حسابات النصر والهزيمة في حرب حزب الله الأخيرة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
يفترض أن هناك مواصفات متعارف عليها لحسابات الربح والخسارة، النصر والهزيمة،ليست خاضعة للمزاج الشخصي أو العاطفة التي تبديها الجماهير العربية و نسبة الأمية بينها يزيد على ستين بالمئة، وبالتالي تحركها الخطابات الكلامية خاصة إذا أعطيت مسحة دينية كخطاب النصر الإلهي لحزب الله في بيروت أو خطاب الثبات والصمود لحركة حماس في غزة، يتضافر مع ذلك التركيز الإعلامي الحكومي أو الحزبي، فتكرار المعلومة يجعلها حقيقة لدى تلك الجماهير مهما كانت كاذبة أو خادعة أو مضللة. فمثلا ضياع فلسطين وخسارتها واحتلالها عام 1948 هو مجرد نكبة، والنكبة لغويا تعني المصيبة أي العارض غير المتوقع الذي يصيب الشخص فيتألم منه لفترة محدودة. أما خسارة واحتلال سيناء والجولان وغزة والضفة الغربية في حرب الأيام الستة عام 1967 فهو مجرد نكسة، و كلمة النكسة تستعمل في الغالب في المجال الصحي، فنقول (انتكس الشخص) أي عاوده المرض بعد الشفاء. وكل هذه الهزيمة المنكرة واحتلال كل تلك الأراضي من ثلاثة دول عربية، كانت في القاموس البعثي السوري انتصارا... لماذا و كيف؟. لأنه حسب أطروحات الحزب آنذاك فإن هدف الحرب كان إسقاط النظام الثوري في دمشق، وعندما لم يسقط النظام وظلّ متسلطا على رقاب وصدور الشعب السوري فهذا انتصار ما بعده ولا قبله انتصار بهذا الحجم!!!. هذه هي بعض مفاهيم العرب للنصر والهزيمة، مجرد خطابات وكلمات عاطفية ثورية، تبتعد عن دراسة النتائج الناجمة عن الحرب وبالتالي الحكم هل كانت تلك النتائج الميدانية نصرا أم هزيمة؟ لأن الحروب لا تشنّ من أجل تسجيل بطولات وصمود لأسابيع أو شهور، أو لتعداد الخسائر في الأرواح والمعدات لدى كل طرف، ولكنها تشنّ من أجل أهداف محددة لدى الطرف الذي يبدأها وهي عادة أهداف لا يريد الطرف الآخر أن يحققها الطرف الأول لأنها ضد مصلحته. وللتوضيح فقد أبلى الجيش الألماني بلاءا حسنا في الحرب العالمية الثانية، وسجل بطولات اعترفت جميع أطراف الحرب بها، ولكن النتيجة كانت هزيمة ألمانيا هزيمة نكراء نتج عنها سقوط النظام النازي بلا رجعة، وتقسيم ألمانيا واحتلالها، ومنذ ذلك الوقت لا يتغنى الألمان بتلك البطولات التي سجلها جيشهم فالنتيجة كانت الهزيمة والاحتلال والتقسيم. ومن التاريخ العربي المعاصر نتذكر حرب اجتياح وحصار بيروت عام 1982، فقد صمد المقاتلون الفلسطينيون واللبنانيون 88 يوما هي الأيام التي امتد فيها الحصار، والنتيجة سميت وما زالت في إعلام المقاومة الفلسطينية واللبنانية انتصارا ساحقا على مخططات شارون . وهل كانت النتيجة فعلا هكذا؟. لا... وألف لا...فقد كان هدف إسرائيل من الحرب هو إخراج المقاتلين الفلسطينيين من لبنان، وقد تحقق ذلك وخرج المقاتلون والمدنيون الفلسطينيون موزعين على العديد من العواصم العربية، وبالتالي فالنتيجة هي هزيمة واضحة لا يخفيها صمود هنا وبطولات هناك!!.
والآن.. كيف نقّيم حرب حزب الله الأخيرة
لا يمكن لأي شخص أيا كان موقفه السياسي من حزب الله، إلا أن يعترف صراحة بأن الحزب ألحق خسائر باهظة بالجيش الإسرائيلي في الأرواح والمعدات، وهي خسائر لم يكن قادة الجيش يتوقعونها مطلقا،كما أن الحزب أبدى مهارات دقيقة في التصدي والمواجهة وإدارة المعركة مما فاجأ الجيش الإسرائيلي أيضا بهذه القدرات سواء كانت ذاتية أم بدعم ضباط إيرانيين كما روج الإعلام الإسرائيلي. ولكن اعتمادا على حسابات النتائج لهذه الحرب في الساحة اللبنانية هل كانت نصرا أم هزيمة؟ ما هي أهم هذه النتائج؟.
أولا: التدمير والتهجير الذي لم يعد سرا ولا يحتاج لإعادة تكرار المعلومات والحقائق المعروفة، وما زال لبنان شعبا وحكومة يعاني منها ويحتاج لما لا يقل عن عشرة مليارات من الدولارات لإعمار ما دمرته الحرب، بالإضافة لما لا يقل عن ألف وخمسمائة قتيل وألآف الجرحى، ومن العار المشين ما ردده البعض أن من ضمن هؤلاء القتلى لا يوجد سوى عدد قليل من مقاتلي حزب الله وقياداته.
ثانيا: صدور القرار الدولي رقم 1701 الذي نتج عنه بسط سيطرة الدولة اللبنانية وجيشها النظامي فوق كافة الأراضي اللبنانية، و وصول القوات الدولية (اليونيفيل) المسلحة هذه المرة ومن ضمنها قوات من حلف الناتو من فرنسا وألمانيا وأسبانيا وإيطاليا وتركيا، وقيام البحرية الألمانية بمراقبة السواحل الألمانية بشكل كامل ومسيطر عليه.
ثالثا: وكنتيجة لذلك تراجعت قوات حزب الله ولم يعد لها أي وجود علني كالسابق لا في الجنوب اللبناني ولا في أي مكان من الأراضي اللبنانية، وبالتالي لم يعد في مقدورها الرد على أية خروقات إسرائيلية، لأن أية رصاصة تنطلق من الأراضي اللبنانية اتجاه الحدود الإسرائيلية سيكون مسؤولا عنها الجيش والدولة اللبنانية، بدليل انه منذ انتهاء الحرب حدثت عشرات الخروقات الإسرائيلية بما فيها تحليق الطيران الإسرائيلي دون أن يرد حزب الله برصاصة واحدة على أي من هذه الخروقات.
وماذا كانت تريد إسرائيل أساسا؟
أعتقد أن الهدف الإسرائيلي من هذه الحرب لم يكن إطلاق سراح الجنديين الأسيرين الإسرائيليين، بدليل أن الحرب بدأت وتوقفت دون إطلاقهما ولم تعد إسرائيل تلح على الموضوع، لأن الهدف الإسرائيلي كان تأمين حدودها مع لبنان وإبعاد مقاتلي وسلاح حزب الله ووجود الجيش والدولة اللبنانية فوق كامل التراب اللبناني، ووجود قوات دولية مسلحة ليست مهمتها الآن المراقبة فقط، ولكن إطلاق الرصاص أيضا على من يطلق الرصاص من الحدود اللبنانية اتجاه إسرائيل، وطالما الهدوء يخيم على الحدود ولا رصاص يطلق على إسرائيل، فهذا هو الهدف الإسرائيلي وقد تحقق كاملا، ولم يعد بمقدور حزب الله بعد هذا التواجد الدولي الكثيف أن يستعمل حتى ورقة مزارع شبعا التي ما يزال وضعها ضبابيا هل هي سورية أم لبنانية، طالما النظام السوري لم يعلن رسميا ولم يبلغ المنظمة الدولية أنها لبنانية وبالتالي فهي مرتبطة بالجولان المحتل إسرائيليا والمنسي سوريا!!.
وهكذا اعتمادا على النتائج فقد حققت إسرائيل هدفها من هذه الحرب، أيا كان حجم خسائرها وحجم بطولات حزب الله وصموده، وبالتالي لا يمكن إنكار ما حققته إسرائيل من هذه الحرب من خلال الخطابات العاطفية بمسحة دينية تحت مسمى (النصر الإلهي)، فمن غير المقبول أن يكون نصرا إلهيا وهذه نتائجه الإسرائيلية، فكيف كانت نتائجه لو اقتصر على كونه (نصرا بشريا) فقط؟؟....وبالتالي هل من المنطقي والموضوعي الاستمرار في اعتبار النتائج نصرا لحزب الله و هزيمة نكراء لإسرائيل؟.
ومن النتائج السلبية في الجانب اللبناني لهذه الحرب، تكريس السيد حسن نصر الله شخصية لا تقترب من درجة القداسة فقط بل شخصية مقدسة فعلا، بحيث ما عاد إلا القلة من يجرؤون على نقده لأي موقف سياسي فكيف يمكن ومن يقبل انتقاد قائد و زعيم (النصر الإلهي) وهو بهذه القدسية، وهذه ليست مبالغة مني فقد كتب الزميل الأستاذ يحيى أبو زكريا في إيلاف بتاريخ الخامس من أغسطس الماضي موضوعا بعنوان (سماحة السيد حسن نصر الله: قراءة في شخصيته)، قال في مطلع المقالة: (لا يختلف اثنان في العالم العربي والإسلامي أن سماحة السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله قد تحول إلى ظاهرة سياسية وثقافية واجتماعية، وأكثر الشخصيات قدسية على وجه الإطلاق). وليس من باب تصيد الخطأ لدى زميل أحترم علمه وأقدر سعة إطلاعه، ولكن لتصحيح ما فهمته وربما أكون مخطئا: أليس مبالغة القول (لا يختلف اثنان في العالم العربي والإسلامي أن سماحة السيد...... إلخ)، بدليل أنني قرأت عشرات المقالات لكتاب معروفين يعارضون السيد حسن نصر الله وينتقدون توجهاته!. أما قوله (وأكثر الشخصيات قدسية على الإطلاق)، فهل هذا يعني أنه أكثر قدسية من الرسول (ص)؟ متذكرين أن الرسول (ص) عندما جاء بالقرآن الكريم لقومه قريش، وجد من رفض الاعتراف به رغم تقديمه لهم على أنه منزل من عند الله تعالى وهو كذلك!.
ومن الأخطاء الفادحة في خطاب النصر الإلهي للسيد حسن نصر الله، والتي لو اعتمدنا قدسيته المطلقة هذه لما كان من حقنا ذكر هذا الخطأ من وجهة نظرنا على الأقل، وهو توجيهه التحية الحارة والتقدير العالي لنظامين ديكتاتوريين استبدادين أذاقا شعبيهما الويل والموت وهما النظامان السوري والإيراني، رغم أن ما قدماه للحزب أثناء الحرب لا يعدو الكلام والخطابات والتهديدات الفارغة، فلم يشاركا برصاصة واحدة فكيف اختلفا عن بقية الأنظمة العربية والإسلامية؟؟.
ضمن هكذا تحليل ورؤية نسأل: هل نتيجة الحرب انتصار أم هزيمة؟ خاصة وأن دولة إسرائيل حققت هدفها على ومن الحدود مع لبنان وسكتت الحدود ولم نعد نسمع صوتا لرصاص حزب الله، وستثبت الأيام القادمة أن الحزب ما عاد يستطيع مطلقا استعمال سلاحه وقد أصبحت المسؤولية ملقاة على الجيش والدولة اللبنانية بعد بسط سيطرتهما على عموم الأراضي اللبنانية. وهذه مجرد رؤية شخصية لا تقفل الباب أمام من يريد الاستمرار في التغني بالنصر سواء اعتبره (نصرا إلهيا) مثل السيد حسن نصر الله أو (نصرا بشريا) مثل آخرين.. ويفترض أن الخلاف في الرأي لا يفسد المودة بين الناس!.
ahmad64@hotmail.com