السياسات الغربية خاطئه.. ولكن.....
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
أود أن أؤكد للقراء أن الهدف من مقالتي هذه ليس الدفاع عن الحضارة الغربية بقدر ما هو محاولة جدية للخروج من التأويل الضيق والمحدود للدين.. وخروج الجاليات العربية من إحساس الضحيه المشلوله والعاجزة عن إتخاذ قرار يتماشى مع مصلحتها في عالم مفتوح ومترابط المصالح...
تطور القوانين الغربية لمصلحة حقوق الإنسان تم بعد الحرب العالمية الثانية ومن مدى معاناة الدول الغربية من ويلات تلك الحرب.. عاهدت هذه الدول نفسها على أن لا تلجأ للحرب فيما بينها. وأن تعمل على حل أي نزاعات بينها وعلى حدودها بالطرق السلمية وبالحوار..
وبدأت بإرساء دساتيرها الجديدة على أسس حقوق الإنسان من حرية في التعبير.. والعقيدة.. والديمقراطية التي تكفل المساواة وسيادة القانون.. لتكفل العدل الذي هو أساس الاستقرار السياسي والاقتصادي.. وفتحت أبوابها على مصراعيها للقادمين الجدد وفقا لمعايير حقوق الإنسان التي تبنتها وجعلتها الأصل في دساتيرها.. ومن هنا بدأ تطور الحضارة الغربيه...
وتمتع القادمون الجدد بكل ما يتمتع به مواطنو هذه الدول من فرص عمل وضمان اجتماعي وصحي حتى قبل أن يحصلوا على حق المواطنة..الذي ذكره الكاتب يحي أبو زكريا في مقالته قبل يومين.. على أنه حق دستوري لكل شخص أقام فترة زمنية محدده بطريقة قانونية....
وأنا أوافقه على أنه حق دستوري.. السؤال هنا لماذا لم تعمل به أي من الدول الإسلامية... لماذا حرمت هذه الدول الإسلامية العامل القادم شرعيا بتملك سقفا.. لماذا إتبعت إزدواجية في القوانين المعمول بها لمصلحة مواطنيها فقط على حساب استغلال القادمين حتى المسلمين منهم.. لماذا حرمته من إستقدام عائلته وتركته فريسة للحاجة الجنسية.. وحين انحرف طبقت علية حدود الشريعة حتى وإن كان من دين آخر..
لماذا لم تكفل أي من الدول الإسلامية حرية الأديان لمواطنيها المولودين أصلآ فيها.. أبا عن جد.. وليس مهاجرين جدد.... والدليل ما نقرأه اليوم والأمس على صفحات ايلاف وغيرها من إستهداف الأقليات في العراق.. وحرق الكنائس في فلسطين.. والإزدواجية في معاملة المسيحيين الأقباط في مصر والذين هم أصل السكان قبل أن يفتحها عمرو بن العاص.....
إن جميع القوانين الغربية تكفل حرية الأديان.. وليس هناك من خطوط حمراء للنقد أو حتى الإستهزاء بأي صغير وكبير.. والدليل على هذا هو الأفلام العديده التي تطرقت إلى حياة المسيح.. وحياة موسى.... وغيرهم لماذا تقوم الدنيا ولا تقعد حين يتم الإشارة إلى الإسلام والمسلمين.. أنا لا أؤيد إطلاقا عدم إحترام الأديان أو الإستهزاء بها. ولكنها دول بنت ثقافتها على حرية التعبير وحرية المعتقد..فبالتالي لماذا لا نتجاهل هذه التلميحات فربما هذا التجاهل يكون الدواء للحد من إثارتها في زمن يلعب فية الإعلان دورا كبيرا ويستفيد كليا من إثارة مشاعرنا.. لأنها تبين ضيق الأفق. وتثبت عدم قدرتنا على التحمّل.....
لقد كفلت قوانين هذه البلاد لكل شخص حرية المعتقد.. هناك ما يزيد عن 1000 جامع في بريطانيا في الوقت الذي يمنع فيه بناء أو ترميم كنيسة في بعض الدول الإسلامية..
لقد رضي الغرب بطواعيه بمجتمع عالمي جديد.. يقوم على مبدأ تعدد الثقافات وتنوعها.. وإعتبر أن أحد إنجازات العولمة هي أن أرض الله لخلق الله.. طالما أن القادم لا يسيء إلى الأمن القومي.. حتى وإن رفض أو أساء لثقافة البلد.. حتى وإن إنتقد وبأعلى صوته جميع أفراد العائله المالكة..
إلى أن جاءت تفجيرات سبتمبر.. ولم يحتر خطباء المنابر في تبريرها.. تحت مقولة أننا ضحية الغرب.. وأن بن لادن هو صنيعة الغرب.. وأن السحر انقلب على الساحر.. إلى أن أتفقت جميع الحكومات العربيه والإسلامية على إدانتها.. وبقينا نحن المغتربين ننكوي بنارها..... أذكر تماما حين وقعت تلك الإنفجارات.. وكنت ضيفة زائرة في ستوديو إحدى القنوات العربيه. كيف كانت الشماته على معظم الوجوه.. كيف طلب مني أحد العاملين في مجال حقوق الإنسان أن أكتب كلمة نيابة عنه حين أبديت قناعتي بزيارة السفارة الأميركية لتقديم واجب العزاء من منطلق المشاركة الإنسانية.. كيف قوبل إقتراحي لأحد المدارس العربية بالسخرية حين اقترحت إرسال إكليل من الزهور تحت إسم أطفال فلسطيني وأطفال العراق لمشاركة الأميركيين في أحزانهم.. كيف بثت القنوات العربية صور توزيع الحلوى في الأرض المحتله.. وهم أحوج ما يكونون للتعاطف مع قضاياهم الإنسانية..
وأفاقت الدول الغربية بعد إستمرار مسلسل الإنفجارات في بالي.. ونيروبي.. ومدريد.. ولندن.. أفاقت إلى الخطر الكامن بين ضلوعها.. كيف لمواطنيها القيام بمثل هذه التفجيرات غير آبهين بوجود العديد من المسلمين بين الضحايا... وبدأ التساؤل الحقيقي.. عن ما هي الدوافع الحقيقية لهؤلاء القادمين الجدد.. ما هي رسالة الإسلام الحقيقية هل هي التعايش أم فرض أجنده معينه لتغيير هذا البلد.... وتبرع العديد من خطباء المنابر ليقول بأن الرسالة هي نشر الدعوة الإسلامية على إعتبار أنها الدين الحق. والوحيد القادر على تخليص البشرية من كل ويلاتها... مثل تصريح أبو حمزه المصري.. أن الإسلام في حرب مع كل الدول الغير مسلمه إلى أن تجاهر بإسلامها. ثم مقولة عمر البكري.. سنرفع علم الإسلام على قصر باكنجهام.. وغيرها من المقولات المتطرفة التي وكّلت نفسها فرض الإسلام على العالم..
لنضع أنفسنا مكان هذا الغربي.. والذي فجأة وجد أنه يفتقد حرياته واحده بعد الأخرى.. حقيقة بدأ الخوف من الإسلام والمسلمين.. بدأ الخوف ليجبر هذه الحكومات على إعادة النظر حول مدى حريات مواطنيها.. وفي سبيل ذلك تغاضت عن بعض هذه الحقوق من أجل الأمن القومي.. ورضي الغربيون التنازل عن العديد من الحريات السابقة التي نعمنا نحن بها أيضا.. خوفا على أمنهم القومي الذي هو أمن أبنائنا جميعا....
ولكننا وفي سياق كل هذا لم نجرؤ سواء نحن المغتربين أو الشعوب الإسلامية على فتح حوار صادق مع أنفسنا.
أعجب وأتألم.. كيف تحجرت قلوبنا وأغلقناها بالضبة والمفتاح عن التعاطف الإنساني مع الآخر الذي هو الطريق الإنساني للتواصل مع العالم وهو من صلب كل الديانات...
.. كيف سمحنا لخطباء المنابر بالتلاعب بعقول أبنائنا.. غير واعيين بأن أمن هذا البلد هو أمن لنا جميعا..
كيف عجزنا عن استنباط قوانين تتماشى مع الزمان والمكان وتحمل رسالة الأديان جميعها من تسامح ومحبة وإنسانية... ونحن الذين عشنا تجربة الحرية.. حرية الفكر وحرية التعبير.. وحرية انتقاد أي شيء.. التي كفلها لنا القانون.. القانون الذي حرمنا منه في أوطاننا الأصلية..
نظرة واحده إلى موضوع حقوق المرأه في العالم الإسلامي تكفي لنجد الفرق الشاسع بين معاملتنا في هذا الغرب.. وبين التعامل مع حقوقنا في بلادنا الأصلية..
مشاهدة حلقة واحدة من مسلسل حضرة المتهم أبي.. تؤكد لنا حرمان الإنسان العربي البسيط والعادي من أبسط حقوقه الإنسانية.. فقط لأنه لا يملك المال.. كيف إستطاعت الطبقة الثرية من التحايل وشراء القانون.. في هذه البلاد فإن القانون يكفل للجميع الحق في إختيار أكبر وأفضل المحامين على حساب دافع الضرائب للدفاع عنه إذا لم يكن بمقدوره دفع الأتعاب... وهي جزء من الضرائب التي يتهرب منها العديد من القادمين الجدد..
مشاهدة حلقة من حلقات سكة الهلالي تبين لنا كيف أن المجتمع لا يغفر. وأن الأفراد مكبلين بسلاسل الخوف من المجتمع أكثر مما هم مستمعون لصوت ضمائرهم... حتى وإن كان هذا الضمير حي...
دفاعي عن الحضارة الغربية في حريتها وصدقها مع النفس.. وغيرتي أيضا منها حين كانت لنا حضارة أنارت الغرب.. ولكنها انطفأت لأننا سمحنا للحقد والكراهية أن يقتل المشاعر في قلوبنا تجاه كل المخلوقات.. فقط لأنها من غير أمتنا.. و سمحنا لقوة الإمتلاء بالنفس أن تسيطر على عقولنا... وأمسينا وأصبحنا عاجزين إلا عن التغني بأمجاد الماضي..
ولكني أيضا لاأدافع عن السياسات الغربية.. لأنها حقا أخطأت في حق وطننا الأم..
ولكني موقنه بأن لا التطرف الإسلامي.. ولا التطرف المسيحي (نيوكونسيرفاتيف ) الأميركي.. ولا اليهودي.. سيحل مشاكلنا.. الحل يكمن فقط في تواصل الحوار العقلاني الذي يستند على ترابط المصالح والإقتصادية منها بالتحديد.... الحوار المفتوح ما بين المعتدلين من كل الأطراف الذين بدؤا بنقد السياسات الغربية علانية وبدون خوف.. بدون أن يجدوا أصواتا مماثلة لهم لا في الشرق.. ولا من المسلمين المتواجدين في بلادهم... نحن أحوج ما نكون إلى تشجيع هذه الأصوات بالحوار الذي حرمه بعض خطباء المنابر.. وإستعمال العقل ولغة الإحتواء بدل التصعيد.. وإلا فإننا جميعا ننحدر نحو كارثة الهاوية..
أحلام أكرم - ناشطة وباحثة في حقوق الإنسان - لندن