الديمقراطية المدرعة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
1- لاجل مكارثية يقودها الجنرالات
الوضع لا يطاق حيث الناس هناك يستغيثون بنا ويأتمنوننا على نقل عذاباتهم، وقد اصبحت القطط السائبة والكلاب موضع حسد من قبلهم، في دولة التوابين والذميين والمناضلين والثوريين والشقاوات والحصصيين والمستنجعين ببلاد الخردة والجثث المجانية وعلى راسهم صفوة العمائم والملالي حراس الجحيم. هكذا ودعنا تاريخ الندم منذ عام 1976 يوم سقطت كل احلام الثورة ولم يعد للحرية مكانا غير النسيان والاهمال والزبالة، حين دمرنا الدولة وانتصرنا بالثورة، في لبنان، لنخلق سلطات من القتلة والارهابيين واللصوص وحفلات الاغتصاب والقوادين وتجار المخدرات وقادة الاتاوات ومصدري الموت للبلدان الامنة... الخ. وكان من دواعي الشرف السياسي / العرفان الاخلاقي ان ندعم حكومة العساكر والدولة من جديد، حين اصبح امن الناس والنظام مهددا الى حد يخجل الانسان من قدره امام اقدار جرذ وقطة سائبة لانها معفية من القتل والترويع.. وطالما انت انسان فانت متهم ما لالتهام الرصاص والمفخخات وسلطات ابناء الشوارع والافاقين وكل انواع الهتك والاباحات الدموية. هكذا تبدو بلادنا نزعت القناع لتكشف عن حقيقتها،تلك البلاد التي تنجب لقتلتها طفولة يومية. تفترض اضراب النساء عن الانجاب لانها تقدم للمجرمين مادة الامتاع اليومي.. لهذا كله اصبح مطلب الناس كنس البلاد من العمائم والملشيات السوداء وكل هذه النفايات البشرية، ولعلنا ننحني اعتذارا عن كل اناشيد الحرية التي غنتها كلماتنا، ونعترف للجنرالات باحقية استلام التبشير والرسولية الجديدة بعد ان عجز المجتمع المدني تقديم نماذج محترمة تتمتع بالحد الادنى من شرف المسؤلية والادارة.. مرحى ايها الجنرالات.. سلاما ايها الجنود.
" هل احسستم.. ذات الابتهاج الذي احسسته لرؤية حارس رقاد عام - شرطي امن او بلدية- يضرب متظاهرا، ومثلي قلتم : اضرب، اخبط باقوى قليلا، اخبط اخبط، ياشرطي البلدية الحبيب الى نفسي، اذ اني في هذا الخبط السامي اعبدك واعتبرك مثيلا لجوبتير المنتقم العظيم. الرجل الذي تخبطه عدوّ للورود والعطور، متعصب لادوات المنزل.. عدو للترف والفنون الجميلة وللاداب، جلاد فينوس وابولون- اله الاغريق للنور والفنون-. انه لم يعد يريد العمل متواضعا وغفلا في الورود والعطور العامة. انه يريد ان يكون حرا، هذا الجاهل، وهو عاجز هن اقامة مصنع للورود وعطر جديد. اخبط بعناية كاهل هذا الفوضوي "
-الشعب المغرم بالسوط المخبل، القديس الحقيقي هو الذي يجلد ويقتل الشعب لصالح الشعب. "(بودلير عام 1848)
برغم اختلاف الشبه بين البشاعتين، بشاعتنا وبشاعتهم بتلك الازمنة البعيدة، ولوجود اغراء في المقارنة بين سوئين وقباحتين وبين الشرطيين والقمعين، لاسيما المساحة المسموح بها، في الانظمة الوجدانية، لامكانات الغلو في الكره والمكر والجريمة والخراب، حيث لم يعد امامنا الا البحث في مقارنات ومفاضلات مناهج القبح بعد ان سحق اي امل للجمال والبهجة والرفاه الداخلي.. صار علينا ايجاد مناهج لادارات القبح والعنف والمكاره كلها، المفاضلة بين الاشرار والابالسة والقتلة ثم ايجاد بصيص لتقليل الخسائر بين شر مبرمج ومهذب ومنظم وشر فوضوي منفلت احدث انقلابا في ميزان القيم اللغوية والادبية، وهنا خطورته، خطورة ان يصبح الشر فضيلة ومحورة موجهة في الضمير حيث لم يعد للاثم كابحا داخليا يمنع على مقترف الذنب الشعور بمحاسن اعماله.. هنا الفرق بين الجريمة الاثمة والجريمة التي تمنح مقترفها شعورا بالفضل والعمل الصالح... هنا خطورة الانقلابات في فطرة الضمير ومكابح الوجدان وشيوع انحلال نظم الموهبة والايثار، على الاقل حين نعجز عن حماية منظومة القيم في الضمير علينا حماية الحصانة اللغوية من دلالاتها المقلوبة...الان.
انني هنا اطلق بيانا تحذيريا وان كنت قد وثقت وامنت بما ستؤول اليه فكرة الحرية في مجتمع قاصر، عزل عن الزمان والمكان واختار الزمن والمكان الدماغي الومضي بما فيه من شعاب خرافة واساطير واهام الاماني والشعوذة العملية،، هذا البيان الذي لا رهان فيه على السماع والتلقي البشري، لان من يسمع هو عاجز عن احداث قوة تنفيذية تعمل بالكلمات. فالاحداث لا تقودها الالفاظ ولا البلاغة والبيان بل تقودها تلك الاصطفاءات البلهاء للغرائز البهيمة، وهي مسحة الخالق لحماية خلقه من دهاء العقل ومكر الذكاء. لعلي اجد عزاءً في التوهم التليباثي، التناغم الكوني بطاقة الشفاعة النيرفانية ان هي استطاعت التخاطر مع روح الكوارث والزلازل والفيض وغضبيات القيم الخرساء في بواطن الارض الصابرة على اذى المخلوقات البشرية، تلك التي اتقن حوارها هتشكوك العظيم بطيوره الثائرة واشجاره الغاضبة، على ان تحريض الاشجار والزلازل والاعاصير بطاقة الضعف التليباثي هي الباقي الوحيد من رهان الاوهام بعد ان خذل البشر انفسهم عبر الاستخدام السيء للعطايا النبيلة التي وجدت في بيئتهم العقلية.. هنا في رقعة من هذا العالم جرى سحق النظم الاخلاقية وأحرقت حتى الضابطة الغريزية التي وجدت في مجتمعات الجرذان والذئاب والاسود والثعالب، حتى النظام الاسري والاجتماعي لفايروس الايدز الذي يتحرك بوحي نظام حميمي اسري كي يدافع عن طاقته التخريبية في الجسم!! حتى هذه العلاقات سواء في مجتمع العصابات ام في حركة عوائل الجراثيم والفيروسات جرى تدميرها نهائيا، انه خروج عن الاقدار الفيزيائية بما يضطرها من امتثال ومشابهة لدوافع الحياة الكامنة فيها، حيث لا يعقل ان يكون الموت طموحا اجتماعيا ومعتقديا يوجه كل النشاط الانساني ويمحوره عبر انتحارات متعددة الاوجه والتعبيرات.. ينبغي إعادة الموتى الى قبورهم واعادة الاحياء من سكنى وسلطة القبور، وهذا يحتاج للمزيد من الشرطة والجنود والثكنات والمخافر والطغاة كي يوقفوا هذا الطوفان الكبير للموت والاتربة الزاحفة على بقايا المدن من الصحراء والريف اليابس / بقايا حضارة الماء والاغتسال الالهي. هكذا كنا نتوهم الحرية كي تخلصنا من الزنزانة فوجدنا الحرية تنتخب الزنزانة بعد ان كانت اكراها خارجيا، ولعل ما تكره عليه يحمي فيك كرامة الحرية ولكن حين تهين بنفسك هذه الكرامة فستكون الزنزانة اكرم لك من حرية تختار بها عبوديتك.. لم نكن نعلم اننا جئنا من بيئة تبحث اعادة تحديث السادة كي تعيد تحديث عبوديتها، السوط اقل ضررا للعبد من الحرية.. ولكن لا جديد في هذه المعادلة، فهي قديمة قدم التاريخ البشري، ذلك لان العبودية على ما يبدو اقل كلفة من الحرية.. انها مجانية تمنح اصحابها مجموعة امتيازات لا تمنحها الحرية.. وتلك دهائية عقلية تخدعنا فيها مظاهر التظلم والاستغاثات والشكوى لكنها، وفي كل مرة لا تقرا المجال المقارن والخلفية النقدية لاصحاب الشكوى.. هل كان تظلمهم يستند على تقابل فكري ومنهجي ضد الطغيان ام انهم يشتكون بحلفية طغيان اخر وعليه انها حرب طغاة وليس حرب الحرية مع الطغاة، وهذا ما يجعل المفاضلة بين طغاة الحكم العلماني والديني هي السائدة، وفي كل بقاع البلدان التي دمرت شروط البراءة والفطرة بمركبات ما اصطلح عليه ( الايمان )..نجحت الدكتاتورية في اقناعنا على خطورة الحرية فخدمها التطرف الديني وهو يخطف احلامنا في المعارضة والتجديد نحو الخلف، الى درجة اصنحت فيها بزة الجنرال اكثر اطمئنانا وامنا من عمائم الملالي الجدد.
دعونا، اتركوا لنا بريهة وقت واصلحوا الوظائف البصرية بعد تاريخ من الاعماء المقنع، حيث تهدرون الوقت بمحاورة الفقهاء وابالسة الدين بين: قال وقلنا عن قال من قوله!! يا لفداحة الخسارة وبغاء الفخ.. لعل خطورة الظلام الديني ليست بين الفقهاء بل بين الذين يسعون الى تحديث الدين ويعطوه جرعات منعشة بعد نومه الطويل في المتحف او المعبد، نقاد الدين اخطر على امننا الاجتماعي من الاصوليين انفسهم! وهذا ما جعلني اخبر المفكر نصر حامد ابو زيد من: انك تحاول بعث الموتى ونحن نحاول اعادتهم للقبر، نريد ان نمتحف الدين وانت تلبسه بزة السياسة والفضول بعد ان اعطي فرصة مئات الاعوام فانتحر وهزم مشروعه السياسي بل فقد دوره المعبدي بعد ان تعود الدهاء والمكر السياسي واسقط ورعه الداخلي والتاملي... دعوا ابن لادن والظواهري وملالي الخمينية، دعو عباسي مدني والترابي والقرضاوي وغيرهم يثرثرون امام حائط بخيل السمع وكريم الصدى، لا تمنحوهم نعمة النقيض كي لا تمنح الحياة خطا جرعتها لموتى التاريخ، ونحن الابناء في الشرق تعودنا لثم ايادي الاب القاهر كلما صفعنا وساء استخدام سلطاته، وها نحن نقبل ايادي الموتى من ابائنا العتاة كي نحمي سلام موتهم لاجل سلام حياتنا، نعانق كل الاوهام ونرثي هزيمة الجنة كي نخلص نظام الاماني من تحويل الاوهام الى وقائع، او ننتظر القنبلة النووية الاصولية كي تحضرنا للجنة، تلك التي لا تحدث الا بنهاية الحياة على الارض!! وحينها سوف لا نحتاج لاثبات وهم الجنة اواثبات وقوعها معا،لان الموتى لا يحسنون الدفاع عن جثثم الفاطسة.
حسنا.. نحن نتراضى مع الاكراه بخسائر اقل، كل حل خلقه الانسان والخالق ليس لانهاء الشر بل للتقليل من جموحه ووقوعه، منذ عصيان ادم او عصيان قرود داروين العتيقة.. لا فرق! كلاهما لعبة افكار، حيث امكننا اقامة الصلح بين القرود وبين اكلي تفاحة الجنة، انها لعبة غمسضة في الغرف المظلمة للوعي لا اكثر، كلاهما وجد قصته في الوعي اذن سيتصالحان في الوعي لا في الوقائع ثم ينتهي كل شيء. نظام الاكراه والرفاه، على مستوى خيارات الذات من الممكن جعله يقوم على المطاوعة القهرية او الممانعة المهزومة في الاتجاهين وبالتالي سيكونان فضلة متطفلة امام تهديد الحياة برمتها. الغرقى لا يملكون ادوات التفريق بين سراب الماء واليابسة او بين ظهر حوت وخشية نجاة، كما لا يفرق العطشى بين خطورة الطوفان وشرب الماء، هكذا يبدو تهديد الحياة يوقف ادوات التفريق، يبطل مجموعة غرائز ويعطل خيارات العقل، حيث تنسى الام حضانتها للوليد حين يزعق الموت في ارجاء جوارحها، ويلامس شغافها. وهنا يموت الحب حيث يخطف نبعه الخوف والخطر.. تتحرر الغرائز من التكليف الاخلاقي ولم يعد، في ظل الخطر، مجالا للوصال الانساني الحميم ياي معنى الا عند الرهبان والمجانين والانبياء ممن غلبه الايثار والمعنى.. وهذا استثناء لا يصلح للتعميم.
2- خطاب العفاف المعرفي : كتابة الحكمة بسوط
في مجتمع الفروهود الادبي والسطو المعرفي / المجتمع الذي اجل العقل وسحق المنطق وبالغ في تكوين حلوله على طاقة الخرافة والشعوذة الخيالية والسياسية / وعاش فوضى الاسقاطات الى درجة جعل فيها نصوصه المقدسة بوصلة للنقد السينمائي وطب الاسنان فالمطبخ! كما لو انه اعلن افلاسه حتى على ادارة تنفسه، بين شهيق وزفير، معتمدا، في غريزة التنفس، على جعل النص مرشدا لما لا يصلح رشادا ولا لزوما وكل الحيوانات تدير تنفسها دون نص او توجيه!.. هذه البيئة السكرانة بالخواء الساحق والبؤس المارق ستصبح المعرفة في ثناياها ضرب الحماقة والترف والابطرة الزائدة، يبقى كل ما انتجته مجرد ارتجاعات حنجرية ولفظية ولغوانية - من لغة- لم تغطيها مفاعلات عملية ولا تمحورات اخلاقية، لان الكلمات لم تشترك في انجازها غير الوظائف الصوتية، فتبدو بلا غطاء اخلاقي وعملي ولا حصانات ادبية ولا حتى اشتراك السمع في النطق كي تعمل الفطرة والسجايا الاولية باعمال جوانية تتسق في عملية توازي طبيعي بين الدال والملفوظ، ويتحقق ما نعتبره، فطرة الضشبه فالصدق / الموازاة الشرطية بين الوسيط اللغوي والدلالة المحسوسة في الوقائع.. تلك معضلة مهولة ما يهمنا فيها هو الاشارة الى ضرورة التفريق بين خطاب المعرفة من حيث الموجه الاستدلالي البريء والمجرد، الذي يعقم اللغة من شروط المفاضلات المضمرة، في ثنائية وجاهية غبية، تفترض ميل المفاضلة بين صالح وطالح. حين تقول هذا لص لا تهدف الا توصيفه في سياق مجرد عن الموجه التعبوي التحريضي فالاعلاني، لانك ليس في موقع القضاء ولا الشرطة ولا توزيع الفضائل، ربما بعض افعال السرقة ستخضع للتاويل الفاضل او الفاجر، حيث يجيز بعض الفقه سرقة وغنيمة الاعداء، ومن هنا تقع المفاضلة اوالمؤاثمة الضمنية في المسوق السري للغة! هذا الشق الافتراضي الارعن من اللغة لا يدخل في مجال الخطاب المعرفي، ذو الحرارة المنخفضة والشفرة القاطعة، في سياقاته الكلامية، الاشكالية هنا في نظام الاستحياء والخجل اللغوي الذي يلثم معظم الافكار ويلبسها اقنعة تخيفيفية في تقديم استدلاله وصورته، فالجهاد كفعل حربي يفرض مفاضلاته ليكون خارج موصوفات العنف. الحرب في سبيل الله هو ذروة السلم ولم يصبح عنفا ولا ضررا مجردا، يتشكل في مساحات القتال وشروع الموت فحرفة التدمير لانه محكوم بافاضة تفاضلية تمنع توصيفه المجرد واثار تلك التداعيات على تكوين الفطرة، اي يتساوى داعية السلام والمجاهد بشمولية الاثر النفسي والسلوكي كما لو ان فعل القتل لدى المجاهد لا ينهي حياة شخص اخر ولا يؤدي الى التداعي النفسي الطبيعي في عملية القتل كما يؤدي هذا الاثر فعل القتل في مجرم! اذن اين الاختلاف ؟ انه في التوجيه الداخلي الذي يقوم بقلب الفطرة ازاء عملية القتل فيجعل القتل في مكانة ماثرة وفضيلة، لكنه لا يعاكس واقعة القتل بتجريدها ووصفها الملزم لنشاط انساني وانفعالي يشمل كل عمليات القتل، ومن هنا نحاول مقاربة خطاب المعرفة بوصفه معقما من المفاضلات والمؤثمات المضمرة في اللغة.
لغة السياسة والوعظ والاعلام وصحفنة الثقافة والاعلانيات المعرفية او الصناعات الادبية وحتى النصوص الدينية الصعبة... لكل ذلك لغته وخطابه المتهاود والمهادن نوعا ما، يتصرف عبر نظام سلعي سوقي متكيف، يخضع لميزان العرض والطلب، وهذا يمنعه من حيازة الفساح الحرة في التوصيف اللامقيد بالارضاء والاثارة والجذب، لانه لا يتبادل الحاجة مع المتلقي فيما الخطاب الاخر يتطلب التواطؤ بين الفريقين على الاشتراك في خلق الوهم والتلذذ الكاذب! تلك مشروعية غير سيئة ولا فاضلة، انها مشروعية سوق يكون ضحيتها ااكثر تواطؤا من جلاديها، فالحاجة هنا مقلوبة الفطرة والطبيعة.. انها قراءات خطرة في استخدام المسابير المعرفية لا بسط منتجات اللغة والماهيات والاغراض التي تقوم على الاسفاف الفاحص والمدقق، لذا هي ابعد على التفكير في جعل الاخر موضع مخايرة بين الرضا والرفض، وهذا ما يصطدم، باسلوبيته، مع الاكثرية الافتراضية التي تشكل وعيها على اساس تكرار الشبه والتشابه بين المتلقي والنص. وحين يغني الجمهور يصبح المغني مستمعا وتحل فوضى الغناء فلا تكن هناك اغنية، بل لا حاجة للسماع حين يصبح السمع بصريا وحسب، هكذا يخبرنا المخرج الايطالي فلليني برائعته [ الاوركسترا ]، عن فوضى الخلط بين جماهيرية العدالة والمساواة وبين الشرط الدكتاتوري للخلق والابداع فلا عدالة في المواهب والابداع والخلق ونظام الماثرة والذكاء والمعرفة والعلم.. كل هذا خارج نظام المساواة، بل ان استدراج عملية الخلق والابداع والحكمة لهذه الناحية هو خطا وخطر على السوية الفطرية للوجود برمته.. هناك عناصر لا يجب وضع سؤالها في مكان ليس لها، كما يفعل البعض ممن افرط في الخلط، بين تدخل الله والفقه في النقد السينمائي والطب والمطبخ وتنظيف الاسنان!! ما هذا ؟
هذا الابتداء هدفه الدخول في محاولة توضيع وتحجيم العناصر المخلوطة وفكها عن بعضها بحيث يعاد تنصيبها في مكانها، سيما وان عالمنا يعيش طوفانا من الشيوع الفوضوي والسييول المخلاطة - من خلط-، منها عدالات توزيع حق البطش والقتل مساواة توزيع حق الطغيان بين الاطراف اشتراكية تقاسم السرقة، الاستمثالات الفكرية المضحكة، وهي بقايا الوعي الهمجي بين الطواطم والسحرة/ بين العراف والتعويذة حيث اسقطت التعويذة والطوطم، في سياق ما يحدث من صور بدائية محلانية، على الاله والاولياء والصالحين! واسقطت العرافة، في سوق رواجها ومنتج واقعيتها، على النصوص والفقه، حتى ليبدو الالهات البوليتية - المحلية- والهينوثية - القومية- القديمتين، اكثر تطورا من هذا الاله الكوني الذي يقدمه الفقه الحديث، اثر هستيريا احتفالية وربيع خصب في سوق الاستهلاك الهمجي والجمهور الأمي الغوغائي.. اذ يبدو عصر الالهات الوثنية الاولى ارقى لاهوتا وتصورا من فكرة التعرف: على الحامض النووي للمهدي المنتظر! واكثر رقيا من الذين يحضرون الفوضى والظلم في طرف مذهبي ما، فيما يحتفظ المذهب الاخر بالمجيئية المهدية اثر ذلك الجور والقتل والفوضى!! احدهم يحضر بيئة المهدي واخر يحتفظ بملكية ظهوره.. ترى هل نحن في الالفية الثالثة قبل الميلاد ام ان تلك الالفية الغابرة ارقى ؟
اي من الممكن ان تستخدم فكرة العدالة بين لصوص وطلاب انتقام وفي موضعية السرقة والجرم والمافيا وكارتيلات المخدرات، وهذا يجردها من فضيلتها الشاملة لشكل فضيلة موضعية، وكذا العنف والحرب والقصاص والردع.. كل ذلك قابل لحمل الضدين في آن / فضله وشره بل استخدام الفضل لاغراض الشر والعكس. صدام مجرم وسيء ولكن هذه الصفة هي ملكية وطنية يمكنها ان تصبح غير عادلة ومغرضة،اذا صارت برانية، في خلفياتها الاقليمية من مثل هو سيء من خلفية ايرانية او سورية او كوتية.. الخ وهذا يجرد الملكية الوطنية،لواقعة السوء والجرم، شرعيتها، فيخدمه ويجعله ضحية تحريض خارجي، ثم تختلط الجبهة النقدية بين اهواء برانية وبين نوايا داخلية وتدريجيا تنخطف هذه الادانة من الخارج ليصبح صدام ثوريا وطنيا محاربا جردته هذه التدخلات من جرمه الاجتماعي لانها كرست التوصيف الخارجي على توصيف الملكية الوطنية، وهنا فقدت عناصر التجريم حيادها وبراءتها ونزاهتها فنكون امام ضحية وليس جلادا!! يا للفخ وهو يحشو ويؤثث الوعي بمتقابلات خارجية ليضيع على اصحاب الحق وطنية الجرم ووطنية القصاص! هنا اشكاليات هائلة حيال توصيف حروب صدام في سياق من يناظروها بواقعة هتلر، وهذا ان لم يكن سخيفا وغبيا فانه محاولة لتضليل جبهة الافكار بمقامص وتلبسات تزيد بلبلتها وتشويشها، سواء على مستوى المعرفة او على المستوى العملي لا سيما وان هتلر حارب واعتدى على ديمقراطيات بعقلية هجومية دون مبرر واحد يثبت اي خطر امني يتهدد مجتمعه، ما خلا نظام العقيدة الذي يسكر الوقائع وينومها لمصلحة الخيال فتكون قوة تنفيذ الخيال بلا اذونات ومبررات واقعية، وهذا داب كل العقائد حين تحاول تجسيد الخيال فلا سبيل لها غير الشر على الارض. فيما سيكون صدام معادلا لستالين في مواجهة هتلر ازاء مواجهة نظام الخميني مع ان الشبه تعوزه الكثير من الشروط المعرفية لاتمامه، في وقت قاد حروبه الاخرى برعونة حكام العالم الثالث وشطحات الاهواء الشوارعية التي لا ترتق لسلبية المغامرة العسكرية من دون فكرا عنصريا واضحا حتى حربه مع الاكراد تدخل في نطاق الرعونة المركزية وليس التمامية الفلسفية العنصرية كما هي الحال مع هتلر.. هكذا تبدو منهجية العفاف اللغوي والتعقيم المعرفي ضرورية لاعادة توضيع الاشياء جميعها وفق رسيم يبتكر هندسة التعفف على سياقات القصد والدلالة والتوصيف، كما لو اننا امام احداثيات طبغرافية توجه وتوضح دلالة القصد.. ليختبر هؤلاء الطاقة المعرفية لحب زوجاتهم كي يحق لهم تبرير سلطاتهم الوصفية والسياسية على مصائرنا.
الذين قرءوا التاريخ سواء ممن اصابه هوى الاستشراق الساحر او قادته المعازل القومية والهويوية - من هوية- كلاهما اخطا الهدف حتى انهم انقسموا بين الاستشراق الماركسي والاستشراق الاخر، معتقدين ان شمولية نظرية التاريخ ممكنة لكل مجتمع، وهي تتطور في الكليات المصيرية بتشابه واحد.. وهذا صحيح ان كانت وقائع التطور والموجودات واحدة / مفاعلات الثقافة اتحادها وتشكلها الحضاري، حاجات مجتمعها / هل هو مجتمع يطالب بالكهرباء لاجل الاحياء ام في تعبيد شوارع المدن لاستقبال المهدي، ثم زيادة ساعات الصلاة والصوم دونما اي اضراب عمالي ضد رب العمل! المزيد من الكبت الجنسي لتحقيق صيام الشهوة، كما يعمل حجاب النسوة في عالم الصيام الجنسي وفقه الجماليات المتسترة.. هذه الاستعارات المغفلة عند قراءة الذات في صيغة تاريخ الاخر واجهه الانفتاحيون، رافعو سيقان التملق الحضاري يتهمة العقل الرجعي والتخلف فيما حقق الرجعيون والمتخلفون انضواء العقلانيون تحت دثارهم الخاوي وملاذاتهم المعزولة، واصبح كل شيء يتطور بخرس فكري وصمت لغوي بين استعارات الماضي الخاوي او استعارات الاخر من المستقبل، كما لو ان التاريخ وقيم التنوير هي لقاح ضد التيفوئيد.
عبر هذا الفرهود الادبي والسطو المعرفي تتحرك الوقائع بعيدا عن تشخيص الحقائق، بل تتراكم على ضوء غياب الهداية المعرفية، وتزيد من الاستحياء والخجل اللغوي فتعمد الى تشويش القاعد المتلقية والمنتجة معا، وتصبح اللغة هي دلالة مفاخمات ومفاضلات وليس ادلة او وسيط تفاهم او افتراق، ولعل رياح الشعرية والنشيد يغلفان وظيفة هذه الوسائط والاشارات، عبر هبات عاطفية ومتحدات شعورية تزيد من خلط العناصر، وتعمي كل مناطق اتحادها بعناصر اخرى، وهكذا نحن في دوامة تشويش دائمة ربما ستكون فيها الغرائز اوفى للمعرفة مما ينتجه عقل الخلط والتلبس والتحجيب الذي جعل موجهات العاطفة والشعرية البلاغية مصدرا ليقينه / كمن يأتمن القطة على حماية جرذ! سيمياء السياسة في اشارات صورية ملؤها النشيد والشعار وكل اسماء الانفعالات التي لا تاتي الا بتحضير درامي، فيما يقود الايمانيات نشاط بياني وبلاغي، ما كان ليرسخ لولا الطاقة الانشادية التي اما تمحو العقل او تخلق منه حمارا ينقل عفش العواطف المشوشة.
اذا كانت نظرية التطور التاريخي صالحة لعالمنا كما انجزها التطور في الغرب فنحن في الالفية الثالثة وللتو ندخل ازمنة القرون الوسطى، بحيث تنجز جبهة الافكار، لاول مرة، سيطرة الارث البابوي والفقهي على زمام السلطة، لان ما انتجه تاريخنا ليس بابويا ولا فقهيا بل ارثا للاباطرة في قناع الدين، وفي طور استخدامه وتوظيفه لأحقية سلطة العائلة والقبيلة المقدسة، حيث بقي ارث الفقهاء كامنا ومتربصا ومؤجلا، وها هو الان يزحف لاجل السيطرة على السلطة والدولة بعد ان عاش وعاش بعضه بين سلطات الظل. فاما ان ننتظر تطور التاريخ في هذه الالفية الثالثة انطلاقا من كونه تاريخ القرون الوسطى،اي نحتاج لالف عام اخرى كي ندخل الالفية الثالثة فيما نجد العالم سوف يدخل الالفية الرابعة، هذا ان بقي مجال يرضي الحياة والارض على تقبل المزيد من حماقات الجنس البشري، وتمكن ارث السجايا الانسانية ان يقلل فخاخ الذكاء وخطورته على مستقبل الحياة ولم يوقع الناس والوجود في ازمنة التدمير الذاتي!! اذن كيف يمكن موازاة العالم والتناغم في سياقاته ؟
انه الخوف الفلسفي كل مرة، وهو من شانه جعلنا نعتقد ان الماضي كان ارقى من الحاضر، ذلك لان اساطين الخوف المبرمج كانوا اكثر حزما وسيادة على القانون، وهذا من شانه ابتكار خيارات وقناعات، تبدا اكراهية لتنتهي كعنصر رفاه ومساكنة وطبيعة سيتدرج الناس في قبولها، لانها الخيار الوحيد لحمايتهم من انفسهم وقد عزلوا طويلا عما يمكن ان يروض هذه الخيارات في ضوء حماية خيارات الاخر وفي ضوء احترام الذات / عزتها وحصانتها، بعد تاريخ من الاخصاء والتحقير الوجداني واقامة العاطفة على انظمة دونية وضيعة، رسختها قيم تربوية تتسق مع ثقافة العنف، فتجعل المكانة العاطفية في ذميّة التخنيث! وهذا يشمل حتى ثقافة السلام وخيالها في عقل العامة..
الخوف الذي يقصده سارتر لا طغاة العالم الثالث، لما فيه من كيمياء تطويعية وترويضية تقوم بنشاط تربوي، كما لو انك تقدم الحكمة والفلسفة بعصا راعي وشباك زنزانة ونصوصا تكتبها السياط، حيث لا تصلح الحرية في توحش ولا الديمقراطية في مجتمع جعل تعذيب الجسد فضيلة وتدين... انه الردع البودليري ( ايها الشرطي اضرب عدو الوردة ) لا ردع صدام، حيث الجنرالات يشارفون حكمة بوذا والدبابة تقابل تامل كومفوشيوس، هكذا حين يصبح البشر ذئابا وتخطفهم شريعة التوحش لا يكمن اعادة تمركزهم بطاقة الحب والايثار والوداد والعرفان فاخلاق كقوة موازية للردع الخارجي بردع وجداني، فانه لا تصلح اعادتهم للحضيرة البشرية الا بنمور بيضاء تكبح انفلات هذه الذئبية الجماعية وينتصر الانسان على الذئب الكامن فيه عن طريق الخوف والردع المبرمج والرجات المنظمة، وهذا ينطوي على تفصيلات وتقنيات ادارية ومهنية مبتكرة وخلاقة، قيض لها ان تفرض قدرية الخوف على رغبة الامان في مجتمع فقد اسوء انظمته الامنية منذ ان خلق، فلم يعد صالحا لخلق اي سلام داخلي حتى الذي توفره العصابات وسط جزراتها الامنية.
هي دعوة لاعادة البحث والتنقيب في جذور الطبقات النبيلة الكائنة في محترفات الردع المبرمج والعنف القانوني، هذه الطبقات - المقصود الطبقة العسكرية - التي أورثت المجتمع غياب الطبقة السياسية بعد ان اصبحت هي مولد هذه الطبقات، فاحتكرت حدود الشرف السياسي طبقا لانضباطها وتراكمها وخبرتها الواقعية في ادارة السلطة، حيث اندثرت طبقات السياسة وتهمشت بل اصبحت ملاحق وذيول طبقة السياسيين العسكر، حتى عسكرة نفسها، اي السياسة، بخبرة متواضعة وقليلة جعلتها تفشل في ادارة العنف الحكومي وتخلط بين الجريمة والردع لانها لا تملك خبرة وحرفة في ادارة انضباط الردع والعنف كما يملكها العسكري ويمتثل لنظامها الاخلاقي كجزء من مهنته وانضباطه، وهذا جعل الطبقات المدنية في السلطة ابشع عنفا وفوضى وافراطا في استخدام الردع من اؤلئك العسكريين، وهكذا تدرج العنف حتى احتله الشقاوات وابناء الشوارع معتمدا على الشرعية العسكرية الاولى، ومبالغا في تطوير مثالها الذروي الى حد فقد جوهره وكوابحه الداخلية. هذا النموذج المنفلت فرضته طبقة السياسيين المدنيين، بعد ان اختفت لردح طويل، طبقاتهم واحتلها العسكر حتى ضمرت واضمحلت، وحين استندوا على ارث الردع والعنف فانهم مارسوه بانفلاته الغضبي والانفعالي والمزاجي، وحين قدم المدنيون نموذجهم الثوري للعنف فانهم اختاروا الشقاوة وابن الشارع والفاحشون فيما بقي العسكر يمارسون حرفة العنف الموجه والمبرمج - سنفرد لهذه الخاصية موضوعا مستقلا -، وهذا فرض مثالا اجتماعيا هو الان يتسيد على المشهد السياسي ويقدم ارقى نسخة متطورة من نموذجه، وهنا نتعرف على ان العنف المدني غيب ومحي الردع العسكري الاول، لذا لا نتمكن ان نستورد شعبا لعقار طبي اسمه الديمقراطية ولا خيارات امامنا سوى البحث عن مكامن الطاقة المنضبطة والخبيرة في مهنة الردع والعنف،اثر شيوع وسيادة قيم الشقاوات وابناء الشوارع تحت مسميات ثورية وجهادية سيطرت على الطبقات العقلية والتاملية بين الاحزاب والمنظمات والدول، وهذا جعل زلزال الحرب الاجتماعية والعنف هما المتحكمان في المشهد، وبالضرورة فان اسوء تجمع بشري محكوما بنظام اخلاقي وان كان تجمع عصابة، لان الجريمة الخارجية التي تمارسها العصابة، لا تتحقق في ظل انعدام النظام الداخلي، اي اخلاقيات البنية الداخلية للعصابة نفسها وهو سبيل نجاح جريمتها وهذا ينفتح على منظومة قيم كلاسيكية معروفة، يصبح فيها الايثار والتماسك والوفاء.. الخ قوة توليد لتماسك الافراد المنضوين تحت مشروع ما.
يا للقدر البغيض ونحن نحث الان، اثر شعورنا بخطورة الاحلام وانهيار كل النظام الاخلاقي والانساني بل انهيار اجتماعية الزريبة، باسوء صورها، لا نجد امامنا الا البحث عن دكتاتورية تتصف بانظمة الشرف العسكري بعد ان خلى الشرف من كل الطبقات السياسية والدينية والمدنية والحزبية والتكنوقراطية والشعبية، لم يعد امامنا غير التغطية الفكرية للقمع والردع، فحين يقتل الناس انبياءهم ويحتقرون مصلحيهم فانهم حتما اجتثوا من وجدانهم نظام الحب والسلام والاخوة والعدل والجمال وبالتالي اصبحوا خطرا على انفسهم وعلى غيرهم، ومادامت حروبهم الداخلية ستطيح باعداد غفيرة منهم فمن السلام والامن تقليل هذا العدد بواسطة الردع والخوف وتاليا احلال الامن القسري لان الامن لا يحق له اختيار ثنائية وضدا له، اي اللاامن وجعلها نوعا من الحرية او اخضاعه لنظام الرغبة والانتخاب، هو الوحيد شرط لا مجال للبحث عن رغبة الناس به من عدمها، انه الدكتاتور الوحيد الذي نجبر على انتخابه بالتزكية القسرية دون ان ينافسه احد فهو الرئيس الابدي الذي لا بديل له غير الموت والفوضى وتدمير الحياة.