتخضع لتدخلات الحكومات وتزويرها فأنها سوف تحصد النسبة الساحقة من الأصوات(مثلما حدث في فلسطين والعراق). الأنظمة العربية بتمويلها ودعمها للخطاب الديني/التحريضي/الغوغائي ضد الغرب بغية تحميله فشلها في التطوير والأنماء، تساهم هي الأخرى في بروز وتصدر التيار الراديكالي وتجمّع شرائح الفقراء والمهمشين حوله. الأعلام العربي من جهة والقوانين الوضعية العربية الغارقة في التعصب والتمييز ضد الآخر(كالخط الهمايوني المعادي للأقباط
المسيحيين في مصر مثلاً) ومناهج التعليم البدائية والمتخلفة، كل هذا يساهم في تأهيل الحركات الأصولية وتوسيع قاعدتها الجماهيرية بشكل كبير. ويتم ذلك كله تحت سمع وبصر الولايات المتحدة التي تعتبر هذه الأنظمة من جملة حلفائها، وتغدق عليها مليارات الدولارات كل عام، بل أن بعض الشعوب العربية تعيش بشكل كامل على المساعدات الأميركية والغربية، ولولا المال والقمح الأميركي لهلكت جوعاً منذ زمن بعيد...
التخبط الأميركي في التعامل مع القوى السياسية في الشرق الأوسط يدفع شعوب هذه المنطقة للتطرف دائماً، وإختيار التنظيمات الأصولية التي ترفع الشعارات الرنانة وتستغل الشعور الديني ايما إستغلال، كما تصور كل حركة غربية بأنها خطة معدة سلفاً، ومؤامرة مبيتة ضد الإسلام والمسلمين. ولعل النظر لما حدث في الفترة الماضية من مظاهرات غوغائية غاضبة في البلدان الإسلامية نظمتها تلك الحركات بعد أن أججت الحالة، فيما يخص رسوم الكاريكاتور التي صورت نبي الإسلام محمد، وتصريحات بابا الفاتيكان، يبين قوة وجهوزية هذه الحركات في الشارعين العربي والمسلم، وخطورة خطابها الجهادي الحربي المؤيد صراحة لجرائم تنظيم القاعدة الإرهابي.
العراق بعد التحرير وقع بيد الأحزاب المتطرفة الإسلامية(الشيعية منها والسنية) ولولا علم هذه الأحزاب والقوى بأن حرباً أهلية دموية لامحالة سوف تقع إذما إنسحبت القوات الأميركية من البلاد، لكانت قد فتحت جبهات حرب عديدة ضد الولايات المتحدة وجنودها(المٌحررين!)، والنظام الإيراني ماضي في تطوير الذرة هو الاخر، بغية صنع السلاح النووي وفرض خطاب الحرب والأمر الواقع على العرب الخليجيين والأميركان، وملالي طهران لايتوانون وفي سبيل تحقيق أهدافهم عن إستخدام كل الأوراق(على رأسها منظمة حزب الله اللبنانية الأصولية). وثمّة تخوف الأن في أن يتعاون هذا النظام الخارج عن القانون مع الطغمة المتهالكة في كوريا الشمالية، لصنع الذرة ووضع العالم أمام الأمر الواقع، ومن ثم نشر الفوضى وفرض الإبتزاز والبلطجة في المنطقة والعالم.
بعض القوى في المعارضة السورية التي تؤهل نفسها لتحل محل النظام السوري الحالي، بدأت هي الأخيرى تطرح خطاباً أصولياً مذهبياً، كردة فعل على ما تقول إنه "وجود نظام طائفي في دمشق يجثو على نفس أكثرية الشعب السوري". ومهما حاولت هذه القوى أن تخفي طبيعة خطابها هذا، إلا أنه ظاهر تماماً، من حيث ماهية التحالفات والأصطفافات بين القوى المعارضة، والخطاب الموجه للداخل المقموع...
كيف التعامل أذن مع هذا الواقع؟.
الأرجح يجب أن تراهن واشنطن على القوى الديمقراطية والعلمانية والليبرالية، بما في ذلك بعض الأنظمة التي "فهمت اللعبة" وأدركت أن "سبب البلاء" في كل ما وقع ويقع للمنطقة من كوارث وإرهاب وتطرف هم هذه الجماعات ذات الفكر الأصولي العنفي الكارثي. كما يجب عليها الا تتهاون أبداً مع الأنظمة الخارجة عن القانون، والتي تدعم الإرهاب وتساهم في تفجير المنطقة، كما تتعامل مع شعوبها بالحديد والنار.
هناك قوى قابلة للأندماج في "الشرق الأوسط الكبير" وتعي تماماً بأن هذا المشروع خير من البقاء مئات السنين تحت نير أنظمة مستبدة(تقف خلفها شعوب مشبعة بالفكر العنصري الأقصائي) أو سطوة مذهب أحادي يعود حالة عدائه للآخر لألف وأبعمائة عام خلت، ولايبدو أنها سوف تنتهي لألف عام قادمة. لذلك فهي ترى حالها مضطرة للدخول في ركب المشروع التحديثي والأصلاحي الأميركي، وهي بذلك تستطيع الوقوف في وجه المد الأصولي الناهض في المنطقة. ولنفترض مثلاً، إنه لولا وجود حزب العمال الكردستاني ونضاله منذ ثلاثين عاماً في كردستان الشمالية(جنوب شرق تركيا)
لكانت تلك المنطقة قد غرقت الأن تماماً في أمواج المدة الأصولية الإرهابية. ثم أن أي حديث تركي، في محاولة لإقناع واشنطن بتصفية حزب العمال الكردستاني، أو إقصائه، يعني في عبارة أخرى إحتمال تأهيل قوى راديكالية كردية أخرى تملئ الفراغ في الساحة، لعل في مقدمتها منظمة "صقور حرية كردستان" والتي تبنت عدة عمليات في مناطق سياحية تركية، أسفرت عن مقتل العديد من المدنيين الأتراك والسياح الأجانب. وسبق للمسؤول الكبير في حزب العمال الكردستاني مراد قره يلان اعلانه استعداد الكرد للتعاون مع القوى الديمقراطية ومحاربة المدة الأصولية الدينية في المنطقة، في السعي لدمقرطة المنطقة وإعادة تشكيلها(انظر حديث قره يلان الأخير مع مجلة التايمز الأميركية)...
كذلك كان الأمر حين تصريح الرئيس العراقي جلال الطالباني بضرورة بناء قواعد أميركية في كردستان الجنوبية(كردستان العراق) لضمان الأمن والأستقرار في المنطقة، والوقوف في وجه المشروع الإرهابي المعادي للعالم الحر...
مشروع "الشرق الأوسط الكبير" وإرادة "دمقرطة المنطقة" لدى واشنطن تحتاج لإعادة نظر ومراجعة للذات، وذلك بعد الفشل الذريع للسياسة المتبعة منذ حوادث 11 سبتمبر2001م. هناك حاجة لشطب الأنظمة القمعية المخادعة من لائحة الأصدقاء والحلفاء، وتعويضها بالأنظمة المتفهمة والتائبة، و كذلك العمل على ضم القوى الأقليمية الليبرالية العلمانية ذات المد الجماهيري العريض، المستعدة للتعاون....